“كُلْ ما يعجبك والبس ما يعجب
الناس”.. مثل معروف لدينا في العراق كنايةً عن الحرص على احترام
الذوق العام والتقاليد والآداب فيما يلبسه الرجل او المرأة خارج
البيت، لأن المظهر الخارجي يترك أثره في النفوس سلباً او ايجاباً،
بينما الطعام والشراب فهو يختصّ بصاحبه فقط، وما يتناوله لا يؤثر
على أحد سواه.
ولكن! في بلد مثل العراق، يتمتع
أبناؤه بنعمة الحرية في ظل “نظام ديمقراطي” بعد الاطاحة بنظام صدام،
فان هذا المثل قد لا يجد مكاناً له في الثقافة العامة الباحثة عن
“الحرية الشخصية” في كل شيء منها ما يتعلق بالمظهر الخارجي من قصّات
الشعر للرجال، واختيار الملابس الضيقة للنساء، ولا نخوض في موضوع
القراءة الصحيحة لمفهوم الحرية، وما هي المعايير الحاكمة لصحة هذه
القراءة حتى نحصل على حرية حقيقية ينعم بها الجميع؟ فهذا بحث لا
يسعه المقام.
إنما المهم التذكير بأن حرية اختيار الملابس في البلاد الغربية لا يمكن استنساخه الى بلد مثل العراق، لسبب بسيط، أن المرأة الفرنسية مثلاً عندما ترتدي نوعاً من الملابس يظهر منه مفاتنها، فانها على ثقة بأن لا يوجد الكثير من المتعطشين لهذه المفاتن إن لم نقل لا يوجد أصلاً بينما لو ارتدت المرأة العراقية او المصرية ـ مثلاً- نفس الملابس في بلادها تصوروا ماذا يكون وضع الرصيف الذي تسير عليه هذه المرأة، وهو موقف المارة او اصحاب المحال التجارية او اصحاب سيارات الأجرة؟! طبعاً، نفس الأمر ينسحب على مظهر الرجال ايضاً.
ولابد هنا من التأكيد على سلامة نوايا الغالبية العظمى من النساء والفتيات في العراق تحديداً وهنّ يرتدين موديلات الملابس القادمة من مناشئ مختلفة، وحتى استخدام الاكسسوارات ومستلزمات التجميل فهو يرتبط بالدرجة الاولى بنزعة نفسية خاصة بالمرأة لجذب الانتباه، وهي مسألة غريزية مفهومة، وهذا يشمل حتى النسوة اللاتي لا يرتدين الحجاب اساساً في بعض المدن العراقية.
إنما المقصود الآثار المترتبة على أنماط من الملابس بعينها على الرجال في الشارع، وهو ما لا تجهله النساء الحصيفات مطلقاً، أما القول بحرية الاختيار الى جانب حرية الاقتناء والارتداء، وأن الانسان بامكانه أن لا ينظر الى ما يعده محرماً عليه، وهذا يشمل ظاهر النساء في الشوارع، وايضاً ما تعرضه القنوات التلفزيونية ومواقع الانترنت، كل هذا لا يصمد امام الحقائق العلمية التي تؤكد التأثيرات الحتمية على نفوس الرجال كونها تستهدف الغريزة الجنسية الحساسة جداً بما يصعب على الكثير السيطرة عليها {إلا من أتى الله بقلب سليم}، وهذا سواءٌ كان بإرادة من المرأة أو دون إرادة منها، فالنتيجة واحدة.
لا نريد الخوض كثيراً في الأمثلة والشواهد الكثيرة التي يعيشها الناس في حياتهم اليومية، يكفي الإشارة الى ملابس طالبات الجامعة لنعرف الى أي مدى تحولت بعض أنواع الملابس، لاسيما التركية المنشأ، الى نمط يفرض نفسه على هوية العراقيين والتزاماتهم، لاسيما في المدن المقدسة، ونفس الأمر في الفتيات الصغيرات، ولعلها ظاهرة تكون أكثر خطورة من غيرها لوجود غطاء من التبرير لدى البعض بصغر السنّ، مما يسهّل او يمرر أشكال وأنماط من الملابس تجعل من السِتر والعباءة كلمتان غير مفهومتان في مستقبل هذه الفتاة، وبعد سنّ البلوغ، بعد أن اعتادت إظهار يديها او رجلها في فساتين ذات ألوان زاهية وجميلة.
إن للوالدين الدور الأساس والمحوري في ترشيد ظاهرة الملابس المستوردة وإبداء المزيد من الحرص على اختيار “الأستر” على أقل التقادير، وبذل المزيد من الجهد والامكانات لايجاد البديل مهما كلف الثمن لان القضية تستحق الكثير لما لها من مدخلية مباشرة في بناء الشخصية الايمانية المتوازنة والرصينة القادرة على العطاء والإسهام في تقدم البلاد، بعكس الشخصية المهزوزة بسبب رياح الغريزة وانشغال الذهن بالمشاعر والاحاسيس المتقلبة دائماً، فيكون صاحبها تبعاً لها دائم التقلّب في المزاج والشعور، فيصعب عليه ـ والحال هكذا- التطلع الى المستقبل او التفكير بمسؤوليته إزاء نفسه أولاً؛ وإزاء مجتمعه وشعبه.
الى جانب دور الأسرة في تحجيم وجود هذه الأنماط من الملابس المستوردة، فان للدوائر الحكومية المعنية دور مؤثر في الوقت نفسه في الحد من وجود هذه الانماط داخل الاسواق العراقية، من خلال الرقابة الجمركية كما هو الحال بالنسبة للمواد الغذائية والانشائية والدوائية التي تستوقفها لجان السيطرة النوعية والمراقبة الصحية عند الحدود البرية، وحتى الجوية لاكتشاف الصالح للاستخدام عن دونه، وفي نفس الوقت بالامكان توجيه التجار نحو مناشئ أخرى لصناعة الملابس بما يتناسب مع هوية وتقاليد الشعب العراقي، فما الذي يجبرنا على اختيار نمط الملابس التركي مثلاً دون غيره، لاسيما الملابس النسائية؟!
القضية تحتاج تظافر جهود من الأبوين، ومن الابناء ذكوراً وإناث ثم من التجار، وايضاً من الحكومة للوقوف امام ظاهرة الانفلات غير المسبوق في أنماط الملابس، لاسيما المتعلق بالإناث بشكل عام، وليكون وجه المجتمع نقياً وجميلاً من دون شوائب وعلامات فارقة، او مظاهر شاذة تعكس شخصيته العامة أمام العالم، فكما أن الملابس للرجل والمرأة تعكس شخصية صاحبها، فان الظاهر العام للمجتمع في الشارع يعكس شخصية المجتمع وهويته وثقافته، بل وطريقة تفكيره، وحتى سلامة نفسيته من الاضطراب والقلق، فيكون همّه وتفكيره منصبّاً على الابداع والعطاء والإسهام في تغيير الاوضاع الى الأحسن، سواءً ارتدى هذا القميص أو ذاك، أو هذا البنطال او غيره، او هذا الحذاء او غيره.