مرّ على سقوط نظام البعث في العراق نحو عقدين من الزمان، ومنذ ذلك الحين وحتى الآن يشهد البلدُ تشكلاً جديداً لثقافته، أو بالأحرى "إعادته إلى ثقافته الأولى" التي حاول البعثيون ومن قبلهم القوميون والشيوعيون تغييرها؛ وفقاً لأفكار غربية مستوردة وأخرى تخضع للمزاج السياسي؛ في حينَ أن غالبية العراقيين يؤيدون "الثقافة" بشكلها الإسلامي الرصين، الذي يدعو لبناء الإنسان وتكامله كما يدعو إلى نشر المحبّة والتسامح والسلام.
وربما كان أوّل من انتبه لخطر البعث ومن سبقهم على تغيير الثقافة والهوية العراقية، هو مرجع الطائفة الشيعية وزعيم الحوزة الدينية في زمانه السيد محسن الحكيم، الذي حرص على فتح العديد من المكتبات الثقافية والدينية في مختلف محافظات البلاد، فضلاً عن القرى والأرياف، وكان يبذل الأموال لأجل ذلك، وبرزت من بينها مكاتب النجف والبصرة وبغداد وقضاء القاسم في محافظة بابل.
كما عمل على نشر المبلغين الدينيين، وخصوصاً في المناطق النائية لتبليغ رسالة الإسلام، فضلاً عن تثقيف الناس وتوعيتهم في مواجهة الغزو الغربي والأفكار الدخيلة على المجتمع العراقي، ونجح بذلك كثيراً.
في حين تطوّرت مثل هذه الجهود الدينية ما بعد (2003)، حيث حرصت المرجعية الدينية العليا متمثلة بالسيد علي السيستاني وعبر مكاتبه ومعتمديه والمؤسسات التابعة له فضلاً عن العتبات المقدسة والمزارات الدينية التي تعمل وفقاً لتوصياته؛ على إنشاء جيلٍ جديد متطبّع بالثقافة الإسلامية، الثقافة بثوبها "الهادئ" وصدرها "الواسع" و"أسلوبها الحسن" في الحوار مع الآخر، وليس الثقافة المبنية على أساس متطرّف ومتشدّد.
عندما يوصي السيد السيستاني أتباعه في العراق وحتى العالم بالقول: "لا تقولوا أخوتنا السنة بل قولوا أنفسنا السنّة"، وعندما يقول: إنّ "المسيحيين والأيزيديين وغيرهم من المكونات العراقية أمانة في أعناقنا" هذا يعني أن ثقافة الانفتاح على الآخر وترسيخ مفهوم التعددية والدعوة للسلم من أصل المشروع الثقافي الإسلامي الشيعي.
وهذا الأمر ليس وليد هذه اللحظة، حيث سنعرف أن السيد السيستاني أصدر بتاريخ (2 آب 2004) بياناً حول التعرّض للكنائس المسيحية في بغداد والموصل، وأدان فيه الجرائم التي تطاول على هذا الإرث الديني والثقافي للمكوّن المسيحي.
وجاء في بيان المرجع الأعلى: "في مسلسل الأعمال الإجرامية التي يشهدها العراق العزيز وتستهدف وحدته واستقراره واستقلاله تعرّض عدد من الكنائس المسيحية في بغداد والموصل إلى اعتداءات آثمة أسفرت عن سقوط عشرات الضحايا الأبرياء بين قتيل وجريح كما تضرر من جرائها الكثير من الممتلكات العامة والخاصة وإننا إذ نشجب وندين هذه الجرائم الفظيعة ونرى ضرورة تضافر الجهود وتعاون الجميع - حكومة وشعباً - في سبيل وضع حدّ للاعتداء على العراقيين وقطع دابر المعتدين".
وأكد البيان "على وجوب احترام حقوق المواطنين المسيحيين وغيرهم من الاقليات الدينية ومنها حقهم في العيش في وطنهم العراق في أمن".
ويتضح من خلال هذا البيان كما يقول الباحث في الشأن العراقي أحمد السعيدي: إنّ "التفكير في الآخر والدعوة إلى حمايته تمثّل ثقافة إسلامية عالية المضامين، وتكشف للآخر عن عظمة وأصالة المرجعية الشيعية".
واستطاعت مثل هذه المواقف من قبل المرجعية الدينية العليا أن تؤسس لخطاب ثقافي وديني سامٍ، وانعكسَت على تأثر الآخر من المسيحيين وغيرهم بالمظاهر الدينية الشيعية وحرصهم على المشاركة فيها، بل والتعريف بها.
الشعائر والطقوس وثقافة الانتماء
وفي جانب مهمٍ أيضاً، يتضحُ لنا عمق الانتماء للثقافة الإسلامية وخصوصاً الشيعية المرتبطة بآل بيت النبي المصطفى (ص)، ويظهر من خلال الشعائر والطقوس الدينية التي بقيت متأصلة ومتجذّرة في العراقيين الشيعة، ففي حين حُرموا منها لأكثر من ثلاثة عقود، لم تضمحل في قلوبهم، ولم تستطع الثقافة التي أرساها الحكم البعثي البائد أن تؤثّر عليها، حتى من خلال ممارساته الثقافية ـ العلمانية ـ، فما أن سقط الصنم توقّدت من جديد هذه الثقافة في نفوس العراقيين، بل وتطوّرت إلى فعاليات أوسع.
وبالتالي فإن ما يعكسُ مدى تعلّق المجتمع العراقي بثقافته الإسلامية، كما يقول الباحث ستّار الفتلاوي لـ (كلمة) هي "مظاهر إحياء أول زيارة لأربعينية الإمام الحسين (ع) ما بعد سقوط الديكتاتورية". مشيراً إلى أن "الملايين من المواطنين خرجوا لحظتها سيراً على الأقدام صوب مدينة كربلاء للمشاركة بإحيائها".
ومنها عادت من جديد مظاهر إحياء الشعائر والطقوس الدينية التي لا يشارك فيها اليوم أبناء المكون الشيعي فحسب؛ بل يشارك فيها أبناء الطائفة السنية وكذلك المسيحيون والصابئة، حيث يرون في الإمام الحسين (ع) رمزاً إنسانياً خالداً، وليس حكراً للشيعة أو المسلمين فحسب. وبحسب الفتلاوي فإنّ "مثل هذه المظاهر الدينية والشعائرية هي ما تشكّل الهوية الثقافية الحقيقية للمجتمع العراقيّ، في ظل إيمانها بعقيدتها الإسلامية وشعورها بالمسؤولية الوطنية أيضاً".
أما الدكتور مهيار كاظم وهو أكاديمي وباحث في كلية لندن الجامعة فيذكر في مقال له نشره مركز (Atlantic Council) الأمريكي للبحوث وترجمه (كلمة) أن "المجتمع العراقي وخصوصاً أبناء المكون الشيعي يرفضون تماماً استيراد النماذج الثقافية وحتى السياسية القائمة على أشكال المعرفة الغربية".
ويضيف بأنّ "المرجعية الدينية والعتبات والمزارات الشيعية نجحت ما بعد تغيير النظام البعثي بنشر الثقافة الإسلامية، بعد التحرر من الطرق الغربية التي كانت منتشرة سابقاً، وكذلك رفض المفاهيم العلمانية التي كانت قد تشكّلت وفقها الدولة العراقية".
ولو عدنا إلى الكثير من الذين كتبوا حول الشعائر الدينية (الحسينية) وبحثوا فيها، سنعرفُ أنّ هذه الشعائر في تمظهراتها وطقوسها واشتغالاتها تعتبر تظاهرة ثقافية وإصلاحية عالمية.
تقول الكاتبة الصحفية جنان الهلالي: إنّ "الشعائر الحسينية تعد واحدة من أبرز التظاهرات الثقافية والدينية التي تقام سنوياً في العراق ومن حول العالم، وتحمل فعالياتها معانٍ ثقافية عميقة، هي تمثل رمزاً للثورة ضد الظلم والفساد، كما أنها ليست مجرّد تعبير عن مشاعر مؤقّتة".
هذا يعني من خلال حديث الهلالي أنّ هذه الثقافة مترسّخة ومتجذّرة، ما دامت ليست مشاعر مؤقتّة، وإلا لما بقيت الأجيال تتوارثها عبر الزمن.
والشعائر أيضاً في بعدها الثقافي (والحديث للهلالي) أنها "تجمع بين الأدب والفنون والتقاليد الشعبية، كما تنتشر خلالها الأناشيد والقصائد الحسينية، التي تعبّر عن مأساة كربلاء وتُلهب مشاعر المشاركين".
وتقام خلال شهري محرم الحرام وصفر اللذين يعدّان موسم الأحزان العاشورائية لدى أبناء الطائفة الشيعة، مسرحيات تجسّد أحداث معركة الطف التي استشهد فيها الإمام الحسين (ع)، وبالتالي فإنّ هناك ممارسة ثقافية متأصلة في الشعائر الحسينية.
كما أن في إقامة الشعائر أدواراً عديدة بينها إبراز التراث الثقافي والفني للعراق والبلدان الإسلامية التي تقيمها، والتي تمتزج فيها الثقافة الشعبية والتراث الأصيل لكل بلد، وهذا بحدّ ذاته إسهاماً من الناس لإبراز ثقافتهم بلونها وصورتها الدينية الحسينية، كما تحافظ على تراثهم لنقله إلى الأجيال اللاحقة.
واعتبر الباحث والأكاديمي الدكتور أحمد جعفر الأنصاري الشعائر الحسينية المقامة من قبل الشيعة في المهجر، تؤدي دوراً ثقافياً وحضارياً كما ترسّخ لهويتهم الثقافية بين ثقافات عالمية مختلفة.
يقول الأنصاري وهو أكاديمي في كلية الآداب بجامعة الكوفة: إنّ "ممارسة الشعائر الدينية تمثل واحدة من أهم صور تجسيد الهوية بين أبناء الجاليات؛ بما تمثله من فرصة لأبناء الجاليات للاتصال بجذورهم الثقافية والاجتماعية والدينية".
كما يضعنا أمام حقيقة أخرى بالقول: إنّها "فرصة لربط أبنائهم من الجيل الجديد الذي نشأوا وترعرعوا في المهجر بالثقافة الأم؛ إذ يتوقُ ذووهم لغرس بعض قيم مجتمع الأصل في هويتهم الثقافية، بعيداً عن تأثير ثقافة المجتمع المهيمن".
هنا إذن نحن أمام أبعاد جديدة لاتساع رقعة وتأثير الثقافة الإسلامية الشيعية، من الداخل المحلي إلى الخارج العالمي الذي ينفتح على مختلف الثقافات سواء أكانت دينية أم غير دينية، وبصورها الأخرى، وكذلك بحسب الأنصاري تعزّز الهوية الثقافية دون حصول أي حالة من الاستلاب أو الانسلاخ أمام ثقافة المجتمعات الأخرى.
ويعتبر الباحث الدكتور علي حسن في حديثه لـ (كلمة) أنّ "للشعائر والممارسات الدينية دور كبير في نشر وتعزيز الثقافة الإسلامية وخصوصاً في العراق".
وبخلاف ذلك وفي حالة انعدام وجود مثل هذه الفعاليات والممارسات الشعبية كما يبين حسن "سيكون من السهل جداً اختراق المجتمع العراقي، بل وسيتخلى عما يميّزه، وكذلك يزيل السمات المهمة التي تميز هذا المجتمع بين الأمم والثقافات الأخرى".
المرجعية العليا والشباب العراقي
بالنسبة لشريحة الشباب الشيعي (المؤمن)، تقدّم المرجعية الدينية العليا طرحاً ثقافياً مهماً في توجيههم، عبر توصيات خاصة تتناغم مع الشباب وتولّد فيهم الإحساس بالمسؤولية الشرعية والوطنية والثقافية والعلمية.
فقبل تسع سنوات طالبَ مجموعة من الشباب الجامعي ـ وهو مجتمع شبابي مثقف ـ المرجعية الدينية العليا بنصائح تنفعهم في حياتهم، وكذلك تعريفهم بالدور المطلوب أداؤه خلال هذه المرحلة العمرية من حياتهم.
وردّت المرجعية العليا بثماني توصيات تحمل كل واحدة منها ثقافة خاصة يؤكد عليها الدين الإسلامي الحنيف.
وجاء في هذه النصائح الشبابية "ضرورة لزوم الاعتقاد الحق بالله والدار الآخرة، وعدم التفريط بهذا الاعتقاد أبداً، وكذلك الدعوة إلى زيادة الارتباط بالله والعمل بتعاليمه".
كما أوصت الشباب بــ "الاتصاف بحسن الخلق؛ كونه جامع لكل الفضائل الإنسانية، إضافة إلى التزام مكارم الأفعال والأخلاق"، وهي في حدّ ذاتها ثقافة مجتمعية مهمة يجب أن يتصف به بنو البشر في تعاملهم مع الآخر وحتى مع خالقهم.
كما توصي المرجعية بثقافة العمل "عبر السعي في إتقان مهنة وكسب تخصص وإجهاد النفس والكدح لأجله"، فضلاً عن وصيتها بـ "السعي لأعمال البر والمساعدة؛ فيما فيه من تنمية للإيمان وتهذيب للنفس".
وأكدت المرجعية العليا على الشباب "بأن يتحلّوا بروح التعلّم وهمّ الازدياد من الحكمة والمعرفة في جميع مراحل حياتهم ومختلف أحوالهم، فيتأمّلون أفعالهم وسجاياهم وآثارهم، وينظر في الحوادث التي تدور حوله ونتائجها؛ حتى يزداد في كلّ يوم معرفة وتجربة".
أما فيما يخص المطالعة والحث على القراءة لأهميتها في نشر الثقافة وصقلها لدى الإنسان؛ فإن أكثر ما تؤكّد عليه المرجعية الدينية العليا في توصياتها للشباب هو أن يأنسوا بكتب ثلاثة مهمة للتأمل والتفكير وتتمثل بـ "القرآن الكريم، نهج البلاغة للإمام علي (ع) والصحيفة السجادية للإمام علي السجاد (ع)".
وانطلاقاً من هذا الطرح الثقافي الجدير بالاهتمام والمتابعة، يؤكد وكيل المرجعية الدينية العليا في مدينة كربلاء السيد أحمد الصافي، على ضرورة امتلاك الثقافة الواسعة، وكما يدعو إلى توعية الشباب وتوجيههم نحو قراءة الكتب.
ويلفت إلى أن "حلّ هذه المشكلة يكون بتوعية الشباب بشتى الطرق وتوجيههم نحو قراءة الكتب والمصادر التي تسهم في زيادة مخزونهم الثقافي وصياغة شخصيتهم".
ويعتبر الصافي أن ذلك يتحقق أيضاً "عبر المواضيع المختصرة والصغيرة والنشرات الصحفية، والمجلات وغيرها".
ولفت أيضاً إلى أهمية "المهرجانات الشعرية والفعاليات الثقافية والندوات الفكرية في صقل معارفهم ومواهبهم".
والسيّد الصافي نفسه قدّم عبر العتبة العباسية التي يتولى إدارتها شرعياً بصفة (متولي شرعي)، مشاريع مهمة تخدم الشباب وتحثهم نحو بناء ثقافي إسلامي في جوهره ولبّه.
ومن هذه المشاريع، إقامة فعاليات للشباب الجامعيين بمناسبة تخرّجهم من جامعاتهم، وفي الأحرى تصوغُ صورة مشرقة لهذه الشريحة المثقّفة، فبدلاً من إقامة حفلات التخرّج غير العقلانية أو غير المهذّبة في أحيان كثيرة، والتي تعرضهم للانتقاد وحتى السخرية، فإن العتبة العباسية تقيم في كل عام حفلات تخرج في رحاب المدينة المقدسة. يشارك في هذه الحفلات الآلاف من الطلاب والطالبات الجامعيين من مختلف الطوائف والمكونات العراقية، الذين يردّدون قسم التخرج في رحاب مرقد أبي الفضل العباس (ع)، وينطلقون من هذا المرقد المقدّس لدى الشيعة إلى رحاب الحياة العملية في خدمة مجتمعهم ووطنهم.
ويجب أن نذكر أن مثل هذه الفعاليات تشارك فيها الشابات الجامعيات، حيث يرتدين الحجاب بكامل عفّتهن ويحضرن، هنا لترديد القسم.
في إحدى الفعاليات التي شاركت فيها نحو (15 ألف) طالبة جامعية، في شهر آذار من العام الجاري، قال السيد الصافي: إننا "نفخر ونعتز ونطرح هذا النموذج أمام العالم، فهذه هي الفتاة العراقية التي أنجبتها الأمهات الغاليات العزيزات".
مثل هذه الرسالة الدينية والثقافية تشجّع لدى الفتيات مواصلة حياتهن بقوّة وعقيدة ثابتة وتذكّرهن أيضاً بأنهن بنات أولئك النسوة العراقيات "العزيزات" كما يصفهن السيد الصافي.
ويضيف، "أيتها البنات الطاهرات النجيبات العفيفات أنتن الآن تحملن شارات عديدة من التقوى، والإيمان، والقوة، والنجابة، والحياء، وكل هذه مشاعر اعتزاز لنا، وأنتن صنعتن مدرسة في التخرج والعهد والقسم، وفي كل ما يمت إلى القيم من مسائل، وأنتن القيمة الحقيقية التي نعتز بها".
كما لا يخفي وكيل المرجعية الدينية العليا أن "هناك حرباً شعواء تُشنّ لانسلاخ المرأة من الحياء والعفّة" مستدركاً "عندما نرى هذه الطاقات، ونرى بناتنا وهن يشقن طريق الحياة بهذا المظهر المهم والروحاني وبهذه الهيأة، نفخر ونعتز".
ويشاركه أيضاً ممثل المرجعية الدينية العليا والمتولي الشرعي للعتبة الحسينية الشيخ عبد المهدي الكربلائي في ضرورة ترسيخ هذه الثقافة الإسلامية الأصيلة.
وفي مرّات عديدة، يشارك الشيخ الكربلائي بنفسه في فعاليات خاصة بتتويج الفتيات الصغيرات بلبس "حجاب الرأس" وهو لباس شرعيّ ترتديه الفتاة المسلمة منذ بداية تكليفها الشرعي بعمر "9 سنوات قمرية" وفقاً للمفهوم الشيعي والعقيدة الدينية.
ويحثّ الكربلائي الفتيات "على ضرورة الالتزام بهذا الحجاب والتمسّك بتعاليم النبي وأهل بيته، وخصوصاً ابنته السيدة الزهراء (ع)، الي تعدّ قدوة لكل الفتيات والنساء المسلمات".
أما فيما يخصّ المساهمة في نشر الثقافة، فقد أولت العتبة الحسينية اهتماماً ملحوظاً في هذا الجانب، وخصصت العديد من الفعاليات والمهرجانات والندوات فضلاً عن النشريات والكتب والمجلات الصحفية التي تُعنى بنشر الثقافة والمعرفة بين شريحة الشباب وباقي شرائح المجتمع.
وعن هذا يتحدّث مدير مركز الثقلين الثقافي في العتبة الحسينية، الشيخ فاهم الإبراهيمي في تصريح صحفي تابعه (كلمة) أنّ "إقامة الندوات والمحاضرات في مختلف محافظات العراق تعد مهمة جداً، وتولي العتبة الحسينية اهتماماً واسعاً بها؛ في سبيل نشر الثقافة الإسلامية بين شرائح المجتمع".
ويلفت إلى أن "مثل هذه الفعاليات تعزّز لدى المواطنين وخاصة الشباب الثقافة الأصيلة، وكذلك تعريفهم بسيرة حياة النبي الاعظم (ص) وثقافته وفكره وكذلك ثقافة الأئمة المعصومين (ع)".
فعاليات إسلامية ثقافية وطنية
وخلال عام واحد فقط، أطلقت العتبة الحسينية مسابقة ثقافية تدعو وتحث على المطالعة والقراءة، وحملت عنوان (أمّة تقرأ)، شملت في نسختها الأولى الأعمار الصغيرة لتلاميذ المدارس وطلاب المرحلة المتوسطة، فيما اختصت النسخة الثانية بطلاب الإعدادية والجامعة.
وعن أهمية هذه المسابقة وأثرها الثقافي والمعرفي، يقول الشيخ عبد المهدي الكربلائي: إنّ " أن المقصد الأساسي من تنظيم مسابقة (أمة تقرأ) الوطنية، هو صناعة ظاهرة اجتماعية ثقافية واعية تدرك أهمية القراءة الواعية الدقيقة المحققة والفاهِمة" بحسب قوله.
ويبيّن أكثر عن دورها بأن "تكون هناك أمة تستطيع أن تواجه التحديات الحالية وتقف بين مختلف الأمم، وتسهم في الحركة العلمية والثقافية والنهوض بمختلف مجالات حياتها، والمساهمة مع بقية الأمم التي أسهمت في صنع الحياة التي تليق بهذا الإنسان الذي اختاره الله تعالى خليفة في الأرض، فضلاً عن صنع المستقبل الواعي الذي تتألّق فيه الأمة من خلال ماضيها وحاضرها".
وبالتناوب ما بين العتبتين الحسينية والعباسية في كربلاء، وكذلك بقية العتبات مثل العلوية في النجف والكاظمية في بغداد والعسكرية في سامراء، إلى جانب المزارات الدينية، تزايد نمو الفعاليات الثقافية التي تشرّف عليها وتقيمها في مختلف المناطق العراقية.
وتدعم العتبات لنشر الثقافة الإسلامية، فعاليات المهرجانات الشعرية والمسرح وفنون الخط والرسم، والتصوير الفوتوغرافي، والمسابقات الثقافية والفكرية، والتي تنطلق في الأساس من التراث الإسلامي الشيعي.
وعن مثل هذه التظاهرات الثقافية، يقول الباحث والأكاديمي الدكتور علي حسين يوسف: إنّ "القراءة ليست مجرّد فعل فردي أو هواية جانبية، بل هي المفتاح الذي يفتح أبواب التغيير".
وعن مسابقة (أمة تقرأ) يقول: إنّ "في هذه المناسبة ما يعيد للأذهان صورة الأمة عندما كانت تحمل لواء العلم، وتسير في دروب الحضارة، وتنير العالم بمعارفها".
والكتاب في ظل هذه المبادرات كما يشير يوسف "لا يعود جماداً صامتاً على رفوف المكتبات؛ بل يتحول إلى كان حي ينبض بالمعاني، ويمد جسور الحوار بين الإنسان ونفسه".
فيما تعتقد الصحفية دنيا الحجامي أنّ "المرجعية الدينية والعتبات المقدسة والمؤسسات الثقافية التابعة لها تمارس دوراً مهماً في صياغة الوجه الثقافي الحقيقي للمجتمع العراقي، وتؤكّد على فاعليته الثقافية في الحضور المحلي والعالمي".
وترى في حديث خاص لـ (كلمة) أنّ "هذه الأدوار التي تقوم بها المرجعية والعتبات الدينية أصبح مهماً ولافتاً، كما أنّه يعزّز الثقافة الدينية والتراث الديني المتنوّع في إزال الثقافة غير الدينية التي تسعى لها مؤسسات بعضها تابع للدولة". بحسب تعبيرها.
وحتى مع الانفتاح على العالم في ظل تطور وسائل الاتصال الحديثة والميديا الإعلامية الجديدة، واستيراد ثقافات جديدة وفي أكثرها "دخيلة على المجتمع العراقي" تنظرُ الحجامي إلى أنّ "المؤسسات الدينية الشيعية ستعمل كفاعل وطني ثقافيّ لرسم الهوية الحقيقية للمجتمع ومواجهة الأفكار الدخيلة، وبالتالي سيتغير بدوره المشهد الثقافي العراقي بالكامل".
هذه النظرة التي قد تعتبر صادمة جداً للكثيرين، وخصوصاً للذين يحاولون بالضد من ترسيخ ثقافة مجتمعية إسلامية في العراق، يؤكّد عليها الباحث مهيار كاظم.
ويلفت إلى أن "المؤسسات الدينية المتجدّدة والحيوية قادرة على رسم الهوية العراقية عبر تعزيز الثقافة الإسلامية الأصيلة".