متابعة - كلمة
يواصل مئات آلاف العراقيين التظاهر منذ بداية أكتوبر/تشرين الأول الماضي للمطالبة بتغيير النظام السياسي ورحيل الطبقة الحاكمة المتّهمة بالفساد، في بلد تعصف به الأزمات الأمنية والسياسية منذ عقود.
ودفعت المظاهرات الحكومة إلى تقديم استقالتها وتكليف شخصية جديدة بتشكيل مجلس الوزراء، إلا أنّ الصراع الإيراني الأميركي على الأرض العراقية سرعان ما سرق الأضواء، وسط خشية من نزاع مفتوح.
وبعد أكثر من أربعة أشهر، يجد المتظاهرون أنفسهم في موقف صعب، خصوصا مع إعلان زعيم التيار الصدر مقتدى الصدر تأييده لتكليف محمد توفيق علاوي بتشكيل الحكومة الجديدة، وهو ما يرفضه المتظاهرون.
تحرك عفوي
بدأت التحرّكات في الأول من أكتوبر/تشرين الأول الماضي تلبية لدعوات انتشرت على وسائل التواصل، ولم يُعرف مصدرها الرئيسي حتى الآن. وتزايدت أعداد المتظاهرين مع ارتفاع وتيرة حملة القمع الدامية التي تعرضّوا لها على أيدي القوات الأمنية ومجموعات مسلّحة. فخلال الأسبوع الأول وحده، قتل 157 متظاهراً بالرصاص في بغداد، بحسب حصيلة رسمية.
وفي 25 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، بدأت ما تعرف بالموجة الثانية من الاحتجاجات وامتلأت الطرقات بالمتظاهرين المندّدين بالفساد وسوء الخدمات العامة. وبلغت أعداد قتلى الاحتجاجات حوالي 550 شخصا، وأعداد المصابين نحو ثلاثين ألفا، لكن المتظاهرين بقوا رغم ذلك في الساحات.
وفي ساحة التحرير في بغداد، ومواقع الاعتصام في المدن الأخرى جنوب البلاد، شارك متظاهرون من مختلف الطبقات الاجتماعية في التحرّكات، معظمهم من الجيل الشاب.
وتعاطف الطلاب مع سائقي التوك توك المتحدّرين من الأحياء الشعبية، وقد تظاهر الشبّان والشابات جنبا إلى جنب، وخاض أساتذة الجامعات نقاشات مع تلاميذهم، وانخرط حاملو الشهادات العاطلون عن العمل في أحاديث مع رواد الفن.
وخرج مئات آلاف المتظاهرين إلى الشوارع في بغداد ومدن الجنوب، ولعبت العشائر والقبائل أدوارا رئيسية في تحريك الشارع والتصدي لأعمال العنف التي تعرض لها المتظاهرون.
حليف وخصم
منذ الأيام الأولى، وبينما كانت أجهزة الأمن تواجه المحتجين، انقلب الصدر على المعادلة السياسية وانتقل إلى ضفة المتظاهرين، متسبّبا بشرخ في التحالف الحكومي.
ووضع الصدر كامل ثقله، وملايين المؤيدين له، خلف المظاهرات، مما أعطى دفعا كبيرا لها وزاد أعداد المحتجين بشكل كبير.
في موازاة ذلك، دفع المرجع الشيعي الأعلى علي السيستاني الحكومة نحو الاستقالة.
لكن ما إن اتّفقت الأحزاب السياسية على رئيس جديد للوزراء خلفا لعادل عبد المهدي، حتى أعلن الصدر تأييده لتكليف علاوي بتشكيل الحكومة في موقف يتناقض مع رفض المتظاهرين لهذا التكليف باعتباره مقرّبا من الطبقة الحاكمة.
وتراجعت منذ ذلك الحين أعداد المتظاهرين وحدث شرخ بين محرّكي "ثورة اكتوبر" إذ اندلعت مواجهات دامية بين المتظاهرين ومؤيدي الصدر بالنجف والحلة جنوب بغداد. وأثار موقف الصدر انتقادات نادرة من قبل المتظاهرين على وسائل التواصل.
لا قيادات
يتعرّض المتظاهرون منذ أشهر لحملة تخويف واسعة النطاق شهدت 22 عملية اغتيال، وعشرات حوادث الاختطاف، وتهديدات لمئات النشطاء. وتدّعي السلطات أنّها تعمل على إجراء انتخابات مبكرة وفقًا لقانون الانتخابات الذي لم يصادق عليه الرئيس بعد والذي لا يرضي المتظاهرين تمامًا. وهذا المطلب بعيد جدا عن الدعوة لإسقاط النظام التي أطلقها المتظاهرون بداية تحركهم.
وفي ساحات التظاهر لم تنبثق أي منظمة، ولم يظهر أي قيادي، مما صعّب عملية تنظيم الحركة الاحتجاجية والاتفاق على أهداف محدّدة أو حتى المحافظة على المكاسب والدفاع عنها، في وقت يسعى الصدريون لمنح علاوي فرصة تشكيل حكومة.
ولعل أكثر الضربات إيلاما تلك التي جاءت من الخارج، مع تصدير واشنطن وطهران صراعهما إلى الأراضي العراقية بعيد مقتل قائد فيلق القدس بالحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني والقيادي النافذ في الحشد الشعبي أبو مهدي المهندس بضربة أميركية في الثالث من يناير/كانون الثاني الماضي.
وفتح هذا الصراع الباب على احتمال اندلاع نزاع مفتوح على الأراضي العراقية ما أدى إلى إبعاد الأنظار من الحركة الاحتجاجية.
ورغم ذلك، قال مصطفى، الطالب الذي يتظاهر في ساحة التحرير إنّه باق فيها "لأن العراق أهم من الدراسة".
المصدر : الفرنسية