الخميس 8 رَجب 1446هـ 9 يناير 2025
موقع كلمة الإخباري
من الغذاء والدواء إلى الشاحنات.. كربلاء تدخل عصر الصناعات الثقيلة من بوابة "العتبة العباسية"
خاص ـ كلمة | سراج علي
2024 / 12 / 24
0

كان إعلان العتبة العباسية في محافظة كربلاء، يوم الأحد (22 ديسمبر/ كانون الأول 2024) عن إطلاق شاحنة شاكمان (X3000 SHACMAN) حدثاً مهماً على مستوى الصناعة المحلية؛ سواء أكان في مجال صناعة وتجميع السيارات أو الصناعات الأخرى التي اتجهت لها إدارة العتبة في وقت مبكّر جداً، ضمن تجربتها الخاصة في دعم هذا القطاع المهم في العراق.

ووفقاً لتفصيلات خاصة نشرها الموقع الرسمي للعتبة العباسية، فإن "إنتاج شاحنة (شاكمان X3000) يعدُّ أوّل إنتاج لمصنع براق القمّة لتجميع الشاحنات".

وسيبدأ المصنع في مرحلته الأولى "بإنتاج (500 شاحنة) سنوياً وطرح (6 موديلات للشاحنات)، مع خطط لزيادة الإنتاج تدريجياً والتي ستصل إلى (1400 شاحنة) سنوياً، فضلاً عن خطة لافتتاح مراكز صيانة في جميع محافظات العراق التي سيكون فيها مراكز خاصة للبيع المباشر".

ومن مميزات هذا الإنتاج الجديد من الشاحنات، أنه "يُنجز بمواصفات عالية تلائم الأجواء العراقية، فضلاً عن الأسعار التنافسية".

ويلبّي المصنع كما أوضحت العتبة العباسية "الحاجة للصناعات في مجال المركبات على المستوى المحلي، فضلاً عن استثمار العقول العراقية وتشغيل الأيدي العاملة، والنهوض بالواقع الصناعي في العراق واستثمار طاقاته لدعم الاقتصاد الوطني".


وفي الوقت ذاته يكشف تصريح المدير الإقليمي لشركة شاكمان (SHACMAN) الصينية في الشرق الأوسط، جان جي كوي عن أبعاد واسعة في افتتاح مصنع (براق القمة) في العراق.

بحسب حديث جي كوي في حفل الكشف عن الشاحنة الجديدة، وتابعه موقع (كلمة) الإخباري، فإن "افتتاح مصنع البراق لتجميع الشاحنات يسهم في التنمية الصناعية وتدريب المواهب العراقية؛ للارتقاء بالواقع الصناعي".

واعتبر كوي أن "إنتاج هذه الشاحنة يمثل إنجازاً في تطوير شركتهم، فضلاً عن كونه معلماً مهماً لدخول الشاحنات الثقيلة الصينية إلى السوق العراقية"، مضيفاً بأن ذلك يرمز إلى "تعميق التعاون بين العراق والصين" بحسب قوله.

ويظهر من هذه التصريحات أنّ العتبة العباسية لا تُقدم على أي خطوة في مجال الصناعة، إلا بعد التخطيط والدراسة وصولاً إلى بناء المصانع وافتتاح خطوط الإنتاج.

وقال كوي: "استطعنا الوصول إلى هذه اللحظة التاريخية لإنتاج أول شاحنة صينية ثقيلة في العراق".

وقبل الغوص أكثر ومعرفة كيف تخطط العتبة العباسية على مستوى دعم الصناعة المحلية، لاحظَ موقع (كلمة) وفي تتبّع زمني للمشاريع الصناعية التي افتتحتها العتبة على مدى السنوات الماضية، أنّها خاضت في مختلف المجالات الصناعية.

البداية كانت من تأمين احتياجات الفرد والأسرة العراقية بالمواد الغذائية، فأسّست لذلك شركة (نور الكفيل) الرائدة في مجال صناعة وبيع الغذاء، وكانت مساهمتها في رفد السوق العراقية بمنتجات اللحوم والدجاج والألبان و(300 مادة غذائية) غيرها الأبرزَ على مستوى البلد.


يقول الخبير الاقتصادي فالح العكايشي لـ (كلمة): إن "المشاريع الصناعية للعتبة العباسية سبقت غيرها من التجارب اللاحقة للقطاع الخاص ممن خطت خطوتها الجريئة هذه" على حدّ قوله.

وتابع بأن "العتبة المقدسة سعت إلى تأمين الاحتياجات الغذائية بدلاً من الاعتماد على السلع المستوردة، وخلقت بذلك ثقة كبيرة بينها وبين المستهلكين".

العكايشي أضاف بأنّ "منتجات (الكفيل) الغذائية مثلاً توفر حاجة السوق والمائدة العراقية، وتقدّم منتجات عراقية محلية، والأهم أنها منتجات (حلال) و(صحية)" وفقاً لرأيه.


العتبة العباسية اتجهت بعد ذلك إلى صناعة المستلزمات المنزلية من مواد التنظيف والتعقيم وغيرها وصولاً إلى إنشاء معمل الكفيل للمياه المعدنية.

وبعد تحقيق النجاح في هذه المجالات، توجّهت العتبة إلى الصناعة الأبرز والملحّة جداً للبلد، والمتمثلة بصناعة الأدوية والمحاليل الكيميائية الطبية من خلال مصنع (الجود) للمحاليل الوريدية، والذي عدّته وزارة الصحة مبادرة كبيرة غير مسبوقة.

وأكّد وزير الصحة الدكتور صالح الحسناوي خلال افتتاح المصنع،  أن "مصنع الجود للمحاليل الوريدية، سيُسهم في تحقيق الأمن الدوائي للبلاد".

وهذا يعني بحسب مراقبين محليين تحدّثوا لـ (كلمة) أن "العتبة العباسية تقدّم جهوداً ساندة للمؤسسات الحكومية في توفير احتياجات المواطن العراقي من الأدوية والمستلزمات الطبية الضرورية وغيرها من الاحتياجات الحياتية".

وأكّدت أمانة العتبة العباسية في وقتها أن "المصنع يعدّ أحد المشاريع الخدمية العامة التي تسعى من خلاله إلى سدّ النقص الحاصل في القطاع الصحي، والمساهمة في تطوير الصناعات الدوائية في العراق وتوفير ملايين القناني من السوائل الوريدية المغذية".


لماذا دعم الصناعة الوطنية مهم؟

عن هذا السؤال الذي يتداوله المتابعون باستمرار، يجيب عضو مجلس إدارة العتبة العباسية عباس الدده الموسوي قائلاً: إن "مشاريع  العتبة العباسية في المجال الصناعي ومنها افتتاح مصنع البراق لصناعة الشاحنات تأتي مساهمةً منها في دعم اقتصاد البلد، وإنعاش السوق المحلية".

وبين أيضاً بأن "إدارة العتبة المقدسة آمنت بالتنوع وجعلت خدماتها متنوعة؛ لتشمل شرائح متنوعة وفئاتٍ مختلفة".

ويلفت الموسوي إلى أن هذا المشروع "يشترك مع غيره من مشاريع العتبة كلها، في إسهام العتبة المقدسة في تحقيق أهداف التنمية المستدامة".

ومن هذه الأهداف التي ذكرها الموسوي "تعزيز النمو الاقتصادي الشامل والمستدام، من خلال خفض معدلات البطالة، عبر توفير فرص العمل اللائق، والحصول على وظائف ذات جودة عالية تعمل على تحفيز الاقتصاد، وزيادة الإنتاجية"، مضيفاً بأنها "ستوفر بلا شك فرص عمل جديدة للملاكات المتقدمة من خريجي كليات الهندسة والملاكات الوسطية من خريجي المعاهد الفنية".

ويختتم حديثه بالقول: إن هذه المشاريع الصناعية "تعكس إيماناً راسخاً بقدرات العقل العراقي وكفاءته في مجال الابتكار".


ويحظى مثل هذا التوجه من قبل العتبة العباسية في دعم الصناعة الوطنية، بدعم وإشادة واسعة على مستوى الحكومة.

حيث سبق وأن صرّح وزير التخطيط محمد علي تميم خلال زيارته للعتبة العباسية مؤكداً: إن "مشاريع العتبة العباسية الصناعية والزراعية تحاكي المواصفات العالمية، وتنسجم مع أهداف التنمية المستدامة الـ (17)، وتتميز بجودتها وبالإنجاز الكبير المتحقّق، الذي يعود بالفائدة للصالح العام".

وأضاف أن "هذه المشاريع تتميز بذهابها لمحتاجيها بشكلٍ مباشر"، مشيراً إلى أن "العمل مستمر مع العتبة المقدسة لإنجاز مشاريع أُخَر، وإن وزارتنا داعمة لهذا النوع من النشاطات".

ويتصاعد الاهتمام وحجم الإشادة أكثر من خلال تصريحات المسؤولين والدبلوماسيين الدوليين، الذين تركوا آراءً مهمة عن مشاريع العتبة العباسية.

قبل عام، أجرى سفير جمهورية كرواتيا لدى العراق إيفان يورتش زيارة للعتبة العباسية، وأشاد حينها بالمشاريع الزراعية والصناعية التابعة لها، فضلاً عن خدماتها في مجال الصحة والتعليم.

وقال يورتش وفقاً لما نقلته عنه شبكة (الكفيل) العالمية وتابعه (كلمة): "أنا معجب جدًا بما اُنجِزَ هنا في هذه المدينة وخصوصاً الرؤيا التي تمتلكها الإدارة العامة للعتبة العباسية حول إقامة هذه المشاريع ليس فقط في كربلاء وانّما في جميع محافظات العراق".

صناعات جديدة يشهدها العراق

لقد خطت العتبة العباسية في كربلاء خطوة كبيرة لم يشهدها البلد من قبل أبداً، ويتمثل بتأسيس قسم خاص لصناعة شبابيك الأضرحة الدينية وأبوابها، ويعتبر من الصناعات الدقيقة التي يعدّ الإبداع اليدوي صفة مهمة ولازمة فيه؛ وليس الاعتماد على الآلة.

ونجح هذا القسم بإدخال صناعة جديدة للعراق، حيث كان في السابق يتم الاعتماد على حرفيين من إيران والهند وماليزيا وغيرها لصناعة الشبابيك والقبب وغيرها للأضرحة والمقامات الدينية، في حين بذلت العتبة العباسية جهوداً مضاعفة لإنشاء هذا المصنع، والذي نجح بصناعة أوّل شباك لضريح مرقد أبي الفضل العباس (ع) في كربلاء.


وخلال عشر سنوات تقريباً، استطاع المصنع تصنيع شبابيك لعدد من الأضرحة والمقامات الدينية، وأبرزها شباك مرقد السيدة زينب (ع) في سوريا، ومقامات دينية في عدد من المحافظات العراقية.

وإضافة إلى ذلك، فللعتبة العباسية بصمات صناعية أخرى على مستوى العراق، من بينها مساهمتها الفاعلة في إنتاج المواد الأولية والإنشائية مثل (بلوك البناء) والمقرنص والحديد الصلب وغيرها من المشاريع البنائية.

فضلاً عن ذلك، تسهم العتبة العباسية في مجال صناعة الأثاث المكتبي والأعمال الخاصة بالحديد والألمنيوم، والصناعات الورقية والبلاستيكية.

وقد يكون دورها في مجال (صناعة الكتاب العراقي) بصمة أخرى، عبر افتتاح دار خاصة بالطبع وتصنيع وتجليد الكتاب حتى وصوله إلى القارئ العراقي والعربي والعالمي أيضاً، من خلال المشاركة في مختلف المحافل ومعارض الكتاب المقامة داخل وخارج البلد.

وفي هذا الشأن يقول وزير الثقافة الأسبق والشاعر جابر الجابري في تصريح صحفي تابعه (كلمة): إن "ما رأيت من منجزات وفعّاليات ومشاريع في العتبة العباسية المقدسة شيءٌ مبهر".

وأكد أيضاً أن "مشاريع العتبة المقدسة الفكرية والثقافية لا تحتاج إلى شهادة فهي تعبّر عن نفسها، وأنها تحوّلت إلى وجود فعال وكبير في جميع المجالات، وهذا نابع من الجهود المبذولة" بحسب قوله.

صناعةُ الترفيه الصديق للفطرة!

قد تكون مثل هذه العبارة صادمة أو ليست متداولة إعلامياً، إلا أن موقع (كلمة) وفي مضمار البحث في جهود العتبة العباسية بمجال الصناعي، وجدَ أنّ العتبة تؤمن بضرورة توفير الأجواء الهادئة والمتنفّس للعوائل الكربلائية بشكل خاص والعراقية بشكل عام.

المعروف اليوم في العالم أنّ دولاً عدة تتجه نحو صناعة (الترفيه) لغرض استقطاب السيّاح من داخل البلد الواحد أو من خارجه، باعتباره يشكّل مورداً اقتصادياً مهماً لها؛ ولكن ذلك لا يُحدد بضوابط دينية أو اجتماعية، المهم هو إدخال المزيد من الأموال للبلد.

وهذا عكس ما تفكّر به العتبة العباسية التي تطمح إلى صناعة الترفيه الصديق للفطرة والبيئة، والذي لا ينتهك قدسية المدينة.

ويعزّز مثل هذا الرأي ما أدلى به الصحفي ثامر الشمري لـ (كلمة) قائلاً: إنّ "العتبة العباسية استثمرت مساحات واسعة من الأراضي لخلق متنفس للعوائل".

ويسوق الشمري أمثلة على ذلك مبيناً أن "العتبة العباسية افتتحت في فترة طويلة جداً متنزهاً ومشتلاً في محافظة كربلاء، ثم اتجهت إلى تأهيل منطقة (الحزام الأخضر) وتحويله إلى واحات جمالية تضمّ ما يلبي حاجة العوائل للحصول على المتعة والاستجمام وبشكل مجاني دون مقابل".

كما افتتحت العتبة العباسية مؤخراً مشروع حديقة الفردوس العائلية، الذي أُقيم على مساحة واسعة من الأراضي الصحراوية في الجنوب الغربي لكربلاء، وتحويله إلى متنفس ضخم ومهم للعوائل العراقية.

ويرى الشمري بأنّ "إسهامات العتبة المقدسة في هذا المجال يدخل ضمن صناعة الترفيه، ولكن الترفيه الصديق للفطرة الإنسانية والصديق للبيئة أيضاً، ففي حين يمكن للإنسان التمتّع والاستجمام، ولكن يضمن معها الحفاظ على الثوابت الدينية والأعراف الاجتماعية، على عكس ما يحصل في دول عربية وحتى إسلامية" بحسب قوله.

مشاريع العتبة العباسية في مرايا الإعلام

لم يكن حدث افتتاح مصنع تجميع وصناعة الشاحنات الثقيلة من قبل العتبة العباسية لوحده مثار اهتمام وسائل الإعلام المحلية وحتى العربية والعالمية، ولكنّه يعدّ نموذجاً فريداً على مستوى تقدّم الصناعة في المحلية في العراق.

ورصد موقع (كلمة) اهتمام وسائل الإعلام بمشاريع العتبة العباسية ومن بينها افتتاح هذا المصنع.

في تقرير أعدّته صحيفة (العرب) اللندنية المستقلة، ذكرت فيه أن "مصنع براق القمة يُعد إنجازاً بارزاً في قطاع النقل والصناعات الثقيلة مع التركيز على تدريب المواهب العراقية وإشراك الكفاءات المحلية".


وأوضح التقرير أن "العراق دشّن أول مصنع لتجميع الشاحنات الثقيلة وذلك بالتعاون مع شركة شاكمان الصينية، في خطوة تمثل نقلة نوعية في قطاع الصناعات الثقيلة والنقل في البلاد".

كما حظي افتتاح مصنع (براق القمّة) لصناعات الشاحنات الثقيلة، باهتمام وسائل الإعلام العراقية، ومنها القناة الرسمية ووكالات الأنباء، التي اعتبرته منجزاً وطنياً يستحق الدعم والإشادة.

واعتبرت بأن "مشاريع العتبة العباسية أعادت من جديد عبارة غابت عن المشهد الصناعي المحلي وهي "صُنع في العراق".

الاعتماد على العقول العراقية أولاً وأخيراً

يظهر من خلال البصمات الواضحة للعتبة العباسية في مجال مختلف الخدمات التي تقدّمها للزائرين والمستهلكين ومختلف شرائح المجتمع، هو إيمانها الواضح بالعقول والطاقات العراقية، وهي صفة لازمة يعرفها جميع من اطلع من قريب أو بعيد على مشاريعها في مختلف المجالات، مع الاستفادة بشكل من تجارب وخبرات الآخرين والدول، ولكن تبقى محافظة على "بصمتها العراقية".

وتنطلق مثل هذه الخدمات من رؤية وكيل المرجعية الدينية العليا والمتولي الشرعي للعتبة العباسية السيد أحمد الصافي، الذي ينقل عنه المقرّبون منه قوله: "علينا أن نعتزّ أولًا بعراقيّتنا، ثمّ علينا أن نثقَ بالعراقيين".

ففي مجال إنشاء مشاريع توسعة العتبة العباسية وبناء الصحون وتسقيف الصحن العباسي وكل ما يتعلق بالعمران الإسلامي للمرقد الشريف، يكون موضع الثقة بالطاقات العراقية دون غيرها.

في تصريح سابق أدلى السيد الصافي وتابعه (كلمة) أثناء استقباله لوفد مجلس الحكماء للحوار والحوكمة أكد على براعة العقل العراقي في مختلف المجالات.

وقال الصافي: "نحن دائمًا نعتز بالكفاءات والقدرات العراقية".

وتابع أن "علينا أولاً أن نتفق بأن العقل العلمي العراقي هو عقل ناضج ومتميز ومبدع، ولدينا في البلد اليوم طاقات في كل العلوم التطبيقية، فضلاً عن العلوم الإنسانية التي لها حساباتها وبرهنتها ومقاييسها".

وأوضح "نحن في العتبة العباسية المقدسة نؤمن بقدرة العقل العراقي، وشخصيًّا ليس عندي مستشارين غير العراقيين إطلاقًا، والحمد لله لدينا مشاريع نفتخر بإنجازها من قبل العقل العراقي، ويقيمها أهل الاختصاص بأنّها ذات جودة عالمية عالية".



التعليقات