الخميس 20 جمادى الأول 1446هـ 21 نوفمبر 2024
موقع كلمة الإخباري
كاساس والسيد السيستانيُّ!
السيد أبو محمد
كاساس والسيد السيستانيُّ!
2024 / 01 / 21
0

في كُلِّ موقفٍ في الحياة يمكن أن نستخلص درساً مستفاداً، وعِبرةً مُكتسبَة، ومنها ما جرى في مباراة العراق واليابان قبل يومين، والحِكمة المُغتنَمة من تلك المباراة :احترم التَّخصص، ولا تدُسّ أنفك فيما لا تفقه فيه.

الجمهور الرياضيُّ – كما يقولون – يتنفَّس كرة القدم، ولا يقتصرُ الأمرُ على متابعة المباريات للمنتخب الوطنيّ فقط، بل يتعدَّاه إلى إبداءِ الرأي في تشكيلة الفريق، وخطَّة اللَّعب، ومستويات اللاعبين، والحق - هم من هذه الجهة – كلُّهم مدرّبون.

الفريق اليابانيُّ فريقٌ آسيويٌّ من الناحية الجغرافيَّة، ولكنَّه من النَّاحية المهارية والقوة أوربيُّون بل أفضل ،ألم يفوزوا على ألمانيا في عقر دارها برباعيَّة، وعلى اسبانيا على ملاعبها بهدفين، وسحقوا تركيا والسلفادور وكندا؟

إذن كيف يلعب معهم العراق؟ تخيَّل ألمانيا ، بل من هو أقوى منها يُشارك في بطولة كأس آسيا أليس سيبتلع الفرق كلَّها ويُزق شباكها بكراتٍ لا حصرَ لها؟

والسؤال مُجدَّداً: كيف سيلعب العراق؟

كلُّ المحللين المتخصصين العراقيين والعرب – وأنا هنا أتكلَّم عن أهل الخبرة في هذا الميدان – قالوا يجب أن يلعب العراق بتكتُّلٍ دفاعيٍّ ويجب أن لا يُجاري الفريق اليابانيَّ في السُرُعات والجريّ لأنَّه أقوى من الفريق العراقيّ الذي إذا خرجَ بنقطة التعادل فهو مكسب، ويكون أشبه بالمعجزة وأمثل بالكرامة.

وحين أعلن المدربُ الأسبانيُّ خوسيوس كاساس عن التشكيلة العراقيَّة غضب الجمهور واستهزأ المدربون المحليُّون والعرب: كيف يلعب بالمهاجم أيمن حسين وهو ثقيلٌ في الحركة؟

وكيف لم يُنزل المهاجم علي الحمادي الذي يلعب في الدوريّ الإنكليزيّ؟ سيخسر الفريق خسارةً تاريخيَّةً مُذلَّة!

وبدأت المباراة الفريق العراقي في الدقيقة الثالثة يضغط ويُسجّلُ هدفاً من كرةٍ رأسيَّةٍ عن طريق المهاجم أيمن حسين، وقبل نهاية الشوط الأول ، وبالذات في الوقت الإضافيِّ يُسجّل اللاعب نفسُهُ الهدف الثاني، ويخرج العراق قالباً كلَّ التوقعات، ومتقدِّماً بهدفين.

بعد المباراة اعترف كثيرٌ من المحللين العراقيين المُتخصصين أن كاساس كان مُحِقَّاً في خطَّته، وأنَّهم مخطئون. فاجأ الفريق الياباني بالضغط العالي، دفاعُهم قصير القامة ؛ لذلك كان لا بُدَّ من إدخال مهاجمٍ طويل القامَّة ليلعب الكرات الرأسيَّة ويسجلُ هدفاً وكان للمدرب ما أراد.

وأما عن ثقل حركة اللعب فتلك ميزة في هذه المباراة بالذات؛ لأن الفريق الياباني أسرع من الفريق العراقيّ، وحين يضغط في ملعبنا وتكون هناك كرةٌ مرتدة للفريق العراقيّ ووصلت مثلاً إلى اللاعب علي الحماديّ الذي يلعب في الدوري الإنكليزيّ فإنه سيجري بها سريعاً – وهذه طبيعة لَعِبِهِ – وبالتَّالي سوف يكون وحيداً بين كماشة الدّفاع اليابانيّ، بينما أيمن حسين لاعب بطيء فحين يستلم الكرة يحتفظ بها – وهذه طبيعة لعبِهِ – وريثما يحتفظ بها يمنح الفرصة للفريق العراقيِّ البطيء الحركة في الصعود إلى منطقة الجزاء اليابانيَّة فيكون محطَّةً لاستلام الكرة منه من ثَمَّ الضغط على ملعب الخصم، ولم يُرك المحللون والجمهور الرياضيِّ الحكمة من ذلك إلَّا بعد انتهاء المباراة.

وقد تسأل: ما فوائد هذا الفوز؟

والجواب:  لقد تصدَّر العراق مجموعته؛ وبذلك يتجنَّب ملاقاة الفرق القوية كاليابان وكوريا وإيران.

نرجعُ إلى الزبدة المُستخلصة، والعبرة المُستفادة مرَّةً أخرى:

المرجعيَّة العليا المُتمثّلة بالسيد السيستانيّ – دام ظلُّه – هي المسؤولة عن اتّخاذ الموقف الشرعيّ لمُقلّديه، قد لا نرضى بهذه الفتوى، ولا نقبل بذلك الموقف، ولكن لن نعرف وجه الحكمة من ذلك إلَّا يوم القيامة بعد انتهاء هذه الدُّنيا كما لم يعرف الجمهور الرياضيّ وجه الحكمة من إشراك لاعبٍ بطيء الحركة أمام فريقٍ سريعٍ إلَّا بعد انتهاء مباراة اليابان.

وكما أنَّ هناك مدربين رياضيين يدَّعون الاختصاص في مجال كرة القدم لم يُوفَّقوا في وضع خطة اللعب، كذلك هناك متمرجعون ليسوا بمراجع لا يفقهون ضوابط الاستنباط.

وكما جنَّبت تعاليم المدرب الفريق العراقيَّ ملاقاة الفرق القوية كاليابان وإيران وكوريا في قابل البطولة، كذلك الالتزام بتعاليم المرجعية يُجنّبك صعوبة الصراط والميزان والمساءلة يوم القيامة.

ذلك هو الفرق بين المدرب الأعلم والمُمرّن المحليّ، والمرجع الأعلم والمتمرجع السارق.

التعليقات