الأحكام الشرعيّة تؤخذ من مصادر التشريع الأساس، المتمثّلة بالقرآن الكريم والسنّة النبويّة الشريفة، التي سار عليها أئمّة أهل البيت (عليهم السلام)، وبالتالي الأفعال التي تصدر من غيرهم لا يمكن أن تكون حجّة علينا، ما لم توافق نهج القرآن الكريم، والسنّة المحمّديّة الأصيلة.
وعليه، لو بحثنا في النصوص القرآنيّة الكريمة، لا نجد مبرّراً للفتوحات، بل لا نجد أمراً قرآنيّاً يحثُّ على إجبار الناس على الدخول في الإسلام بالقوّة، وإنّما نجد في قوله تعالى: {فَذَكِّرْ إِنَّما أَنْتَ مُذَكِّرٌ لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ} [الغاشية: 21 – 22]، أنَّ النبيّ (ص) جاء لتذكير الناس بالهدى والحقّ، وكذلك في قوله تعالى: {وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ الَّذِينَ يُقاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} [البقرة / 190]، تجد فيه أنَّ الله تعالى يأمر بقتال الذين يقاتلوننا، وذيل الآية الكريمة يُصرّح بعدم حبّ الله للمعتدين، الذين يعتدون على حقوق غيرهم، وهكذا في الآية التي تلتها بعدم قتال المشركين والكافرين عند المسجد إلّا إذا بادروا بالقتال. {وَلا تُقاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ حَتَّى يُقاتِلُوكُمْ فِيهِ}، وذلك لأجل ألَّا تكون فتنة بين الذين آمنوا كما في قوله تعالى: {وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ} [البقرة / 193]، وغيرها من الآيات القرآنيّة التي تشير الى أنَّ القتال يكون للدفاع عن النفس أو عن الدين والمعتقد، إذْ لا إكراه في الدين.
وأمّا من ناحية النصوص الروائيّة، فالإمام الصادق (ع) كان يصرّح بأنّ تلك الحروب وما يُسمّى بالفتوحات لو كان فيها خيراً ما سبقه إليه أحد، إذْ روى عبد الملك بن عمرو أنّه قال: قال لي أبو عبد اللّه ع «يا عبد الملك ما لي لا أراك تخرج إلى هذه المواضع التي يخرج إليها أهل بلادك؟ قال قلت: وأين؟ فقال: جدّة وعبّادان والمصيصة وقزوين. فقلت: انتظاراً لأمركم والاقتداء بكم. فقال: إيْ والله لو كان خيراً ما سبقونا إليه. قال قلت: له: فإنّ الزيديّة يقولون: ليس بيننا وبين جعفر خلاف إلّا أنّه لا يرى الجهاد. فقال أنا لا أراه! بلى إنّي لأراه، ولكنْ أكره أنْ أدع علمي إلى جهلهم» [الكافي ج5 ص19]، فلم يؤيّد الأئمّة (عليهم السلام) تلكم الفتوحات، بل منعوا شيعتهم من المشاركة فيها، وعدم المرابطة على الثغور أيضاً، كما ورد عن الإمام (ع) أنّه قال: «لا يخرج المسلم في الجهاد مع من لا يُؤمَن على الحكم، ولا ينفذ في الفيء أمر اللّه عزّ وجلّ، فإنّه إن مات في ذلك المكان كان معيناً لعدوّنا في حبس حقّنا والإشاطة بدمائنا، وميتته ميتة جاهلية»[علل الشرائع ج2 ص464].
بل كان منهج آل محّمد عليهم السلام يعتمد على نشر الحقّ، والعدل، وتعليم الناس ما جهلوه من العلوم، فقد روى عبد السلام بن صالح الهرويّ أنّه قال: سمعت أبا الحسن الرضا (ع) يقول: رحم الله عبداً أحيا أمرنا، فقلت له: فكيف يُحي أمركم؟ قال: يتعلّم علومنا ويُعلّمها الناس، فإنّ الناس لو علموا محاسن كلامنا لاتّبعونا» [معاني الأخبار ص 180].
وما حصل فيما يسمّى بـ (الفتوحات) وما ترتّب عليها من آثار لم يكن سوى اجتهاد من قبل الحكّام السياسيّين؛ لتوسعة الرقعة الجغرافيّة، ولزيادة الموارد الاقتصاديّة. [ينظر: أسئلة وأجوبة في الدين والعقيدة للسيّد جعفر مرتضى العامليّ].
المقال رداً على سؤال: هل لنا أن نُسمّي احتلال المسلمين للأندلس وصقلية والقسطنطينيّة فتحاً، في حين نُسمّي احتلال الغرب لنا عدواناً غاشماً؟ أليس هذا دليل على ازدواجيّة المعايير؟ وتبرير فعلٍ إجراميٍ طالما هو واقع تحت غلافٍ دينيّ؟