الجمعة 29 ربيع الآخر 1446هـ 1 نوفمبر 2024
موقع كلمة الإخباري
حكمة العفاف والنزاهة العاقلة
شراهة الطعام والطلب الكثيف.. كيف نواجه ثقافة الاستهلاك؟!
الشيخ مرتضى معاش
2023 / 10 / 03
0

تطرقنا في مقالنا السابق إلى الثلاثية التي تحقق مفهوم الزهد عند الإمام علي (عليه السلام)، وهذه الثلاثية هي: القناعة، والكفاف، والعفاف.

القناعة تكون في الجانب الفكري، والكفاءة في الجانب العملي التطبيقي والممارسة العملية، والعفاف يمثل النتيجة للجانبين الآخرين، حيث تؤدي إلى تحصين الإنسان، وبناء ملَكَة نفسية ثابتة تؤدي إلى عفّة الإنسان وعدم وقوعه في فخ الشهوات.

تناولنا الجانب الأول والثاني بالتفصيل، ووصلنا إلى الجانب الثالث وهو العفاف، فعن الإمام علي (عليه السلام): (الرضا بالكفاف يؤدي إلى العفاف)(1)، فطريقة الإنسان في إدارة حياته بعيدا عن الحرام والطمع والحرص والشراهة والإسراف في الطلب والكسب سيؤدي إلى عفة ونزاهة النفس وتحصّنها من الانزلاق في مستنقع الفساد والرذيلة والدناءة.

إن العفاف (2) وهي الصفة المتحصلة في نفس الإنسان لصيانة النفس وعدم وقوعها في عالم الدناءة والانحراف والرذيلة، فالعفة عند تحصلها هي حالة ثابتة في النفس أي ملَكة (3) إنسانية كملكة الشجاعة، فالشجاعة تكون ثابتة عند الإنسان الشجاع في كل الأحوال ولا تتغير كونها اصبحت ملَكة نفسية.

الكريم يبقى كريما في حياته دائما، لأن الكرم فيه صفة نفسية ثابتة، حصل عليها نتيجة للممارسة المتكررة والمستمرة حتى وصل إلى هذه المرتبة من الكرم، كذلك العفة فهي حالة نفسية وملكة ثابتة في نفس الإنسان، يحصل عليها بسبب الممارسة المستمرة.

حينئذ يصل الإنسان إلى القدرة على غلبة الشهوة، والسيطرة على شهواته سواء كانت الشهوة الجنسية أو شهوة الطعام أو شهوة امتلاك الأشياء، وشهوة الحصول على الأموال، وشهوة السلطة، فيكون الإنسان عفيفا مجملا مكتفيا، محصنا ذاتيا من الوقوع والانزلاق في عالم الشهوات.

مواجهة الاستهلاك بعفّة النفس

ان مواجهة عالم الاستهلاك المفرط وعالم الماديات المتضخمة والشراهة المتوحشة، تبدأ من بناء عفة النفس التي تحقق حياة الزهد عند الإنسان والمجتمعات.

عن الإمام علي (عليه السلام): (ضادّوا الشره بالعفّة)(4) فإذا لاحظت نفسك أنك شرِهًا، سواء في تناول الطعام أو في أي شيء ثانٍ، ضادَّها في كَفِّ النفس بالتعفف والممارسة العملية المستمرة في الكفاف.

نلاحظ أن الإنسان عندما يحصّل هذه العفة، فإنه ينمو ويتطور لأنه يمتلك السيطرة على نفسه، ويديرها بشكل صحيح، لأن القضية تتعلق بإدارة النفس، والتحكم بالذات وردعها عن الجري وراء الشهوات، فأغلب الناس يسقطون في معترك الامتحانات والفتن، نتيجة لسيطرة الشهوات عليهم، وهيمنة أفكار الشهوات عليهم أو الإدمان على ممارستها، فحين تأتيه الشهوة ينقاد وراءها ذليلا.

هنا لابد للإنسان أن يكون عفيف النفس، ويبني العفة في نفسه تدريجيا حتى يصل إلى تلك الحصانة الكبيرة والمطلوبة في نفسه.

عن الإمام علي (عليه السلام) (الكف عما في أيدي الناس عفة وكبر همة) (5) فالهمّة الكبيرة والتحلي بعزة النفس تمنحه عفة النفس، فيكون الإنسان هميما في بناء ذاته وتحصينها أمام المغريات، كذلك فإن عفّة النفس تؤدي إلى همّة الإنسان، وجديته في الحياة، فتكون لديه مسؤوليات كبيرة، ويكون قائدا عظيما في الحياة، ويصبح أسوة كبيرة للناس، ويكون مؤثّرا على الآخرين في سلوكياته، لأن العفة تحصّن نفسه من التفكير المادي، أو من التفكير في الشهوات، أو من الأفكار السيئة التي تجعل منه بعيدا عن ممارسة المسؤوليات الجيدة والكبيرة التي يحتاجها كإنسان كائن عاقل حر متعقّل لابد أن يكون مؤثرا في الآخرين.

فيلتزم بمسؤولياته ويقوم بوظائفه الشرعية ومسؤولياته الأخلاقية ويحقق التغيير والإصلاح في حياته، فإن الذين يريدون الإصلاح في مجتمعاتهم، فيبحثون عن الإصلاح السياسي أو الاجتماعي، لابد أولا أن يبدأوا بأنفسهم، ويجب أن تكون لديهم همّة كبيرة نحو إصلاح أنفسهم أولا عبر بناء فضيلة العفة في أنفسهم.

العفّة ومشروع الإصلاح الاجتماعي

لو أننا نلاحظ وننظر إلى الناس الذين كانوا يدّعون الإصلاح ويرفعون رايته ويسعون نحو التغيير في مجتمعاتهم، فهؤلاء عندما حدث تغيير في المجتمع ووصلوا إلى السلطة، تغيّرت نفوسهم، وأصبحوا عبيدا لشهواتهم، اذ لم يكن عندهم عفة نفس تعطيهم الحصانة، فالإنسان الذي لديه مشروع كبير في حياته، لابد أن تكون عنده عفة نفس في داخله وذاته، وأن لا ينهار أمام المغريات، ولا منهزما في ذاته أمام الشهوات، ومتأثرا بوساوس الآخرين، بل عليه أن يكون قويا ومحصّنا بعفة نفسه وذاته.

وعن الإمام علي (عليه السلام): (العفاف يصون النفس وينزهها عن الدنايا)(6)، أي ان أهم عنصر في عملية الإصلاح والمهمة الاكبر في المشروع الناجح هي النزاهة، فالناس يتبعون الشخص النزيه، وإذا لاحظوا أي اختلال عنده سوف يتركونه ولا يسيرون وراءه.

فالنبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) اتبعه الناس لأنه الصادق الأمين، وما يقوله في رسالته صادق فاتبعوه، فإذا أراد الإنسان أن يكون صادقا ويريد أن يصدقه الناس ويتبعوه، ويكون أسوة حسنة لهم، لابد أن يكون عفيف النفس حتى يكون نزيها ويبتعد عن السقوط في عالم الدناءة والرذيلة والفساد.

لنلاحظ الرؤية الجميلة التي يقدمها الإمام علي (عليه السلام) حين يقول: (مَا الْمُجَاهِدُ الشَّهِيدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَعْظَمَ أَجْراً مِمَّنْ قَدَرَ فَعَفَّ لَكَادَ الْعَفِيفُ أَنْ يَكُونَ مَلَكاً مِنَ الْمَلَائِكَةِ)(7)، فيكون عنده قدرة على أن يكون نزيها وبعيدا عن السقوط في عالم الشهوات والدناءة والفساد، حتى يكاد أن يكون ملَكا من الملائكة.

بمعنى أن العفة عند الإنسان تبني له حصانة، ونزاهة، فلا يُذنب، تحصّنه من ارتكاب الذنوب، وهي خطوة كبيرة جدا يحتاجها الإنسان، لكنها أمر صعب، فمن هنا يبدأ التغيير في مجتمعاتنا، أي من بناء العفة الجنسية، والعفة في البطن، وعفّة السلطة، نحن نحتاج أن نعلّم الناس أن هذه الأمور وسائل وليست أهدافا في حياتنا، فيتجنب هذه المشكلات ومخاطرها، بأن يسعى لبناء قدرته الذاتية عبر حصانته النفسية.

فهؤلاء الذين لا يمتلكون العفاف في أنفسهم، يسقطون في عالم الفساد ويبتعدون كثيرا عن النزاهة، فتراهم يعيشون الكآبة بشكل دائم، يفتقدون للأخلاق ووجوههم مظلمة لا بشاشة أو ابتسامة فيها، فتشعر بأن قلوبهم كئيبة وممتلئة بالسوداوية، فهو حزين في داخله، لأن الدناءة وعدم النزاهة هي مخالفة لفطرة الإنسان، وضميره لاينسجم مع سلوكه لذلك يصبح تعيسا.

من هو الحزين؟

فالإنسان يحتاج إلى أن يملأ قلبه بالصالحات، وبالأعمال الطيبة، والأفعال الجيدة، ليكون منيرا في داخله وأعماقه ونفسه، مستريحا في ذاته، ويكون سعيدا في حياته، هذا ما يحققه امتلاء القلب بالصالحات، وامتلائه بالعفة والنزاهة والصلاح وعدم الفساد، لكن هؤلاء الذي يكونون حزينين دائما في حياتهم، فهذا هو الحزن السلبي العدمي، فالكآبة هي نتيجة لعدم وجود نزاهة في سلوك الإنسان وأفكاره.

أما الإنسان النزيه فهو دائما خفيف في روحه ونفسه، ومنطلقا في حياته، يسير على الأرض سعيدا ومرتاحا، مطمئنا وبعيدا عن هذه الملوّثات التي غالبا ما تكون حوله، وكذلك بعيدا عن الضجيج الموجود حوله، فهو لا يستمع للصخب المادي والضجيج الاستهلاكي.

عن الإمام علي (عليه السلام): (أصل العفاف القناعة، وثمرتها قلة الأحزان)(8)، لا يوجد حزن عند الإنسان القنوع فحزنه قليل جدا، فيكون دائما سعيدا ومرتاحا، لأن الماديات لا تؤثر عليه، لكن من هو الحزين الشقيّ؟

إنه هو الذي يتكالب على الماديات، فيكون حريصا على الدنيا وطماعا حسودا، يريد أن يمتلك من الأشياء أكثر فأكثر ولا يكتفي، فهو يطلب أكثر مما يحتاج، لذلك فهو يعيش في شقاء دائم في داخله ويكون شقيّا وقلبه أسود، ولا يحس بأن نفسه شبعانة لأنه لا يشبع، لذلك فهو يأكل ويأكل كثيرا. ويلبس كثيرا ولا يشبع من ذلك ولا يكتفي بما يحصل عليه، لذلك تجده غير سعيد.

الاكتئاب وشراهة الطعام

تؤكد بعض الدراسات على أن بعض الأكلات التي تقدمها المطاعم تؤدي إلى حالة من الاكتئاب عند الإنسان، ولذلك لا يتمتع بالسعادة لأنه مصاب بشراهة الطعام وحب اللذات، والأكل الكثير والإدمان المستمر على ارتياد المطاعم، وهذا يجعل الإنسان لا يشعر بالإشباع، ولا توجد عنده لذة حقيقية في أكله ولا في حياته(9).

لذلك فإن النزاهة وعفة النفس تؤدي إلى سعادة الإنسان، ومن ثمرات الرواية أن الزهد كذلك يؤدي إلى سعادة الإنسان في حياته، كونها بسيطة كما ذكرنا سابقا، ولكن عندما تمتلكه الأشياء سوف يغرق فيها، ولكن عندما تكون الأشياء المحيطة به قليلة جدا وبقدر حاجته، فيكون خفيف المؤونة وخفيف الحجم، وبالتالي يكون سعيدا ومرتاحا ومطمئنا.

فالعفاف زهادة، هذه هي النتيجة التي نحصل عليها، لذا عليك أن تبني عزة نفسك ضد الشهوات، كن محصَّنا تكن زاهدا في الدنيا، تسعى للحصول على الشيء الذي تحتاجه فقط، والزهد لا يعني أن تلبس اللباس الخشن، أو لا تأكل الطعام المناسب، ولكن كلْ بقدر حاجتك، وامتلك الأشياء بقدر ما يكفيك، لا تكن حريصا، ولا تجعل المادة تمتلكك، ولا تكن عبدا لها، بل كن أنت الذي تمتلك المادة وتتحكم بها وتسيطر عليها.

وحيث يكون الإنسان مسيطرا على نفسه وعلى شهواته، ومتحكما بأفكاره حينئذ يكون حكيما ومتعقلا في ممارساته.

فمن نتائج العفاف، أولا يؤدي العفاف إلى التحكّم بالشراهة، أي التحكم بشراهة النفس، وثانيا التحكم بالشهوات، وثالثا يؤدي إلى كبر همّة الإنسان ورابعا يؤدي أيضا إلى قلة الأحزان وسعادة الإنسان في حياته عندما يكون عفيفا، وخامسا يؤدي إلى بناء حصانة الإنسان، بناء الحصانة الذاتية، وهذه تؤدي إلى بناء شخصية قوية متماسكة قادرة على أن تواجه التحديات التي تحدث أمامه، كالتحديات المادية ومختلف التحديات الأخرى.

وتؤدي أيضا إلى أن يكون الإنسان قادرا على حل مشكلاته، وأن لا يتراجع أمام الصعاب، لأن الإنسان في بعض الأحيان تكون حياته صعبة جدا لأنه منغمس بالماديات، والانغماس في هذه الماديات يؤدي إلى تحديات كثيرة ومستمرة، ولكنه عندما يتخلص من سيطرة الماديات، فإن المشكلات والتحديات تقل وتصبح حياته سهلة.

مخاطر الطلب الكثيف

وعن الإمام علي (عليه السلام): (لا فاقة مع عفاف)(10) وهذا مفهوم عظيم في حل المشكلات الاجتماعية، والاقتصادية، والذاتية عند الإنسان، الفاقة تعني الاحتياج الشديد، الفقر، العيش في حياة بائسة وشقية، الفاقة هي سلسلة من المشكلات التي يعيشها الإنسان وفيها جانبان، جانب مادي وجانب نفسي.

في الجانب المادي للمفهوم، كلما تقل حاجات الإنسان ويكتفي بالقليل منها تقل عملية الإسراف والتبذير، فتكون الموارد الموجودة في الحياة كافية للجميع، فلا تحدث الفاقة، لأن الفاقة تحصل من خلال الطلب الكثيف والطلب المستمر والاستهلاك المفرط، إلى أن تصبح الأشياء قليلة.

أي يكون هناك حرص على كل شيء، فترتفع الأسعار وهذا يؤدي إلى ارتفاع التضخّم وعدم قدرة الناس على شراء احتياجاتهم الأساسية، وتنحصر عملية الشراء على من يتمكن على الشراء أما الفقراء فإنهم لا يستطيعون ذلك، ويُصاب المجتمع بالفقر أكثر فأكثر وتحدث الفاقة.

أما من الناحية النفسية، فإن الإنسان عندما يكون عفيف النفس عن الشهوات المختلفة، فإنه لن يكون مبتليا بالديون، ولا بالمشكلات المادية، لأنه يأخذ من الأشياء بقدر ما يحتاجه، فلا يحتاج إلى أكثر مما يحتاجه هو، ولا يستدين من الآخرين، ولا يبني بيتا يفوق حاجته من خلال الديون، بل عليه أن يعيش حياة البساطة والكفاف.

ضعف التأسّي وعدم الاقتداء

وعن الإمام علي (عليه السلام) يقول: (من قنعت نفسه اعانته على النزاهة والعفاف)(11)، فعفاف النفس يؤدي إلى بناء النضج في الحياة، فهناك الكثير من المشكلات الاجتماعية التي نلاحظها اليوم في الانهيارات الأخلاقية، مثل خروج الناس عن الالتزام الديني، عدم الالتزام بالحلال والحرام، هو نتيجة لضعف التأسّي وعدم الاقتداء، عدم وجود المتأسّى به أو عدم معرفته، وعدم التأسّي والاقتداء بالصالحين والأولياء، فيؤدي هذا إلى أن الإنسان يفتقد للإيمان بأي شيء في حياته، بل يؤمن في الدنيا التي يمتلكها هو فقط.

فالناس الذين لا قدوة لهم في الحياة، يعيشون حالة من الظلامية في ذواتهم وفي قلوبهم، فهو يقول أنا أستأنس في الدنيا ومادياتها وألتذّ بها، فلا يعرف الحلال ولا يعرف الحرام، ولا توجد لديه أية مسؤولية إنسانية تجاه الآخرين، أو تجاه مجتمع، بل هو يريد أن يعيش حياته فقط، حياته المادية الأنانية الذاتية الخاصة بنفسه فقط.

لكن الإمام علي (عليه السلام) يريد أن يعطينا منهجا في بناء العفة عبر التأسي، حتى نبدأ بعملية التحصين الذاتي وبالنتيجة تؤدي هذه العفة النفسية إلى إصلاح المجتمع الصالح، بعيدا عن تحكم الشهوات بحياة الإنسان.

فإذا أراد الأب أن يربي ابنه بطريقة صالحة وصحيحة لابد أن يكون قدوة لابنه، والحاكم إذا أراد أن يجعل شعبه مطيعا، لابد أن يكون هذا الحاكم أسوة صالحة للمجتمع، والمسؤول كذلك، فأي إنسان عنده مسؤولية تجاه الآخرين لابد أن يكون أسوة لهم، المعلم لابد أن يكون أسوة وقدوة للتلاميذ حتى يكونوا نشْئا صالحا في المجتمع يخدمونه جيدا، وتكون مخرجات التعليم والتربية صحيح وسليمة.

الدرب المضي للقائد الصالح

عن الإمام علي (عليه السلام): (وَإِنَّ لِكُلِّ مَأْمُومٍ إِمَاماً يَقْتَدِي بِهِ وَيَسْتَضِي‏ءُ بِنُورِ عِلْمِهِ أَلَا وَإِنَّ إِمَامَكُمْ قَدِ اكْتَفَى مِنْ دُنْيَاهُ بِطِمْرَيْهِ وَمِنْ طُعْمِهِ بِقُرْصَيْهِ أَلَا وَإِنَّكُمْ لَا تَقْدِرُونَ عَلَى ذَلِكَ وَلَكِنْ أَعِينُونِي بِوَرَعٍ وَاجْتِهَادٍ وَعِفَّةٍ وَسَدَادٍ)(12)، فهنا منهج متكامل لبناء العفاف النفسي، وتحصين البناء الاجتماعي الكامل عبر التأسي بالامام، حيث ان لكل مأموم إمام، وأفضل قدوة وأسوة لنا هو الرسول الأكرم والإمام علي والأئمة المعصومين (صلوات الله عليهم اجمعين)، قدوة صالحة نتأسى بها ونتعلم منها، ونسير في دربها المضيء بالخير والعمل الصالح، فالقائد العظيم الذي ينجح في قيادة الأمة هو أسوة وقدوة للناس في التنزّه من الماديات، وفي الزهد والعلوّ والتسامي.

لكن أنتم إذا أردتم أن تعيشوا الدنيا فعيشوها، ولكن (أعينوني)، أي أعينوا القائد حتى تنجح مهمته في القيادة، عبر ان تعينوه بالورع وعدم ارتكاب المحارم، وبالاجتهاد والعمل، وعفة النفس وحصانتها.

فتكونون صالحين دائما، وتسدون مكامن العيوب، تصلحون ثغراتكم، تحاسبون أنفسكم، فالورع والعفة والزهد، صفات جوهرية في عملية البناء الاجتماعي، والتكامل بين القائد وبين والأمة.

فالإمام المعصوم (عليه السلام) يحتاج إلى هكذا ناس، يتأسون به ويسيرون على دربه، ليس من خلال تقليده بشكل كامل، هذا غير ممكن لأنهم لا يستطيعون ذلك، فالإمام علي شخصية كبيرة جدا يمتلك صفات خاصة بنفسه، وهو الإمام المعصوم.

ولكن يمكن للناس أن يكونوا عفيفي النفوس، ويكونوا ورعين متّقين مجتهدين في حياتهم، يعملون دائما وغير كسولين، ومصلحين لأنفسهم دائما، ولا يغرقون في المعايب والنواقص، يصلحون أنفسهم في عملية محاسبة الذات، هي خطوات لبناء المجتمع العفيف الصالح البعيد عن الشهوات.

إن المجتمعات الغارقة في الماديات تسقط في مستنقع الدناءة والرذيلة، فكيف يستطيع الإنسان أن يعيش في مستنقع، يمتلئ بالمياه الآسنة (مياه الصرف الصحي)، هل يستطيع الإنسان أن يعيش في هذا المستنقع والرائحة الكريهة والجراثيم والحشرات الضارة؟

فلابد أن ننتشل المجتمع من هذا المستنقع، من خلال عفة النفس، والورع عن محارم الله، والبساطة في الحياة، وأن نتعامل مع المادة كشيء لا يسيطر علينا، بل نحن الذين نسيطر عليه، ونتحصن بذلك بتسديد أنفسنا.

وللبحث تتمة...

الهوامش:

(1) 11- عيون الحكم والمواعظ - علي بن محمد الليثي الواسطي - الصفحة ٢٧.

(2) عفَّ عفافاً: كف وامتنع عما لا يحل أو لا يجمل، اَللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ اَلْعَفَافُ وَاَلْغِنَى قيل: العَفَافُ‌ هنا قدر الكفاف والغنى غنى النفس، العَفَافُ‌ بفتح العين، التَّعَفُّفُ‌: كف النفس عن المحرمات وعن سؤال الناس والصَّبْرُ والنَّزاهَةُ من الشَّيْءِ، الاسْتِعْفافُ: طَلَبُ العفافِ وهو الكَفُّ عن الحَرامِ والسُّؤَالِ من النّاسِ، والعِفَّةُ: ترك الشهوات من كلِّ شيء وغلب في حفظِ الفرج مما لا يحلّ، وفي جامع السعادات فإن العفة: هي انقياد القوة الشهوية للعاقلة فيما تأمرها به وتنهاها عنه حتى تكتسب الحرية وتتخلص عن أسر عبودية الهوى.

(3) المَلَكَةُ: صفةٌ راسخةٌ في النفس أو استعدادٌ عقليُّ خاصٌّ لتناول أَعمالٍ معيَّنة بحذقٍ ومهارة، والفضائل هي الهيئات النفسانيّة التي تصدر عنها الأفعال صدورا سهلا كالطبيعي من غير أن تحتاج إلى رويّة واختيار مستأنف، فتكون بحيث إذا أريد أضداد تلك الأفعال، شقّ على أصحابها وتعوّقت عليهم واحتاجوا إلى تكلّف، مثل خلق العدالة والعفّة؛ والملكات هي بجهة من الجهات حالات وليست الحالات ملكات فالملكات هي أوّلا حالات ثم تصير بالنتيجة ملكات. مثل ملكة العدالة وهي: حالة نفسانية وملكة راسخة باعثة على ملازمة التقوى، مانعة عن ارتكاب الكبائر بل والصغائر فضلا عن الإصرار عليها.

(4) عيون الحكم والمواعظ - علي بن محمد الليثي الواسطي - الصفحة ٣٠٩.

(5) غُرَرُ الحِكم ودُرَرُ الكلِم، الشيخ عبد الواحد بن محمد التميمي الآمدي، الحديث رقم: 9245.

(6) عيون الحكم والمواعظ - علي بن محمد الليثي الواسطي - الصفحة ٢١.

(7) نهج البلاغة - حكم الإمام علي (ع)، حكمة رقم 474.

(8) بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ٧٥ - الصفحة ٧.

(9) تتلخص مهمة الكربوهيدرات في الجسم "بكونها المصدر الرئيس للطاقة" وهنا يأتي الفرق بين النوعين من الكربوهيدرات. فالجسم يمتص الكربوهيدرات البسيطة بسرعة وبالتالي تتحرر الطاقة سريعا ويرتفع مستوى السكر في الدم، أما الكربوهيدرات المعقدة فهي تحمل فائدة كبيرة؛ حيث يمتصها الجسد ببطء وتطلق الجلوكوز تدريجيا في أجسادنا فتساعد على استقرار مزاجنا. وتكمن خطورة التقليل من الكربوهيدرات المعقدة المفيدة في التسبب باضطرابات نفسية وقلة التركيز وسوء المزاج والشعور بالتعب والإرهاق كما تنخفض نسبة السيروتونين لديهم فيتعرضون للاكتئاب أكثر.(شبكة النبأ المعلوماتية)

(10) عيون الحكم والمواعظ - علي بن محمد الليثي الواسطي - الصفحة ٥٣١.

(11) غُرَرُ الحِكم ودُرَرُ الكلِم، الشيخ عبد الواحد بن محمد التميمي الآمدي، الحديث رقم: 7347.

(12) نهج البلاغة - كتب الإمام علي (ع)، كتاب رقم: 45.



التعليقات