الثلاثاء 27 رَجب 1446هـ 28 يناير 2025
موقع كلمة الإخباري
تداعيات الإنفاق بأموال الحرام
حسن الهاشمي
هل ينفع ان تصرف بعض أموال الحرام في سبلالخير والبر والاحسان؛ ليحل له المتبقي من المالالحرام؟! هذه الحيلة الشرعية يلجأ اليها بعضضعّاف
2024 / 11 / 07
0

هل ينفع ان تصرف بعض أموال الحرام في سبلالخير والبر والاحسان؛ ليحل له المتبقي من المالالحرام؟! هذه الحيلة الشرعية يلجأ اليها بعضضعّاف النفوس من التجار والسياسيين والموظفينظنا منهم ان الصرف في مجالات الخير يضفي علىأموال السحت والحرام مسحة الحلية والبركةوالاستغفار! وكذلك يحاول بهذه الحيلة الشرعية انيرضي ضميره ويظهر أمام الناس بمظهر حسنويغطّي على ما ارتكبه من تطاول على المال العام أوالخاص بغير وجه حق، ليعلم ان الذي يلتجأ الىهكذا خدع وتصرفات مشينة ـ ان الله تعالى لا يخدعفي جنته، فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره، ومن يعملمثقال ذرة شرا يره. 

في هذا المضمار أن بعض الناس يرى مغفّلاً، فيبيعهبأكثر، أو يشتري منه بأقل، أو يتطاول على بيتالمال، أو يأكل أموال اليتامى بالباطل، معتبراً أن ذلكمن الذكاء، لأنه خدع المغفّل أو خدع القانون أو خدعالعرف، ثم يدفع بعض المال لبناء مساجد أوحسينيات أو مبرات للأيتام وهكذا، ظناً منه أن ذلكيعود عليه بالخير، غير أنه واهم، لأن الله تعالىسيمحقه ويمحق ما تبقّى عنده من أموال السحتوالحرام، قال النبي صلى الله عليه وآله: (لا يكتسبالعبد مالاً حراماً ويتصدق به فيؤجر عليه، ولا ينفقمنه فيبارك له فيه، ولا يتركه خلف ظهره إلاّ كان زادهإلى النار) بحار الأنوار للمجلسي ج100 ص14. قوله (ص): لا يكتسب العبد مالاً حراماً، أي يأخذالمال بالحرام لينفقه في الخير ـ يتصدق به ـ فيؤجرعليه، بل أن الأجر يذهب إلى صاحب المال، والعذابينصب عليه خاصة. 

الله تعالى عدل مطلق، وما يصيب الانسان من ظلمفمن نفسه وما اقترف من ذنوب ومعاص وموبقات،واكتساب المال الحرام هو تلويث الانسان نفسهبالمعاصي وعليه تقبل تداعيات ذلك؛ لأنه قد ظلمنفسه بهذا العمل المشين وعرّضها للهتك والفضيحةوالعذاب، قال تعالى: (إِنَّ الله لَا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًاوَلَكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) يونس: 44. أما قولهصلى الله عليه وآله: ولا ينفق منه فيبارك له فيه، تبيانأن الإنفاق له أثر وضعي فمن أنفق نمى ماله، غيرأن الله لا يبارك لمن أخذ المال بالحرام، واعلم انالخير والبركة والأجر والنماء والزيادة انما تنصبعلى الصالحين، أما الطالحين فما لهم سوى الخيبةوالخسران المبين، بعض الصالحين الأفذاذ بإمكانهأن يلج الحرام بكلمة أو فعل أو تقرير، غير أنه لايفعل ذلك حفاظاً على دينه وشخصيته وسمعته، تبعالذلك فان الله تعالى يسهل له الأمور ويجعل لهمخرجا، قال تعالى: (وَمَنْ يَتَّقِ الله يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى الله فَهُوَحَسْبُهُ) الطلاق:2-3.

عادة الذي يتطاول على أموال الغير، ولا يتحرىالحلال في كسبه، فان المادة قد استولت على كيانهوردمت في نفسه مقومات الفضيلة والعفة والشرف،قال تعالى بشأن الذين ينظرون الى الأمور بالمنظارالمادي البحت وينظرون الى الدنيا بانها الهدف والمآلوالمصير: (يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِالْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ) الروم: 7.

كيف يمكن أن يساوى بين من يعتبر هذه الدنيامرحلة نهائية وهدفاً أصليّاً، ومن يعدّها مزرعةوميداناً للامتحان للحياة الخالدة التي تعقب هذهالحياة الدنيا، فالأوّل لا يرى أكثر من ظاهر هذهالحياة، والآخر يفكر في أعماقها؟!.

وهذا الاختلاف في النظر يؤثر في حياتهم بأجمعها،فالذي يعيش حياة سطحية وظاهرية يعتبر "الإنفاق" سبباً للخسران والضرر، في حين أن هذا الموحديعدّها تجارة رابحة لن تبور.

وذلك المادي يعتبر "أكل الربا" سبباً للزيادة ووفرةالمال، وأمّا الموحد فيعده وبالا وشقاءً وضرراً.

وذلك المادي يعتبر "الجهاد" ضنىً وشقاءً ويعتبرالشهادة فناءً وانعداماً، وأمّا الموحد فيعد الجهادرمزاً للرفعة، والشهادة حياة خالدة!

أجل، إن غير المؤمنين لا يعرفون إلاّ الظواهر منالدنيا، وهم في غفلة عن الحياة الأُخرى، أماالمؤمنون يتخذون من الدنيا جسرا وممرا لحياة أبقىوأهنى من الأولى.

إن البركة أثر وضعي للإنفاق في سبيل الله، وإنالهلكة أثر وضعي للإنفاق في سبيل الرياء والتغطيةعلى المحرمات، فالفقير قد يتحول إلى غني بالإنفاقفي سبيل الله، وذلك من أسرار الله تعالى، فمن يمتلكأموالاً قليلة ثم ينفق جزءً منها في سبيل الله، فإن اللهتعالى يبارك سعيه ويحوّله إلى ثري ببركة الإنفاق فيسبيله تعالى، أما أخذ الأموال بطرق غير مشروعة ثمإنفاقها ظاهرا في سبيل الله فلن يؤدي إلى بركة فيالمال، بل الى المحق والزوال والهلكة.

وقوله صلى الله عليه وآله: ولا يتركه خلف ظهره إلاّكان زاده إلى النار، إن الأموال إذا أخذت اختلاساًبالدهاء وحلاوة اللسان ومهارة التعامل، فإن العاقبةعدم الاستفادة منها للورثة، بل يدخلون نزاعاً يؤديبهم إلى متاهات لا حدود لها، وقد بيّن الله سبحانهوتعالى في كتابه أن من أكل مالاً حراماً فإنه سوفيعذب بطنه يوم القيامة، فقال: (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَأَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًاوَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا) النساء: 10. 

يقول الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في تفسيرالأمثل: يستفاد من هذه الآية أن لأعمالنا مضافا إلىوجهها الظاهري وجها واقعيا أيضا، وجها مستوراعنا في هذه الدنيا، لا نراه بعيوننا هنا، ولكنه يظهرفي العالم الآخر، وهذا الأمر هو ما يشكل مسألةتجسم الأعمال المطروحة في المعتقدات الإسلامية.

إن القرآن يصرح في هذه الآية بأن الذين يأكلونأموال اليتامى ظلما وجورا، وإن كان الوجه الظاهريلفعلهم هذا هو الأكل من الأطعمة اللذيذة الملونة،ولكن الوجه الواقعي لهذه الأغذية هو النار المحرقةالملتهبة، وهذا الوجه هو الذي يظهر ويتجلى علىحقيقته في عالم الآخرة.

إن بين الوجه الواقعي للعمل والكيفية الظاهرية للعملتناسبا وتشابها دائما، فكما أن أكل مال اليتيموغصب حقوقه يحرق فؤاد اليتيم، ويؤذي روحه، فكذايكون الوجه الواقعي للعمل نارا محرقة.

إن الانتباه إلى هذا الأمر (أي الوجه الحقيقيالواقعي لكل عمل) خير رادع للذين يؤمنون بهذهالحقائق، كيما لا يرتكبوا المعاصي ولا يقترفواالذنوب، فهل يوجد ثمة من يحب أن يأخذ بيديهقبسات من النار، ويضعها في فمه ويبتلعها؟

إنه من غير الممكن - والحال هذه - أن يقدم المؤمنون على أكل مال اليتيم ظلما، ولو أننا وجدنا ثمة من لايقدم على هذا الفعل، بل ولا يفكر في المعصية أبدا(كالأولياء)، فلأنهم يرون - بفضل ما لديهم منالإيمان والعلم، وما حصلوا عليه من تربية خلقية - حقائق الأفعال البشرية ووجوهها الواقعية، فلايفكرون في اقتراف هذه الأعمال السيئة، فضلا عنالهم باقترافها. الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - الشيخ ناصر مكارم الشيرازي - ج ٣ - ص ١٢٤.

بشرى لمن حفظ فمه عن أكل الحرام فإن النبي صلىالله عليه وسلم قد ضمن له الجنة، فقال: (من ضمنلي ما بين لحييه وما بين رجليه ضمنت له الجنة) معاني الأخبار للصدوق: ٤١١ / ٩٩. أي: فلا يأكلإلا حلالاً، ولا يشرب إلا حلالاً، ولا ينكح الا حلالا،وكلما تورع المرء عن الحرام فهذا دليل على صدقاللجوء إلى الله، وصحة الاستقامة، وعنوان الإيمانوالتقوى.


التعليقات