عقد وزير الخارجية الأميركية
محادثات صعبة مع السعوديين، إذ إنه قبل نزول سلم طائرته، كانت
الرياض قد أصدرت بيانها الأشد لهجة نحو التطورات التي تشهدها غزة
ومخاوف التهجير القسري، وأكدت "رفضها القاطع دعوات التهجير القسري
للشعب الفلسطيني من غزة، وإدانتها استمرار استهداف المدنيين"،
مطالبة بسرعة التحرك لوقف "جميع أشكال التصعيد العسكري ضد المدنيين،
ومنع حدوث كارثة إنسانية، وتوفير الحاجات الإغاثية والدوائية
اللازمة لسكان غزة".
ونقلت وسائل الإعلام السعودية عن أولى تصريحات بلينكن بقوله "إن الهجوم الذي تعرضت له إسرائيل لا يمكن وصفه"، إلا أنه أكد أن "حماس" التي هاجمت لا تمثل الشعب الفلسطيني وآماله.
وشارك السعودية التي يزورها الاعتقاد أنه "يجب العمل على حماية المدنيين وإقامة مناطق آمنة وإيصال المساعدات إلى غزة"، مشيراً إلى أن واشنطن "تعمل مع السعودية لضمان حماية المدنيين في القطاع".
هل تتوقف المحادثات؟
لم تتوقف ضغوط الرياض على زائرها الأميركي عند هذا الحد في تقدير المحللين، إذ نقلت وسائل إعلام دولية تسريبات بأن السعودية علقت محادثاتها مع الجانب الأميركي في إطار الصفقة التي كانت خلال الأشهر الماضية شغل البيت الأبيض الشاغل، لكن على رغم ذلك فإن بلينكن قال عن محادثاته في السعودية إنها تستهدف أيضاً "العمل مع السعودية في كثير من القضايا، ومنها إحلال السلام في المنطقة".
وطبقاً لمعلومات نقلتها من "رويترز" ووكالة الصحافة الفرنسية عن مصادر سعودية، فإن "السعودية قررت تعليق المحادثات حول التطبيع المحتمل (مع إسرائيل)، وأبلغت ذلك للمسؤولين الأميركيين" الذين يقومون برعاية المحادثات، قبل وقت قصير من لقاء وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن نظيره السعودي في الرياض، أثناء زيارة تأتي ضمن جولة إقليمية تشمل ست دول عربية.
وقال المحلل السعودي هشام الغنام إن "التطبيع بين السعودية وإسرائيل هو مبادرة ومشروع أميركي رحبت به السعودية في حال تمكنت الولايات المتحدة من التوصل إلى اتفاق يعالج الصراع بين الإسرائيليين والفلسطينيين - اتفاق سيقبله الفلسطينيون". وتابع "في الواقع، لم تكن إسرائيل مستعدة حقاً للتوصل إلى اتفاق مع الفلسطينيين يمنحهم الحد الأدنى من حاجاتهم".
ما يحدث في غزة لا يحتمل
وقال مدير قسم الشرق الأوسط في مجموعة الأزمات الدولية جوست هيلترمان إنه "من المستحيل أن تتمكن أية دولة عربية من التعامل بجدية مع إسرائيل في شأن تطبيع العلاقات عندما يرى شعبها ما يحدث في غزة".
ومنذ أن شنت "حماس" هجومها، السبت الماضي، نددت السعودية في بيانات عدة بالسياسة الإسرائيلية التي أدت إلى اندلاع المواجهة، كما أعربت عن قلقها حيال وضع المدنيين مع شن الدولة العبرية آلاف الغارات الجوية وتوجيه إنذار إلى السكان يدعوهم إلى مغادرة شمال غزة، مما دفع بآلاف منهم للنزوح في اتجاه الجنوب في غياب ممر آمن.
بالمثل، شجب وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان سقوط ضحايا من المدنيين بعد اجتماعه مع بلينكن اليوم السبت، وقال "إنه وضع مثير للقلق. إنه وضع صعب للغاية. وكما تعلمون، فإن المتضرر الرئيس من هذا الوضع هم المدنيون والسكان المدنيون على كلا الجانبين يتضررون".
وقف الأعمال القتالية أولاً
وتابع وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان أن "الأولوية الآن يجب أن تكون وقف مزيد من معاناة المدنيين، وهنا نحتاج إلى إيجاد طريقة لتهدئة الوضع بسرعة لإعادة السلام بسرعة - في الأقل وقف الأعمال القتالية - ثم العمل على معالجة التحديات الإنسانية أيضاً".
من جهته سلط بلينكن الضوء على الجهود المبذولة لإنشاء "مناطق آمنة" في غزة، إضافة إلى "ممر حتى تتمكن المساعدات الإنسانية من الوصول إلى الأشخاص الذين يحتاجون إليها". وصرح بأنه "لا أحد يريد أن يرى معاناة المدنيين من أي جانب، سواء كان ذلك في إسرائيل، أو في غزة، أو في أي مكان آخر، ونحن نعمل معاً لبذل قصارى جهدنا لحمايتهم".
وعملت الدبلوماسية السعودية على "وقف التصعيد الجاري" من خلال اتصالات أجراها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان ووزير الخارجية السعودي مع قادة المنطقة والعالم.
وأكد ولي العهد السعودي، الثلاثاء، للرئيس الفلسطيني محمود عباس أن "السعودية مستمرة في وقوفها إلى جانب الشعب الفلسطيني"، موضحاً أنه يعمل على منع "اتساع" نطاق النزاع.
وبحث ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، أول من أمس الخميس، "التصعيد العسكري الجاري حالياً في غزة ومحيطها" مع الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي في أول اتصال بينهما منذ استئناف العلاقات الدبلوماسية بين البلدين برعاية الصين في مارس (آذار) الماضي.
من جهتها، أعلنت منظمة التعاون الإسلامي، التي تضم 57 دولة، ومقرها جدة، عقد اجتماع استثنائي للجنتها التنفيذية الأربعاء المقبل بدعوة من السعودية. وقالت إن الاجتماع "يأتي لتدارس التصعيد العسكري في غزة ومحيطها وتفاقم الأوضاع بما يهدد المدنيين وأمن واستقرار المنطقة".
وكثفت القيادة السعودية اتصالاتها منذ اندلاع الأزمة على مستويات عليا، وتفاعلت مع الأزمة الدائرة، وأجرت قبيل وصول المسؤول الأميركي اتصالات بوزير خارجية السويد توبياس بيلستروم، ووزيرة خارجية النرويج أنيكين هويتفيلدت، ووزير خارجية الهند سوبراهمانيام جايشانكر، ووزير خارجية البرازيل ماورو فييرا، في إطار خط ساخن لم يهدأ منذ اندلاع المواجهات السبت الماضي السابع من أكتوبر (تشرين الأول)، يدفع باتجاه خفض التصعيد وحدة التوتر، والدفاع عن حق الفلسطينيين في دولة مستقلة والعيش بسلام مع محيطهم الإسرائيلي.
وجرى خلال الاتصالات، "مناقشة استمرار تصعيد العمليات العسكرية في غزة ومحيطها، وتضرر المدنيين العزل من تطورات الأوضاع الخطرة، وأهمية أن يضطلع المجتمع الدولي بدوره لوقف العمليات العسكرية ومنع التهجير القسري لسكان غزة".
وأكد الأمير فيصل بن فرحان ضرورة التزام إسرائيل بالقانون الإنساني الدولي بما فيه السماح بوصول المواد الغذائية والإغاثية إلى غزة، ورفع الحصار عنها.
نهج العقاب الجماعي
جاءت جولة بلينكن في الخليج بعد محادثات في إسرائيل ومع الأردن والسلطة الفلسطينية في سياق محاولة إظهار الدعم لإسرائيل أمام حلفاء واشنطن الإقليميين، إلا أنه لم يجد مناصاً من الحديث عن حق سكان غزة المدنيين في الحماية، من دون تحميلهم ذنب "حماس"، التي أخذ الجانب الغربي على بعض دول المنطقة تجنب إدانة عملياتها الأخيرة بشكل صريح.
في غضون ذلك دعا مجلس التعاون الخليجي، اليوم السبت، إلى "وجوب تدخل المجتمع الدولي بصفة الاستعجال لوقف إطلاق النار ووضع حد لجميع أشكال التصعيد العسكري ضد المدنيين وتجنب حدوث كارثة إنسانية في الأراضي الفلسطينية"، وذلك تزامناً مع محادثات بلينكن في الرياض، حيث المقر المجلس.
وأكد أمين المجلس جاسم البديوي أهمية تضافر الجهود الدولية لإيقاف ما سماه "نهج العقاب الجماعي الذي تنتهجه قوات الاحتلال الإسرائيلي، بحرمان سكان غزة من المتطلبات المعيشية الأساسية"، وهو ما قال إنه يعد خرقاً للقانون الدولي والإنساني، ويدفع بالأوضاع في منطقة الشرق الأوسط إلى مزيد من "التأزيم"، بما يعرقل جهود عملية السلام لحل القضية الفلسطينية، بحسب قوله.