الثلاثاء 10 رَمضان 1446هـ 11 مارس 2025
موقع كلمة الإخباري
مربّيات وعاملات.. تجارب وقصص ناجحة لعمل المرأة من داخل المنزل
(خاص) بغداد ـ كلمة الإخباري | سراج علي
2025 / 02 / 07
0

وفقاً لإحصائية شبه رسمية صدرت في العام الماضي، فإن عدد النساء العاملات في العراق يقل عن (مليون امرأة) ولكن هناك عدداً مضاعفاً جداً لنساء يعملن ويشاركن عوائلهن في تأمين متطلبات الحياة، ولكن داخل المنزل، وقد أسهمت وسائل التواصل الاجتماعي في عرض بضائعهن المختلفة وأعمالهن التي يجدْنها وتصل إلى مختلف الزبائن والمشترين.

قصص نسائية ملهمة

اختارت فلور البغدادي (اسم مستعار) أن تخوضَ تجربة العمل من المنزل، تقول لـ (كلمة): إنّ "متطلبات الحياة واحتياجاتها لا تتوافر بسهولة، وكان لزاماً أن تشارك زوجها في تأمين جزء منها".

تعمل البغدادي وهي ربّة بيت ناجحة وأمّ لثلاثة أولاد، في مجال بيع الحقائب والعطور النسائية، التي تتبضّعها من سوق (الشورجة) في العاصمة بغداد وتقوم بعرضها على صفحات عدّة أنشأتها على مواقع الـ (فيس بوك، إنستغرام، توك توك).

وتبيّن بأنّها "وجدت في الأمر متعة وفائدة لها؛ كما تحصل على مردود ماليٍ جيداً جداً" مشيرةً إلى أنّ "العمل من المنزل مريح جداً وبلا قيود للمرأة، وخصوصاً لربّة البيت التي تجد من أولوياتها وواجباتها رعاية أسرتها وتربية أبنائها".

وفعلت الأمر ذاته السيّدة أم عبد الله، وهي ربّة بيت أيضاً، حيث تقوم ببيع ما تصنعه من المأكولات على زبائنها من الرجال والنساء، عبر نشر أعمالها على مواقع التواصل الاجتماعي.

تقول أم عبد الله لـ (كلمة): "بسبب صعوبة الحياة والأعباء والمسؤولية الكبيرة التي يتحمّلها زوجي لتأمين احتياجاتنا الضرورية، قررت أن أكون سنداً له وأساعده".

وتابعت بأنّها "جرّبت عمل مأكولات مختلفة وعرض صور لها التقطتها بكاميرا هاتفها، وبمجرّد أن نشرتها على صفحها في فيس بوك أخذت الطلبات تنهال على تجربة بضاعتها، التي تصنع داخل المنزل".

وبيّنت بأن "زوجها يقوم في فترة العصر بإيصال الطلبات إلى الزبائن، والحمد لله الأمور تمضي على خير".

الشابة آمنة المنصوري (25 عاماً)، أكملت دراستها الجامعية في مجال القانون، ولكن لم تجد بعد فرصة العمل المناسبة التي ترتاح بممارستها باحترامٍ وبلا مضايقة.

تقول المنصوري لـ (كلمة): "حاولت أن أعمل في مكاتب المحامين المشهورين ولكنّ الأجواء لم تكن ملائمة أبداً، وكنت أتمنى أن أحظى بفرصة التعيين في دوائر الدولة".

وبعد محاولات غير ناجحة "قرّرتُ فتح بيج خاص لبيع الهدايا والملابس النسائية على تطبيق (أنستغرام)، وفعلاً نجح الأمر معي وصار عندي عدد كبير من الزبونات" هكذا تحدّثت المنصوري.

هل العائلة والأطفال حواجز فعلاً؟!

وتحقّق مثل هذه الأعمال التجارية التي تقوم بها النساء من داخل المنزل صورة ملهمة للكثير منهنّ، فهنّ يعملن بأريحية ومن دون قيود العمل خارج المنزل، كما يتيح ذلك بقاء المرأة بالقرب من عائلتها وتربية أبنائها.

ولكنّ المنظمات التي تدّعي مناصرة المرأة لا تذهب مع هذا الرأي، فهي تسعى بما أمكن أنْ تعمل النساء خارج المنزل، وتنتقد الحكومة لعدم توفير فرص العمل لهنّ في الدوائر والمؤسسات الحكومية.

واعتبرت تقارير العديد من المنظمات النسوية العراقية والدولية بقاء المرأة داخل المنزل لرعاية أسرتها وتربية أبنائها بأنها "حواجز تحول دون التحاق النساء بالقوى العاملة" إلى جانب ما وصفته بـ "نقص التأييد الأسري" و "تثبيطهنّ عن العمل من جانب الأزواج".

كما انتقدت هذه المنظمات الأعراف الاجتماعية واعتبرتها "حاجزاً يمنع المرأة من العمل خارج المنزل".

ويعلّق الصحفي محمّد صلاح الكعبي على هذا الأمر قائلاً لـ (كلمة): إنّ "من حق النساء أن يعملنَ ولا حواجز تقف أمامهنّ ما دُمن يحافظن على خصوصيتهن وعفّتهن للعمل داخل المؤسسات ووسط الرجال" ولكن "لا يعني تفضيل الرجال في العمل أنه سلبٌ لحقوق النصف الثاني المتمثل بالنساء، وإنما من واجب الرجل أن يعملَ ويؤمّن احتياجات عائلته بالدرجة الأولى".

ويضيف الكعبي بأنّ "المرأة تتكامل شخصيتها وسط بيتها وبين عائلتها، فهي الأخت والزوجة والأم والمربّية التي تربّي للمجتمع خيرة الرجال" بحسب قوله.

ويؤيّد الكعبي في الوقت ذاته أن "تستثمر المرأة وقتها داخل المنزل وتعمل على تأمين عمل لها من داخله دون الاضطرار إلى الخروج لسوق العمل" وهو ما نجحت به الكثير من النساء والفتيات اليوم، مستدركاً بالقول: إن ذلك "لا يعني عدم الحاجة لوجود النساء في الوظائف والتخصّصات الضرورية في مجال التعليم والطب وغيرهما".

دور وسائل التواصل الاجتماعي

وبفضل التطوّر الحاصل في شبكات الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي، أصبحت هناك مشاريع ناجحة للنساء من داخل المنزل يجري عرضها على هذه المواقع وتحقّق مردودات مالية ممتازة، كما أن هناك نساء رياديات قدّمن تجارب مهمة وملهمة في كيفية الانطلاق من المنزل لكسب المال عبر المشاريع التجارية والأفكار المتطوّرة في العمل.

وفسحت مواقع التواصل الفرصة الكبيرة أمام النساء لعرض مختلف النتاجات التي يبرعن فيها، من لوحات الرسم إلى تصاميم الكرافيك والنحت والحياكة والخياطة وغيرها من الفنون والأعمال اليدوية التي تجد زبائن خاصين ومتفاعلين معها.

بحسب الباحثة رؤى سعيد فإن المرأة العراقية "تتمتّع بأهدافها العميقة في الحياة، وتظهر باستمرار خبرتها الرائعة في مختلف المجالات والتخصّصات".

وتضيف في حديثها لـ (كلمة) أنّ "هناك فرصَ عمل كثيرة حصلت عليها النساء وهنّ من داخل المنزل، وهذا يشجّع جداً ربّات البيوت والفتيات وحتّى الأرامل والمطلقات والنساء في العوائل ذات الدخل المحدود لتأمين احتياجاتهن المالية من خلال العمل داخل المنزل".

وتوضّح بأنّ "الأعمال التجارية للمرأة داخل المنزل سيحفظ لها خصوصيتها أكثر، ولا يقتصر الأمر على النساء اللواتي أكملن تعليمهن أو لم يكملن، حيث تستطيع كل امرأة أن تعمل وفقاً لما تجيده أو تحمله من تخصص وشهادة".

وتقدّم سعيد تجربتها في مجال العمل مبينة أنّها "تقدّم استشارات اجتماعية (أون لاين) عبر وسائل التواصل الاجتماعي لمختلف الأسر العراقية، في مجال تربية الأبناء والتعامل معهم، وكذلك المراهقين، وتعميق الحياة الزوجية".

وتطرح العديد من المواقع الإلكترونية أفكاراً جميلة لأعمال ريادية يمكن الانطلاق بها من داخل المنزل، مثل (فتح الصالونات النسائية، صناعة الاكسسوارات والدمى، تربية الطيور والحيوانات الأليمة، صناعة الأكلات والحلويات، التسويق الإلكتروني، التدوين عبر الإنترنت، الطباعة على الأكواب، تصنيع الزيوت العطرية والطبية، إنتاج المحتوى الرقمي، صناعة المنظفات، الترويج الإلكتروني للصفحات الخاصة بالمشاريع التجارية، الدروس الخصوصية وحضانات الأطفال) وغيرها من الأفكار التي تتطور وتزداد يوماً بعد آخر.

الدين يحترم المرأة العاملة

ومن الناحية الشرعية، فإن الإسلام لا يحرّم إطلاقاً عمل المرأة خارج المنزل، ولكن يحثّ ويشجّع في الوقت ذاته على تحمل مسؤولياتها الكبيرة داخل المنزل.

ووفقاً للاستفتاءات الشرعية الصادرة عن مكتب السيد السيستاني في النجف الأشرف فإن "الشرط الأساس لعمل المرأة خارج المنزل هو أن لا يتنافى العمل مع تكاليفها الدينية، ومنها الستر والحجاب، ومنها عدم الحضور في المكان الذي لا تأمن علي نفسها فيه من الوقوع في المعصية، ومنها رعاية حقوق الزوج إذا كانت متزوجة، ومنها رعاية حقوق الوالدين اذا كانا حيّين".

وتقول الباحثة الاجتماعية وداد المعموري لـ (كلمة): إنّ "أي امرأة كانت إذا ما طمحت لإيجاد فرصة عمل لها من داخل المنزل فلن يقف أمامها أي عائق، وخصوصاً في ظل تطور وسائل النشر وجود شركات التوصيل التي توصل البضائع للزبائن بسهولة".

وتشير إلى أن "المرأة بذلك حفظت كرامتها داخل منزلها، كما حققت لنفسها إنجازاً مهماً بعيداً عن روتين الحياة اليومية، فضلاً عن تأمين المردود المالي الجيّد".

ومع ذلك فالنساء العاملات من داخل المنزل "بحاجة إلى الدعم والتشجيع من الأهل والأزواج وكذلك من قبل المجتمع للتعامل مع هكذا تجارب وأعمال شريفة" كما تقول المعموري.

وتلفت أيضاً إلى أنّ "المرأة من حقّها أن تعمل في الوظائف والتخصصات المناسبة لها، ولكنّ الكثير من النساء يواجهن تحديات كبرى في كيفية التوفيق بين عملهن خارج المنزل ومسؤولياتهن داخله وخصوصاً في تربية الأطفال".

وتروي المواطنة هدى حسين لـ (كلمة) قصّتها، حيث سبق وأن كانت موظفة تعمل على الملاك الحكومي، ولكن بسبب الوقت الطويل المطلوب للبقاء في الوظيفة يومياً، حرمها ذلك من الجلوس مع أطفالها وقتاً أطول، وكذلك تلبية الاحتياجات الضرورية للزوج والعائلة بشكل عام.

وتلفت إلى أنّها "قرّرت في النهاية ترك الوظيفة، والاستفادة من خبرتها في مجال الحاسوب والبرمجة والذكاء الاصطناعي، لإطلاق مشروعها الخاص من داخل المنزل".

تقول حسين: "صار عندي مشروعي الخاص، والآن أعمل وأؤمن مردوداً مالياً يفوق المرتّب الشهري الذي كنت أتقاضاه من الوظيفة الحكومية، والأجمل من ذلك أنني أكون دائماً بالقرب من عائلتي".



التعليقات