الجمعة 31 رَجب 1446 15هـ 31 يناير 2025
موقع كلمة الإخباري
من ينزل نتنياهو إسرائيل عن الشجرة؟!
محمد حميد الصواف
كاتب وصحافي عراقي
2024 / 10 / 06
0

بلا أدنى شك لاحظ كثير من المتابعين للشأن السياسي الارتباك الواضح لرئيس الوزراء الاسرائيلي نتنياهو وهو يلقي كلمته تعليقا على القصف الإيراني الأخير لعمليات الوعد الصادق، ذلك الارباك الذي أطاح بالنشوة الكبرى والانتعاش الذي بدى على وجه نفس الشخص قبل أيام لدى اعلان فرحته التي لم يسعها عقب عملية اغتيال أمين عام حزب الله حسن نصر الله.

فشتان ما بين تلك الصورة وهذه، فالوجه المتورد والابتسامة العريضة تحولتا الى وجه متجهم تعلوه مشاعر الإحباط، زادتهما ارتجاف اليدين التين كانتا تحملان ورقة دون فيها كلمته التي كانت أشبه بخطاب المنهزم المربك.

فظهر نيتنياهو كالراعي الذي وضع جرة السمن قرب رأسه وغفى، قبل ان يسرح باحلامه بعيدا، متأملا كيف يبيع تلك الجرة ويشتري بها نعجة، فتتكاثر فيصبح لديه قطيع، فيهشه بعصا يمينا ويسارا بزهو وسرور، واذا بعصاه تطيح تلك الجرة ليتبدد السمن من داخلها وتتبدد معه أحلامه.

فالرجل قبل بضع ايام كان منتشيا بلذة النصر الموهوم، بعد سلسلة من الانجازات المهمة على صعيد معركته المصيرية، رافعا بذلك سقف آماله لحدود اوهامه التي كما يبدو ستطيح به عاجلا ليس آجلا، فالرجل الموهوم أخذ يقسم المقسم ويجزئ المجزأ، ويؤسس أنظمة ودولا ويطيح أخرى، راسما في مخيلته الواسعة شرقا اوسطا جديد وفق ما يشتهي ويرغب، غير غافلا في تلك الهنيهة أن ينصب نفسه امبراطورا للشرق داعيا رعيته إلى الانتفاض والمساهمة في إرساء حكمه الموعود.

فالرجل ذهب بعيدا في هروبه الى الأمام، بعد أن ضاقت به الافاق واردك ان مصيره لن يختلف كثير عن مصير سلفه "اولمرت" حال أن تضع الحرب أوزارها، وأن قضبان السجن سترحب به لا محالة مدانا ومقصيا عن أي دور سياسي فيما تبقى من عمره.

وادرك ايضا ان ذلك العناد والعنجهية وسقف المطالب والآمال التي وضعها لم يحققها بالرغم من شراسه جرائمه المدعومة من الغرب بشكل مطلق، فلا قتل المدنيين واستباحة غزة فكك حماس واستعاد الاسرى، ولا اغتيالات قادة حزب الله ومسح الضاحية وقرى الجنوب اعاد المستوطنين الى الشمال، بل جاءت الصواريخ الايرانية التي فتكت بقواعده العسكرية ومقاره الامنية كصفعة مدوية في وجه غافل غير مرتقب.

فحماس بعد سنة كاملة من القصف تعيد تنظيم صفوفها وتصعد ميدانيا محققة ضربات مؤثرة في خاصرة جيشه المنهك، بل انها باتت تنفذ عملياتها الحديثة بواسطة مقاتلين انضموا الى صفوفها بعد السابع من أكتوبر، فيما كان بقصفها عسقلان برشقة صاروخية بعد عام من الحرب كصدمة كبرى لدى جميع الإسرائيليين وليس نتنياهو فقط.

وفي الشمال يتكبد الجيش الصهيوني يوميا خسائر لا متتالية، على الرغم من اتباع سياسة الأرض المحروقة، فعلى مدى عام دكت الطائرات والبوارج والمدفعية الاسرائيلية قرى الجنوب بشتى أنواع الصواريخ، ليخرج رئيس أركان ذلك الجيش معلنا القضاء بشكل تام على معظم قدرات حزب الله الصاروخية، الى جانب تصفية قدراته العملياتية وقياداته الميدانية.

اذ صعد الحزب بشكل غير مسبوق عمليات قصفه لمدن الشمال الفلسطيني المحتل بشكل اكثر ايلاما، وما أوغل بجروح الجيش الاسرائيلي سقوط العشرات من افراده بين قتيل وجريح اثر مساعي اجتياحه الحدود اللبنانية، عائدا في كل محاولة بخيبة أمل يلعق جراحه، ليدحض ذلك تصريحات الصهاينة وردها على أعقابها بشكل مخزي.

كذلك لم يغفل الحزب في معركته الجارية ان يدخل تاريخ الصراع مع الكيان الغاصب عبر قصفه لتل أبيب، في سابقة يضمها الى سجل إنجازاته مؤخرا.

المضحك المبكي في مجمل ما يجري ان نتنياهو تسلق شجرة طموحاته بسبب تمادي وتواطؤ الغرب معه في ما يرتكب من جرائم بحق الشعبين الفلسطيني واللبناني، وبات غير قادر على النزول خصوصا بعد ان صعد بسقف شروط وقف الحرب الى مديات لا يستطيع ان يصلها بأي شكل من الأشكال مهما طالت أمد المعارك وعمليات القصف والاغتيال التي ينفذها جيشه المتضعضع.

ومن وراء كل ما يجري تدرك الولايات المتحدة فشل نتنياهو وعدم قدرته على المواصلة، وأن جميع اهدافه المعلنة وغير المعلنة من حربه على غزة ولبنان ومحور المقاومة لن ولم تتحقق، خصوصا ان المحور كما يتبين اعد بشكل يعتد به فصول منازلته مع الكيان وحلفائه، وأن الضربات الموجعة التي تعرض لها على يد اسرائيل غير قادرة لدفعه الى الاستسلام أو التقهقر.

والتساؤل الذي يطرح نفسه بشكل مسؤول، من ينزل نتنياهو من فوق الشجرة، ويئد الحرب الشاملة؟ اعتقد ان الاجابة برسم من صفق له وغرر به.

اخيرا… للتذكير والاعتبار، كانت الأهداف المعلنة وغير المعلنة التي عجز نتنياهو عن تحقيقها بعد سنة من حرب غير متكافئة بين الجيش الصهيوني وفصائل المقاومة الاسلامية، اولا تفكيك حركة حماس وتهجير سكان غزة الى مصر، ثانيا اجتياح الضفة الغربية وتهجير سكانها إلى الأردن، ثالثا تفكيك حزب الله واعادة احتلال جنوب لبنان وتحديدا المنطقة الممتدة أسفل نهر الليطاني، ورابعا احتلال المنطقة الممتدة من الجولان المحتل وحتى الحدود العراقية.

أما البيانات الرسمية الصادرة عن مراكز الدراسات البحثية اظهرت ان ٨٦% من سكان مستوطنات غلاف قطاع غزة اعلنوا عدم عودتهم الى مساكنهم حتى بعد توقف الحرب.

وإن ٦١% من مجمل سكان الكيان باتوا لا يشعرون بالأمان للبقاء داخل اسرائيل، وان ٣٥% من الصهاينة اهتزت ثقتهم بالجيش، فيما يرى ٣٥% من مستوطني الكيان أن الجيش خسر الحرب.


التعليقات