الحجاب يرمز إلى مبادئ
ثلاثة:
المبدأ الأول: مبدأ التوازن النفسي
راسل - هذا الفيلسوف الفرنسي - يقول: الحجاب مفسدةٌ للمجتمع؛ لأنَّ المرأة إذا تخلت عن حجابها، وانكشفت بمفاتنها أمام الرجل، أصبحت مبذولةً للرجل، فإذا شعر الرجل بأنها المرأة مبذولةً أمامه، ينظر إليها متى شاء، ويصافحها ويلامسها متى شاء، ويمازحها متى شاء، يخمد عنده الغليان الجنسي، فالغليان الجنسي يخمد عند الرجل إذا رأى المرأة مبذولةً أمامه، وبالتالي فإن العلاقات الجنسية تقل.
بينما إذا تحجّبت المرأة، ورأى الرجل أن المرأة ممنوعة عنه، يفصل بينه وبينها قيود وأغلال، إذا شعر الرجل بأن المرأة مفصولة عنه، ازداد غليانه نحوها، وازدادت مشاعره نحوها، لأن المرء حريصٌ على ما مُنِعَ، وبالتالي يثور عند الرجل الغليان الجنسي، فيبادر إلى فتح باب العلاقات غير المشروعة. راسل يقول: إذا أراد المسلمون أن يتخلصوا من العلاقات الجنسية غير المشروعة، فليتخلصوا من الحجاب؛ لأن الحجاب يساعد على غليان المشاعر، بينما السفور يساعد على خمودها وهدوئها.
نحن في مقابل راسل نقول: هو مشتبه. نرجع إلى علماء النفس، علماء النفس يقولون: الميول على قسمين: ميول عضوية، وميول نفسية. الميول العضوية يمكن إشباعها بأقل شيء، لكن الميول النفسية لا يمكن إشباعها. مثلًا: الإنسان إذا أصابه الجوع، يصبح عنده ميل إلى الطعام، هذا الميل إلى الطعام ألا يمكن إشباعه؟ يمكن إشباعه بأن يأكل قطعة رغيف، فينتهي ميله. أما ميل الإنسان للأموال، فهذا ميل نفسي وليس ميلًا عضويًا، ميل الإنسان للأموال لا يمكن إشباعه، الإنسان كلما انفتحت عليه الثروة ازداد ولعًا بها، كلما كبرت ثروته، كلما كبرت تجارته، كلما توسّعت ثروته، ازداد ميوله، ازداد ارتباطه، ازداد ولعه بالثروة؛ لأن الميول النفسية تطغى وتكبر وتتسع كلما فتح لها الإنسان المجال.
إذن، هناك فرق بين الميول العضوية والميول النفسية، الميول العضوية يمكن إشباعها، فلو كنتَ جائعًا استطعت إطفاء الجوع بقليل من الطعام، لكن الميل نحو المال لا يمكن إشباعه، كلما فتح الإنسان له الأبواب ازداد ونما وطغى، ولذلك يقول القرآن الكريم: (كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى * أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى)، إذا وجد نفسه بيده الثروات والغنى يطغى، وكلما زاد غنى زاد طغيانًا نفسيًا، وولعًا نفسيًا بالمال. القرآن الكريم يقول: (وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا).
ولذلك، ورد عن الرسول محمد (ص): ”منهومان لا يشبعان: طالب علم، وطالب مال“، من يطلب العلم دائمًا يعيش حالة ظمأ، حالة عطش للعلم والمعرفة، ولذلك تراه دائمًا في لهف، في شوق، في تعب نحو العلم. وكذلك من يطلب المال ويسهر الليالي، يتعب نفسه خلال الأيام، في المعاملات البنكية والسوقية، بمقدار ما يمكن بتوسعة الثروة والتجارة. إذن، الميول النفسية لا يمكن إشباعها، بينما الميول العضوية يمكن إشباعها.
من هنا نقول: ميل المرأة ليس من الميول العضوية التي يمكن إشباعها، بل من الميول النفسية التي لا يمكن إشباعها، ليست المسألة مسألة الميل الجنسي، بل الميل العاطفي، الميل العاطفي نحو المرأة لا يمكن إشباعه، كلما فتح الإنسان له المجال ازداد، الإنسان كلما تعلق بالمرأة يزداد ولعًا بها، كلما زاد تعلقه بها زاد ولعًا بها، وزاد ارتباطًا بها.
النفس كالطفل إن تهمله شبَّ على حب الرضاع وإن تفطمه ينفطمِ
النفس إذا فتحت لها المجال تطغى، ولا تشبع أبدًا، كالطفل تمامًا. إذن، ميول الإنسان نحو الأنثى ميول لا يمكن إشباعها. خذ استقراءً على العالم، إذا كان الإنسان عنده امرأة واحدة فإنه أقل ولعًا ممن عنده امرأتان، وإذا صار عنده ثلاث صار ولعه بالمرأة أكبر، وإذا صار عنده أربع صار ولعه بالمرأة أكثر. ولذلك ترى مثلًا هارون الرشيد الذي يبيت كل ليلة مع امرأة جديدة، كل ليلة يبيت مع جارية جديدة غير الجارية التي بات معها في الليلة السابقة، هذا لأنه فتح المجال أمام ميوله نحو المرأة، فزاد طغيانه، وزاد ولعه، بحد لا يقف عند منتهى.
إذن، الإنسان يزداد ولعه بالمرأة كلما فتح لها المجال. لذلك، إذا تخلت المرأة عن حجابها، وتكشفت أمام الرجل، وبرزت مفاتنها، فإن العلاقات الجنسية لا تقل كما يقول راسل، بل بالعكس، يزداد ولع الإنسان بالمرأة، وتزداد العلاقات غير المشروعة، ولذلك نجد أن المجتمع غير المحافظ أكثر انحرافًا من المجتمع المحافظ، العلاقات غير المشروعة فيه أكثر من المجتمع المحافظ؛ لأن المرأة اُبْتُذِلَت للرجل، فزاد ولعه بها، فتنوّعت العلاقة معها، فكثرت المفاسد الاجتماعية.
إذن بالنتيجة: فهمنا لماذا الحجاب، الحجاب رمز لمبدأ التوازن، حتى يعيش الرجل توازنًا نفسيًا، فبدلًا من أن يعيش حالة في مشاعره وفي عواطفه وفي غريزته الجنسية، أراد الإسلام أن يعيش الرجل حالة من الاستقرار النفسي، وحالة من التوازن النفسي، فأمر المرأة بالحجاب. صحيح أن المرأة هي التي تضحي من أجل الرجل، المرأة تلبس حجابًا لا لأجلها، بل لأجل أن يحتفظ الرجل بتوازنه النفسي، لأجل أن يحتفظ الرجل باستقراره النفسي، فالحجاب رمزٌ للتوازن النفسي لدى الرجل، وليس مجرد شكل، وليس مجرد عباءة.
المبدأ الثاني: الحجاب رمز للعلاقة الحميمة بين الزوج والزوجة
أنت عندما تلاحظ علاقة آبائنا بأمهاتنا قبل أربعين سنة، وتقارنها بعلاقة أبنائها بأزوجاهم، تجد الفرق كبيرًا. علاقة آبائنا بأمهاتنا كانت علاقة حميمة صافية خالية من المشاكل، خالية من الأجواء المتوترة، خالية من الأجواء المتخلخلة، كانت علاقة آبائنا بأمهاتنا أكثر صفاء، أكثر نقاء، أكثر حبًا، أكثر دفئًا، أكثر ارتباطًا. بينما أبناؤنا المتزوجون الآن علاقاتهم بزوجاتهم دائمًا علاقات متوترة، مشوبة بالمشاكل، مشوبة بالاختلافات، مشوبة بالتوترات العصبية، لماذا؟ ما هو السبب؟
السبب هو أنَّ المرأة قبل أربعين سنة كانت تشعر بأن الزوج لها فقط، وهو يشعر أن المرأة له فقط، ليس أمامه إلا زوجته، وليس أمامها إلا زوجها، كانت تشعر بأنَّ زوجها لها، فكانت تعيش استقرارًا نفسيًا، والزوج يشعر بأن زوجته له، فصار يعيش استقرارًا نفسيًا، فتكوّن البيت الأسري على ضوء العلاقة الحميمة. أما الآن، فالمرأة تراقب الرجل إذا ما انشغل بجواله، هي لا تدري يتصل بمن، يتكلم مع من... إلخ، الفتاة مع أنها متزوجة، إلا أنها تعيش الخوف من جهة زوجها، دائمًا تشعر بأن زوجها ربما يكون له علاقات أخرى مع امرأة أخرى، ولذلك تتحسّس المرأة من جهة زوجها، أي مكالمة تلفونية، أي نظرة، تتحسّس منه؛ لأنَّ الجو مفتوح أمامه، فكما يشاهدها يشاهد العشرات والمئات أمثالها، وكما يسمع صوتها يسمع أصوات المئات أمثالها، فالمرأة تشعر في عصرنا هذا - نتيجة للسفور والتخلي عن الحجاب - بأنَّ زوجها ليس محصورًا فيها، بل بإمكانه أن يشبع شهوته وغريزته بوسائل خارج البيت.
الآن مع الأسف الشديد، بعض
الرجال يعتبر زوجته وسيلة إنجاب فقط، لا يعطيها دفئًا، لا يعطيها
حنانًا، لا يعطيها عواطف، لا يعطيها مشاعر، الزوجة مجرد وسيلة
إنجاب، لماذا؟ لأنه يشبع عواطفه ومشاعره خارج البيت من خلال
العلاقات الأخرى، فالزوجة جهازٌ من أجهزة البيت، كالغسالة والثلاجة!
لا لها شغل آخر، فهو ينظر لزوجته كوسيلة إنجاب، والزوجة أيضًا تنظر
إليه كإنسان متلوّن متغيّر.
كل هذا نتيجة انفتاح المجتمع وتخليه عن الحجاب، فالحجاب يعيد الوثوق، وثوق المرأة بزوجها، ووثوق الزوج بزوجته، الحجاب يعيد لكلا الطرفين الوثوق بالآخر، وإذا حصل الوثوق بالآخر حصلت العلاقة الزوجية الحميمة. إذن، الحجاب رمزٌ للعلاقة الزوجية الحميمة.
المبدأ الثالث: الحجاب رمزٌ لكرامة المرأة
المرأة مسكينة، تظن شيئًا، والرجل عنده حسابات أخرى! الرجل إذا بذلت المرأة نفسها لها احتقرها، طبيعة الرجل هكذا، إذا رأى المرأة مبذولةً له، يراها على علبة الشامبو، وعلى علبة الكلنكس، وعلى شاشة التلفزيون، وفي الإنترنت، الرجل إذا رأى المرأة مبذولةً أمامه احتقرها واستصغرها، وصار يستغلها لإشباع غريزته الجنسية فقط. أما إذا رأى المرأة وقورة، رأى المرأة رزينة، رأى المرأة مؤدبة، رأى المرأة تتمنّع أمامه، لا تفتح له المجال في العلاقات غير المشروعة، ولا تفتح له المجال للف والدوران، إذا رأى المرأة متمنعة ازداد احترامه لها، ازداد إكباره لها، ازداد إعظامه لها. إذن، الحجاب رمزٌ للكرامة، ورمزٌ للعزة، ورمزٌ للمنعة، الرجل يرى المرأة ذات عزة وكرامة إذا كانت محجبةً وقورةً متمنّعةً، بخلاف إذا ما كانت مبتذلةً لديه.
لذلك، نصل إلى النتيجة الأخيرة: الحجاب رمزٌ وليس شكلًا، فلا تتعاملي مع الحجاب كشكل، بل تعاملي مع الحجاب كرمز، الفتاة إذا تعاملت مع الحجاب كشكل تراها يومًا تلبس عباءة فرنسية، ويومًا تلبس عباءة مزركشة، ويومًا لا تدري ماذا تفعل، ويومًا تلبس عباءة مخصرة؛ لأنها تعتبر الحجاب شكلًا، فكلما كان الشكل أحسن وأكثر أناقة فهو أفضل! هذا خطأ، الحجاب ليس شكلًا، بل الحجاب رمزٌ، والحجاب إنما يكون رمزًا للحضارة الإسلامية، ورمزًا للفكر الإسلامي، ورمزًا للثقافة الإسلامية، إذا كان حجابًا رزينًا هادئًا.
العباءة يجب أن تكون فضفاضة، ليس فيها زينة، ليس فيها زركشة، ليست مخصّرة، العباءة الفضفاضة ذات الألوان الهادئة هي التي تصلح أن تكون رمزًا للحضارة الإسلامية، وأما هذه العباءات الجديدة التي وردت علينا شرقًا وغربًا فهي محل إشكال شرعي، خصوصًا إذا كانت مخصّرة أو مزركشة، هذه حرام شرعًا؛ لأنها تُفْقِد الحجاب مضمونَه، تُفْقِد الحجاب أهدافه، تحوّله من الرمز إلى الشكل، الإسلام يريده رمزًا، والفتاة تريده شكلًا. لذلك، أكّد الإسلام على الحجاب في تأكيده على الفقه الرمزي، لا على الفقه الشكلي.
ومن هنا، نرى العقيلة زينب تعترض على يزيد بن معاوية: ”أمن العدل يا بن الطلقاء تخديرك حرائرك وإماءك“، حتى يزيد بن معاوية الذي كان فاسقًا كان يحجّب بناتِه وأخواته؛ لأنه يدرك أهمية الحجاب، ”تخديرك حرائرك وإماءك، وسوقك بناتِ رسول الله سبايا على ظهور المطايا، قد أبديت وجوههن، وهتكت ستورهن، تساق كما تساق العبيد من بلد إلى بلد، يستشرفهن القريب والبعيد، والدنيء والشريف“.