يهمُّ العراقيين في هذا اليوم أكثر مما مضى، محاربة الفساد الذي نخر بكل مفاصل الدولة، خصوصاً وأنّ المرجعية الدينية في النجف وصفت ذلك بــ "المعركة الكبرى" التي "تأخرت طويلاً".
في خطبة النصر على داعش التي صدرت من المرجعية الدينية في كانون الأول من العام 2017، ربطت تحقيق أي انتصار مستقبلي بتحقيق النصر على العدو الأكبر للعراقيين المتمثل بـ "ثعبان الفساد" أو "الشيطان الأكبر" الذي أضرّ بهذا الشعب وأخّر كثيراً تحقيق تطلّعاته.
لكن ما أدلت به المرجعية الدينية في لقائها الأخير مع رئيس بعثة (يونامي) السيد محمد الحسّاني، نبّه إلى أن أمام العراقيين فترة طويلة لتحقيق المعركة على الفساد.
وبعد أن تطرّقت إلى "خمسة أمور مهمة" في خطبة النصر التي تُليت من الصحن الحسيني في كربلاء، وضعت الحديث عن "معركة الفساد" في النقطة السادسة والأخيرة، وكأنّها تريد "التنبيه إلى خطورة الفساد والمفسدين، وحتى تبقى توصياتها عالقة في الأذهان" كما يقول الناشط عماد الربيعي.
مواجهة الفساد والمفسدين
وبحسب حديث للربيعي مع (كلمة) فإنّ "المرجعية الدينية أكّدت بشكل جدّي على ضرورة مواجهة الفساد والمفسدين، وجعله من أولويات المرحلة المقبلة ما بعد الانتصار على داعش".
وتابع القول: إنّ "المرجعية تعرف جيّداً أنّ أي إنجاز لا يُكتب لأي شعب من دون مكافحة الفساد بكل أشكاله، والذي يقع على عاتق المسؤولين بالدرجة الأولى".
وأشار إلى أنّ "المرجعية الدينية دعت إلى محاربة الفساد بكل حزم وقوة، وكأنها تقول: إنّ الفساد لا يقل خطورة على العراق عن التهديدات الإرهابية المستقبلية".
المواجهة بتفعيل الأطر القانونية
فيما قال الصحفي جبّار الملا لـ (كلمة): إنّ "المرجعية الدينية رسمت طريقاً واضحاً أمام المسؤولين العراقيين لمحاربة الفساد، وذلك من خلال تفعيل الأطر القانونية ووضع الخطط العملية والواقعية لمحاربته وليس الشكلية والاستعراضية".
ويرى الملا بأنّ "المسؤولين وبعد مرور (7 سنوات) على هذه الخطبة التاريخية، لم يفلحوا أبداً؛ بل على العكس استفحل الفساد أكثر وأكثر في مفاصل الدولة العراقية"، محذراً بأن "استمرار انتشار الفساد دون محاربته سيرجع العراق إلى المربّع الأول، وبجود التهديدات الإرهابية من عدمها".
وكانت المرجعية الدينية قد ذكرت في خطبة النصر: إن "المعركة ضد الفساد ـ التي تأخرت طويلاً ـ لا تقلّ ضراوة عن معركة الارهاب إن لم تكن أشد وأقسى".
وتابعت بأنّ "العراقيين الشرفاء الذين استبسلوا في معركة الارهاب قادرون ـ بعون الله ـ على خوض غمار معركة الفساد والانتصار فيها أيضاً إن أحسنوا إدارتها بشكل مهني وحازم".
ولكن ما حدث وفقاً للمشهد العراقي، يعاكس ذلك تماماً، فبعد سنتين من إعلان النصر وصدور توصيات المرجعية، دخل البلد في منعطف أخطر؛ عندما تصاعدت حدّة الاحتجاجات الشعبية المطالبة بمحاربة الفاسدين وتحقيق تطلعات الشعب ومنح حقوقه المشروعة.
إلا أنّ المرجعية الدينية اعتبرت فيما بعد أن مكافحة الفساد إلى جانب منع التدخلات الخارجية واعتماد مبدأ الكفاءة والنزاهة في إدارة البلد لم يتحقّق بعد، وذكرت بأن "أمام العراقيين مساراً طويلاً الى أن يصلوا الى تحقيق ذلك".
لا للحلول الآنية والترقيعية
كما وطالب وكيل المرجعية الدينية السيد أحمد الصافي في وقت سابق، المسؤولين في البلاد ببذل قصارى جهدهم لمكافحة الفساد.
وقال في إحدى خطب الجمعة من الصحن الحسيني في كربلاء بتاريخ (7 آب 2015): إنّ "البلد يواجه مشاكل اقتصادية ومالية معقدة، ونقصاناً كبيراً في الخدمات العامة، والسبب وراء ذلك هو الفساد المالي والإداري الذي عمّ مختلف دوائر الحكومة ومؤسساتها خلال السنوات الماضية". وأضاف بأن "المشاكل التي يتسبب بها الفساد ولا تزال تزداد يوماً بعد يوم، بالإضافة الى سوء التخطيط وعدم اعتماد استراتيجية صحيحة لحل المشاكل في البلد، واللجوء على حلول آنية ترقيعية يتم اعتمادها هنا اوهناك عند تفاقم الأزمات" على حدّ قوله.
كما حمّل الصافي القوى السياسية من مختلف المكونات المسؤولية عما مضى من المشاكل وما يعاني منها البلد، وشدّد بأن عليها "الانتباه الى خطورة الاستمرار على هذا الحال، وعدم وضع حلول جذرية لمشاكل المواطنين التي صبروا عليها طويلاً".
العراق.. السابع عربياً في الفساد
كما وتأتي توصيات المرجعية الدينية في النجف بما يخص مكافحة الفساد والمفسدين في خطبتها الخاصة بإعلان النصر، متزامنةً مع إحياء اليوم العالمي لمحاربة الفساد، الذي أقرته منظمة الأمم المتحدة، ويقام في يوم (9 كانون الأول) من كل عام.
وما حصل خلال السنوات الأخيرة ورغم توصيات المرجعية والتأكيدات على الحزم والقّوة لمحاربة الفساد، إلا أن هذه الآفة الخطيرة كما يقول المراقبون للشأن العراقي أن "صارت تنخر كل مفاصل الدولة، ولم يترك الفسادُ مؤسسة إلا وتسلّط عليها ومثال على ذلك ما عُرفت بـ (صفقة القرن)، وهو ما أدى إلى حدوث إخفاقات كثيرة وتراجع في مستوى الحقوق والحريات".
ورغم أن العراق وقع مع (190 دولة) أخرى على اتفاقية الأمم المتحدة لمحاربة الفساد عام (2006)، وكذلك من بين الدول الإسلامية الـ (18) التي وقعت على "اتفاقية مكّة المكرّمة" لمكافحة الفساد في الدوحة، فإنّ الواقع الحالي لم يسجّل أي تقدّم في هذا المجال.
ووفقاً للمعطيات الموجودة على الساحة، وكذلك ما جاء في تقرير (منظمة الشفافية الدولية) الذي صدر مطلع شباط من العام الجاري، فإنّ "العراق احتلّ المرتبة السابعة عربياً كأكثر الدول العربية فساداً".
كما وجاء مركز العراق في الرقم (154) من ضمن (180 دولة) وردت في تقرير المنظمة في محاربة الفساد. وهذا يعني أنّ لا خطوات متقدّمة على مستوى الدولة والمؤسسات القضائية والتشريعية لمواجهة هذه الآفة الفتّاكة.
وفي الوقت الذي تتجدّد فيه التحذيرات من قبل مراكز الأبحاث والمنظمات والمراقبين، من احتمالية عودة عصابات داعش إلى الواجهة وشنّ هجماتها المسلحة في العراق، تبقى "معركة الفساد" هي الأشد ضراوة والحصن الذي يمكن من خلاله أن يواجه البلد أي تهديدات أمنية سواء أكان من داعش أو أخواتها.