حافظ الدولار على قوته في عام
2023 حتى الآن وسط الاضطرابات المستمرة في القطاع المصرفي الإقليمي
في أميركا والأزمة السياسية حول سقف الديون الأميركية، وأحد الأسباب
هو قوة المستهلك الأميركي، مدعوماً بالمدخرات المتبقية وسوق العمل
الذي لا يزال ضيقاً.
ومع استمرار التضخم فوق الهدف وعدم وجود دليل على تباطؤ كبير في النشاط يبدو بنك الاحتياطي الفيدرالي الآن مصمماً على الثبات على أسعار الفائدة حتى يتمكن من الادعاء بأنه انتصر في المعركة ضد التضخم، مما يحافظ على دعم الدولار، لكن على رغم ذلك يتوقع بنك "لومبارد أودييه" السويسري ضعف الدولار قبل نهاية عام 2023 أمام العملات الرئيسة، بما في ذلك اليورو والين الياباني والفرنك السويسري.
الدولار القوي
تاريخياً ظل الدولار قوياً عندما قدم عوائد عالية وكانت توقعات التجارة العالمية ضعيفة، وعلى النقيض من ذلك كانت المتطلبات الأساسية لضعف الدولار عادة هي معدلات فائدة أقل بكثير في الولايات المتحدة وخلفية صحية للنمو العالمي.
وعلى المدى الطويل لا تزال الأسئلة تثار حول هيمنة الدولار كعملة احتياطية عالمية، ومنذ الغزو الروسي لأوكرانيا في فبراير 2022، احتدم الجدل حول اعتماد العالم على الدولار، وحصته المتناقصة في الاحتياطات العالمية.
بالنظر إلى الطبيعة متعددة الأقطاب المتزايدة للجغرافيا السياسية، يبدو أن بعض التنويع لا مفر منه، إذ تخشى البلدان أمن أصولها الاحتياطية، وتتطلع إلى ما يسمى دول "عدم الانحياز" ورفض دعم العقوبات التي تقودها الولايات المتحدة وحماية نفسها من أي مخاطر من تداعيات لمواصلة التجارة مع روسيا.
تشير مذكرة بنك "لومبارد أودييه" السويسري إلى محاولات الصين زيادة استخدامها لليوان لتسوية المعاملات التجارية الدولية، وتلفت إلى أن حصة الدولار من الاحتياطات العالمية حالياً عند أدنى مستوياتها منذ 1994، لكن على رغم ذلك تحتفظ العملة الأميركية بحصة تزيد على 40 في المئة، وهيمنة لا جدال فيها على أنها العملة الاحتياطية في العالم، وفقاً لأحدث البيانات الصادرة عن صندوق النقد الدولي.
لا عملات منافسة
بصرف النظر عن اليورو والجنيه الاسترليني (قبل السبعينيات) لم تقترب أية عملة من المنافسة، وتحتفظ البنوك المركزية في العالم بأكبر كميات من الأصول الاحتياطية من العملات الأجنبية.
يشير كبير الاقتصاديين في البنك سامي الشعار وزميله محلل العملات كيران كوشيك إلى أن وجود قليل جداً من العملات الأجنبية المتاحة في جميع أنحاء العالم لتنويع المحافظ بشكل كبير، وأن بدائل الدولار الأميركي (وسندات الخزانة الأميركية) ستكون إما أقل أماناً مؤسسياً أو أقل سيولة أو تقدم عائداً أقل أو مزيجاً من الثلاثة، فلا يمكن للصين أن تجادل في أن اليوان يقدم بديلاً حتى تخفف بكين القيود على رأس المال.
لتأهل عملة لتصبح احتياطية مهيمنة يحتاج البلد إلى أن يكون مصدراً للطلب العالمي، وبالتالي تصدير رأس المال كما يقولان.
إنفاق أميركي شره
في العقود الأخيرة اتسع العجز التجاري للولايات المتحدة مع تزايد الاعتماد العالمي على المستهلك الأميركي، من الناحية العملية هذا يعني أن عديداً من مصدري العالم يواصلون الاعتماد على الإنفاق الأميركي، الذي لا يوجد بلد على استعداد لاستبداله في الوقت الحالي.
على الجانب الآخر بالنسبة إلى عديد من البلدان مثل اليابان وألمانيا، فإن الاستمرار في تشغيل الفائض التجاري هو مصدر فخر وطني، بينما بالنسبة إلى دول أخرى - مثل الصين - فإن عجزاً تجارياً قد يكون مشكلة نظراً إلى هشاشة الاقتصاد الكلي الحالية وهرب رأس المال.
قوة قصيرة الأجل
مع ذلك يعتقد سامي الشعار وكيران كوشيك أن القوة الأخيرة للدولار قد تكون قصيرة الأجل، فمع انخفاض أسعار الغاز الطبيعي، تضاءلت الميزة التجارية السابقة للولايات المتحدة على مستوردي الطاقة مثل اليابان ومنطقة اليورو، مما أدى إلى دعم اليورو والين الياباني، وكلاهما تحمل وطأة صدمة الطاقة في عام 2022.
ومع توقعات قيام تقوم البنوك المركزية في منطقة اليورو وسويسرا بتشديد السياسة النقدية بشكل أكبر يرى محللا "لومبارد أودييه" أن مزايا الدولار ستتراجع، كما أن شروط الائتمان الأكثر تشدداً في جميع أنحاء العالم ومخاوف المستثمرين في شأن توقيت الركود الاقتصادي في الولايات المتحدة ستفيد عملات الملاذ الآمن الأخرى في الأشهر المقبلة، كما يمكن لاتفاق سقف الديون بين الحزبين الأميركيين أن يحد من بعض الإنفاق الفيدرالي حتى عام 2024، مما يقلل الطلب متوسط الأجل على الدولار.
بالنسبة إلى بقية عام 2023 يلفت المحللان إلى ضعف متوقع في الدولار الأميركي في مقابل اليورو والين الياباني والفرنك السويسري، بينما يرتفع في مقابل الجنيه الاسترليني والدولار الكندي واليوان الصيني "نتوقع تداول اليورو في مقابل الدولار في نطاق 1.06 إلى 1.10 في الأشهر المقبلة، وأن يصل إلى مستوى 1.12 دولار لليورو الواحد بعد عام".