السبت 23 جمادى الأول 1447هـ 15 نوفمبر 2025
موقع كلمة الإخباري
من المختبر إلى الواقع.. كيف يختصر الذكاء الاصطناعي سنوات من تطوير العلاجات؟
بغداد - كلمة الإخباري
2025 / 11 / 14
0

يبرز التقاطع بين العلاجات القائمة على الحمض النووي الريبي (mRNA) والذكاء الاصطناعي كإحدى أكثر الجبهات الواعدة في الطب الحديث، إذ نجح باحثون في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (MIT) في ابتكار نموذج يعتمد على التعلم الآلي لتسريع تصميم الجسيمات النانوية الدهنية (LNPs) المستخدمة في توصيل العلاجات القائمة على الـRNA داخل الجسم. ويُتوقع أن يُحدث هذا التقدم تحولاً جذرياً في سرعة تطوير العلاجات ووصولها إلى المرضى.

وتكمن المعضلة الأساسية في إيجاد وسيلة نقل آمنة وفعالة تحمي جزيئات الـRNA الحساسة وتضمن وصولها إلى الخلايا المستهدفة قبل تحللها. وتعتمد معظم اللقاحات الحديثة على جسيمات نانوية دهنية تعمل كغلاف واقٍ يساعد في دخول الـRNA إلى الخلية. غير أنّ تصميم هذه الجسيمات يعد عملية معقدة، لأنها تتكون من خليط حساس من المكونات الكيميائية التي تؤثر بشكل مباشر في كفاءتها.

وللتغلب على هذا التحدي، أنشأ فريق MIT مكتبة ضخمة تضم آلاف التركيبات المحتملة، ثم درّب شبكة عصبية قائمة على نموذج “المحوّل” (Transformer) ذاته المستخدم في أنظمة الذكاء الاصطناعي اللغوية. وتمكن النموذج من التنبؤ بأفضل التركيبات وأكثرها قدرة على إيصال الـRNA بكفاءة عالية، وبسرعة تفوق الأساليب التقليدية بكثير. كما نجح في ابتكار صيغ موجّهة لأنواع مختلفة من الخلايا، وتصاميم قادرة على تحمل ظروف قاسية مثل التجميد والتجفيف.

ويشير الباحثون إلى أن هذا التقدم يمكن أن يقلّص الفترة الزمنية بين التجارب المخبرية والتطبيق السريري من سنوات إلى أشهر، من خلال قدرة النماذج الحسابية على تحديد التركيبات الأكثر قابلية للنجاح ورفع مستوى الدقة في تصميم أنظمة التوصيل الحيوي. كما يمكن أن تمهد هذه التقنيات لعلاجات RNA جديدة لعلاج أمراض مزمنة مثل السكري والسمنة وأنواع من السرطان.

وتكتسب هذه التطورات أهمية إضافية، لأنها لا تسرّع التصميم فحسب، بل تساعد أيضاً في تحسين جودة توصيل الدواء وتقليل الجرعات وكلفة العلاج، مما يزيد من إمكانية تطبيق هذه التقنيات في الدول ذات الموارد المحدودة.

وقد توسع فريق MIT في استخدام النموذج الجديد لتصميم جسيمات تحتوي على مواد بوليمرية مضافة مثل PBAEs المتفرعة، إضافة إلى صيغ مناسبة لخلايا مختلفة، وحتى جسيمات تتحمل عمليات التجفيف بالتجميد. ويقول الباحثون إن نموذجهم الجديد، المعروف باسم «COMET»، يتعامل مع التركيبات الكيميائية كما يتعامل النموذج اللغوي مع الجمل؛ الجزيئات تُعامل كالكلمات، والتركيبات كجمل كاملة، ما أحدث نقلة نوعية في طريقة هندسة الجسيمات النانوية.

ويمتد المشروع حالياً نحو التطبيق العملي، إذ يعمل الفريق ضمن برنامج بتمويل من وكالة ARPA-H لتطوير أنظمة توصيل RNA قابلة للابتلاع بدلاً من الحقن، وهي خطوة قد تغير شكل العلاج مستقبلاً. كما يجري العمل على توسيع نطاق الجسيمات المصممة بالذكاء الاصطناعي لتشمل أمراضاً جديدة.

ويؤكد الباحثون أن هذا التقدم يقف عند تقاطع ثلاث ثورات علمية كبرى: العلاجات المعتمدة على RNA التي أثبتت فعاليتها بعد جائحة كورونا، والذكاء الاصطناعي في تطوير الأدوية، والتقنيات النانوية الدقيقة في تصميم أنظمة التوصيل. ومع انتقال هذه التقنيات من المختبر إلى التطبيق، يبدو أن الطب الدقيق يتجه نحو مرحلة جديدة عنوانها السرعة والدقة والمرونة.

المحرر: حسين هادي



التعليقات