الاثنين 24 شَعبان 1446هـ 24 فبراير 2025
موقع كلمة الإخباري
لماذا الإصرار على منع إقرار "قانون الخدمة والتقاعد" لمقاتلي الحشد الشعبي؟
(خاص) بغداد ـ كلمة الإخباري | سراج علي
2025 / 02 / 08
0

ثلاثة أشهر بالتمام مرّت على تصريح قائد فرقة العباس القتالية، إحدى تشكيلات الحشد الشعبي، الشيخ ميثم الزيدي، بخصوص المطالبة بضمان حقوق مقاتلي الهيئة الذين واجهوا تنظيم داعش الإرهابي إلى جانب القوات الأمنية العراقية، وفي حين لم تبدِ الحكومة أي تحرّك يُذكر، جعل الفرقة تصعّد من موقفها مؤخّراً وتؤكّد بأن الشعب سيحاسب البرلمان على تجاهل حقوق الحشد الشعبي وإقرار القوانين الخاصة به.

كانت تصريحات الزيدي التي صدرت في بيان بتاريخ (4 تشرين الثاني/ اكتوبر 2024) تلقّاه كلمة الإخباري، تتسّم بالصبر لانتظار ما سيقرره البرلمان؛ لضمان حقوق الحشديين.

إلا أنّ البيانين اللذين أصدرتهما الفرقة بتاريخ (19 كانون الثاني/ يناير 2025) و(4 شباط/ فبراير) الجاري، أظهرا تصعيداً جديداً من قبل الفرقة تجاه البرلمان والكتل السياسية، وحذّرت من تداعيات تأخير إقرار القوانين المتمثلة بقانون الخدمة والتقاعد لمجاهدي هيئة الحشد الشعبي، وعدم متابعة قضية الدرجات الوظيفية للمفسوخة عقودهم التي دخل عليها تلاعب كبير" بحسب البيان الأول.

وشدّدت الفرقة على أعضاء مجلس النواب "أخذ دورهم في إنصاف الأبطال الذين لبوا نداء المرجعية ووهبوا أنفسهم فداءً للوطن"، معتبرة ذلك "أقل واجب تجاه من حمى أسس الدولة وأزاح عنها خطراً وجودياً".

في حين ركّز البيان الثاني على ما يتعرض له أبناء الحشد "من تأخير في إقرار القوانين وحرمان من إمضاء الحقوق"، مشيراً غلى أن ذلك "يمثل انتهاكاً لميثاق الوفاء وتجاهلاً لحقوق الشهداء".

قانون الخدمة والتقاعد للحشد

يأتي تأكيد فرقة العباس القتالية على إقرار قانون الخدمة والتقاعد لمنتسبي هيئة الحشد الشعبي؛ لما يمثله من أهمية للآلاف من ملبي فتوى الدفاع الكفائي التي أطلقتها المرجعية الدينية العليا في النجف لمواجهة خطر عصابات داعش الإرهابية.

ويقصد بالمجاهدين الواردة في بيان الفرقة "كل من ينتسب إلى هيئة الحشد الشعبي، سواء أكان ضابطاً أو متطوعاً أو موظفاً مدنياً أو مبلغاً دينياً أو متقاعداً أو طالباً في إحدى كلياتها أو معاهدها أو مدارسها أو مراكز التدريب أو في أيٍ من تشكيلاتها" وفقاً لما ورد في نص مشروع القانون الذي اطلع عليه (كلمة).

ويهدف القانون "إلى تنظيم تعيين المجاهد وخدمته وصرف رواتبه ومخصصاته وإحالته إلى التقاعد واستقالته وحقوقه التقاعدية وتكريم حالات التضحية والإصابة والاستشهاد أثناء الخدمة أو بسببها".

ومن موارد هذا القانون أيضاً أن "المجاهد المحال إلى التقاعد "يستحقّ راتباً تقاعدياً إذا كانت له خدمة تقاعدية مدتها (15 سنة) فأكثر، أما إذا كانت خدمته التقاعدية أقل من ذلك فيُمنح مكافأة تقاعدية ما لم يرد نص بخلاف ذلك".

كما يشمل "الضمان الصحي للمجاهدين والمخصصات العائلية ومخصصات الخدمة" مع موارد وامتيازات واستحقاقات أخرى يستحقّها المشمولون بالقانون وفقاً للمواد الـ (78) التي يتضمّنها.

ومن الأسباب الموجبة لإصدار مثل هذا القانون الذي تعطّل طويلاً منذ وضع نصّه في العام (2019) "تكريم كل من لبّى نداء المرجعية الدينية من مختلف أبناء الشعب العراقي دفاعاً عن العراق أرضاً وشعباً من هجمة داعش الإرهابي وأعداء العراق، ومن أجل تنظيم خدمة ضبّاط ومتطوعي ومنتسبي هيئة الحشد الشعبي وتحديد الشروط والمؤهلات التي يقتضي أن تتوافر فيهم، وقواعد ترقيتهم وكيفية إحالتهم إلى التقاعد ومنحهم الحقوق التي تساعدهم في أداء الواجبات المناطقة بهم، وتحمي خلفهم بعد استشهادهم أو وفاتهم".

وكذلك "من أجل تحقيق المساواة الكاملة مع أقرانهم من العاملين في القوات المسلحة تطبيقاً للمادة (1) من قانون هيئة الحشد الشعبي رقم (40) لسنة (2016)، ومن أجل تعزيز المركز القانوني للمقاتلين في هيئة الحشد الشعبي وإكمال المنظومة القانونية، شُرّع هذا القانون".

وبحسب الحقوقي مصطفى السعدي فإن إقرار هذا القانون "يخدم هذه الشريحة المضحية من أبناء الحشد الشعبي الذين تحقق بدمائهم ودماء المضحين في القوات الأمنية النصر على الإرهاب".

وأوضح في حديثه لـ (كلمة) أنّ القانون "سيحفظ حقوقهم التقاعدية وكذلك حقوق الشهداء والجرحى والمقاتلين الذين لا يزالون يقدّمون التضحيات الكبيرة" بحسب قوله.

وفي الوقت الذي يتم فيه نسيان تضحيات المجاهدين بحسب العدد من القادة في الحشد الشعبي، أصبح قانون الخدمة والتقاعد لهذه الشريحة من القوانين الجدلية، وكان من المقرر إقراره منذ العام (2019) بناءً على مسودة القانون التي قُدّمت عنها.

وينتظر الآلاف من منتسبي هيئة الحشد الشعبي إقرار هذا القانون بأسرع وقت؛ لضمان حقوقهم المشروعة، فيما اصطدموا بعراقيلَ ومعوّقات يؤكدون أنّها لم تنصف تضحياتهم وخذلتهم كثيراً.

خلافات سياسية ومغانم غير معلنة

ويرجعُ عدد من النواب والمحللين السياسيين أسباب تأخّر إقرار هذا القانون وتعطيل صرف حقوق المقاتلين في الهيئة، إلى وجود خلافات واضحة وصريحة بين الكتل السياسية وعدم الوصول إلى توافق بينها، متناسين بذلك تضحيات المجاهدين في الهيئة.

بتاريخ (17 تشرين الثاني/ نوفمبر 2024) أكّد عضو لجنة الأمن والدفاع النيابية علي البنداوي، أن قانون الخدمة والتقاعد للحشد الشعبي جاهز للتصويت، فيما أشار الى أن عدم توافق الكتل السياسية على بعض القوانين تسبب بتعطيل القانون. 

وقال البنداوي في تصريح صحفي تابعه (كلمة): إن "قانون الخدمة والتقاعد للحشد الشعبي من القوانين المهمة لذلك من الواجب على أعضاء مجلس النواب تشريع هكذا قانون يحفظ الحقوق التقاعدية وحقوق الشهداء والجرحى والمجاهدين المستمرين في عملهم في هيئة الحشد الشعبي".

وأضاف، أن "القانون تمت قراءته قراءة أولى وثانية وهو جاهز للتصويت"، مبيناً أن "عدم ادراج قانون الحشد الشعبي لغاية الآن هو بسبب عدم توافق الكتل السياسية على بعض القوانين من ضمنها الأراضي في محافظة كركوك وبعض المناطق".

ونبّه البنداوي بأنه "لا يوجد رجل وطني أو إنسان مهني يعارض إقرار قانون الحشد؛ لما فيه من حقوق فئة كبيرة من أبناء الشعب العراقي قامت بتحرير الأرض".

ويذكر المحلل السياسي سالم الخالدي لـ (كلمة) أنّ "بعض الكتل السياسية لا تريد إحداث الاستقرار التام للمقاتلين؛ كونها تنظر إليهم الآن كأصوات انتخابية يمكن الضغط عليها خلال الانتخابات البرلمانية".

وأوضحَ الخالدي بأنّ "هناك إلى جانب عدم إقرار قانون الخدمة والتقاعد لمقاتلي الهيئة حالة من الصراع على منصب رئيس الهيئة؛ الذي تريد بعض الكتل جعله توافقياً ومحاصصة سياسية فيما بينها" بحسب قوله.

وتؤكّد مصادر خاصة تحدّثت لـ (كلمة) ما ذهب إليه الخالدي، وقالت: إنّ "قضية إقرار رئيس هيئة الحشد الشعبي الحالي فالح الفيّاض أصبحت على المحك، ولم يتبقَّ إلا القليل، للانقضاض على منصب الرئيس وجعله منصباً سياسياً وليس جهادياً".

وأضافت بأن هذه الكتل (التي لم تسمّها ولكنّها معروفة للشعب العراقي) "تحاول عرقة إقرار القوانين المهمة لمقاتلي الحشد الشعبي وكذلك إيفاء حقوقهم الكاملة، لحين إقالة الفياض، واختيار شخصية توافقية، ومن بعدها سيتم إقرار القانون ولكن بتقييد وغير شمولية".

ووفقاً لما تتبعه (كلمة) فإنّ منصب رئيس هيئة الحشد الشعبي يجري التحضير له من أشهر عدّة، ودخلت كل من عصائب أهل الحق وبدر وائتلاف دولة القانون على خطّ تقديم مرشحّها لهذا المنصب.

في حين أنّ الإطار التنسيقي وبناءً لما جاء على لسان النائب عباس الجبوري، قبل يومين، قال: إنّ سبب التعطيل يعود لوجود مادة في القانون وصفها بـ "المفخّخة" ويحاول الإطار إزاحتها قبل إقرار القانون.

وأوضح الجبوري في تصريح صحفي تابعه (كلمة) أن "هناك مادة في قانون الخدمة والتقاعد للحشد الشعبي، تحيل قرابة أربعة آلاف مقاتل، الى التقاعد وإخراجهم من الخدمة"، لافتاً إلى أن "وجود هذه المادة في قانون تقاعد الحشد عطّل التصويت على القانون داخل مجلس النواب". 

وتابع، "نرفض هذه المادة ونعمل على إزاحتها من القانون" محذّراً من أن "التصويت على قانون الخدمة والتقاعد للحشد الشعبي بمادته المفخخة هذه، هي بمثابة مجزرة البيجر في الحشد" بحسب وصفه، وفي إشارة إلى حادثة تفجير أجهزة البيجر التابعة لحزب الله اللبناني من قبل إسرائيل، والتي سبقت حادثة اغتيال أمين الحزب السيد حسن نصر الله.

ووفقاً لتصريح الجبوري فإن هذه المادة ستشمل حتى رئيس الهيئة الحالي فالح الفيّاض، الذي سيكون أول المشمولين بإحالته على التقاعد.

فيما تقول مصادر مطلعة إنّ "تأخير إقرار القانون وإيقاف حقوق مئات الآلاف من المقاتلين بسبب وجود (30 شخصاً) تجاوزا السن القانوني ولا يريدون إحالتهم على التقاعد".

حقوق المفسوخة عقودهم إلى أين؟

لم يكن قانون الخدمة والتقاعد لمقاتلي الحشد الشعبي هو الوحيد الذي يقف عائقاً أمام ضمان حقوق هذه الشريحة، حيث لا تزال حقوق المقاتلين المفسوخة عقودهم تشكل مشكلة كبيرة لم يجرِ حلّها بعد.

وبتاريخ (4 تشرين الأول/ اكتوبر 2024) كشفت قيادة فرقة العباس القتالية في بيان لها اطلع عليه (كلمة) عن قيامها بتزويد رئيس الوزراء والقائد العام للقوات المسلّحة محمد شياع السوداني بأسماء (10 آلاف) مقاتل من المفسوخة عقودهم.

القيادة قالت في بيانها: "بذلنا جهوداً كبيرة ووثقنا طلبات أكثر من (10 آلاف و300 مقاتل) من المفسوخة عقودهم وأرسلناها إلى دولة رئيس الوزراء"، وأشارت إلى أن "المتابعة جارية لحل هذه المشكلة الكبيرة".

ومراراً طالبت فرقة العباس القتالية بحقوق المفسوخة عقودهم من الفرقة وغيرها، والذين تم التجاوز على درجاتهم الوظيفية.

واعتبرت في وقت سابق أن هذه الشريحة قد تعرضت للظلم، فيما أكدت سعيها وبذل الجهود "لحلّها بالطرق القانونية والأطر الدستورية، ومراعاة الظرف الحساس الذي يقتضي احتواء مثل هكذا أزمات، قد تأخذ مدياتٍ مؤثرة لا تخدم الوضع الراهن" بحسب البيان السابق للفرقة.

ويبدو أن الفرقة وجدت أنّ الوقت حان لإقرار القانون وعدم تعطيله، ففي الوقت الذي هنأت فيه جهاز المخابرات الوطني بإقرار قانونه الجديد، صعّدت موقفها بخصوص تأخير إقرار قانون الخدمة والتقاعد، إلى جانب عدم متابعة قضية الدرجات الوظيفية للمفسوخة عقودهم".

ووفقاً للبيان السابق الذي عرضته (كلمة) أكدت فرقة العباس القتالية أن "قضية الدرجات الوظيفية للمفسوخة عقودهم قد دخل عليها تلاعب كبير".

وفي إزاء مثل هذه الصراعات المعلنة وغير المعلنة، فإن عدداً كبيراً من المفسوخة عقودهم شنّوا حملات واسعة وانتقدوا من خلالها الحكومة؛ لعدم إرجاعهم إلى الخدمة.

ومنذ سنوات عدّة، وتحت شعار (لن تسلبوا حقوق عوائلنا) يشارك هؤلاء في اعتصامات حاشدة في بغداد وعدد من المحافظات؛ للمطالبة بـ "حقوقهم المسلوبة التي ضيّعها المنتفعون والانتهازيون" حسب قولهم.



التعليقات