الأربعاء 27 ذو الحِجّة 1445هـ 3 يوليو 2024
موقع كلمة الإخباري
هل تلوح في الأفق معارضة سياسيّة فاعلة في العراق؟
عقيل عباس
هل تلوح في الأفق معارضة سياسيّة فاعلة في العراق؟
2023 / 07 / 11
0

أعلنت قوى سياسية عراقية مؤخراً تشكيل تحالف لها تحت عنوان "قوى التغيير الديموقراطي" لخوض انتخابات مجالس المحافظات المزمع إجراؤها في نهاية العام الحالي أو بداية العام المقبل. يضم التحالف قوى تشكلت معظمها كنتاج سياسي لاحتجاجات تشرين (2019-2020) كـ"البيت الوطني" وحركة "وطن" وحركة "نازل آخذ حقي"، فضلاً عن حركات سياسية أطول عمراً كالحزب الشيوعي العراقي، أقدم الحركات السياسية في العراق الحديث والمتأسس في عام 1934، وأخرى تشكلت في عراق ما بعد 2003 كـ"الحركة المدنية الوطنية" في 2016 و"التيار الاجتماعي الديموقراطي" في 2018.

***

تغيب عن هذا التحالف على نحو لافت حركة "امتداد" ذات المقاعد البرلمانية الأكثر بين الحركات التشرينية القليلة التي خاضت الانتخابات البرلمانية العامة في 2021. تمر "امتداد" بمخاض داخلي صعب، قد يكون مفيداً لها لإصلاح آلية اتخاذ القرار والتمثيل فيها، إذا استطاعت الحركة الخروج من هذا المخاض بنجاح.

يُمكن اعتبار تشكيل مثل هذا التحالف إنجازاً مهماً وواعداً، لكن الأكثر أهمية ووعداً هو أن يصمد ويترسخ ويتطور ليصير تحالفاً رصيناً وينجح في تشكيل هوية مُعارِضة متماسكة وواضحة افتقدها على نحو فادح وضار العراقُ "الديموقراطي". تحالف يُعبّر عن مصالح المجتمع ويخدمها عبر الدولة، بعكس الأحزاب الحاكمة التي حوّلت الدولة إلى خادمة لمصالحها وأهملت مصالح المجتمع الذي أصبح غاضباً عليها، لكن من دون وجود بديل سياسي يلجأ إليه. هذا هو البعد الأخلاقي والسياسي الذي ينبغي أن يركز عليه هذا التحالف.

جاء تشكل هذا التحالف بعد نجاحه في تجاوز الإغراءات والضغوط التي واجهها على مدى أشهر من جانب شخصيات متنفذة وجماعات سياسية قريبة من الائتلاف الشيعي الحاكم، الإطار التنسيقي، ولها تأريخ في العمل معه وفيه. سعت هذه الشخصيات والجماعات إلى تشكيل تحالف كبير "معارض" يضمها مع "قوى التغيير الديموقراطي" تتولى هي في آخر المطاف قيادته أو توجيهه بالاعتماد على قدراتها المالية الكبيرة ونفوذها المؤسساتي الناشئ من صلاتها بالإطار التنسيقي. أقصى ما يمكن وصف هذه الشخصيات والجماعات به هو أنها تمثل ما يمكن تسميته "المعارضة المخلصة" لراعيها "القديم" الحاكم اليوم - الإطار التنسيقي - والتي لن تضيف شيئاً حقيقياً وذا قيمة للسياسة في العراق وللمصلحة العامة فيه، إذ يتلخص مسعاها بمنح الائتلاف الحاكم ما يحتاجه اليوم: معارضة شكلية تصلح كديكور ديموقراطي ومهمتها الأساسية منع تشكيل معارضة حقيقية ومؤثرة.

سيتواصل اختبار الضغوط والإغراءات هذا، وعلى الأكثر سيتصاعد مع مرور الأيام إذا برهن تحالف "قوى التغيير الديموقراطي" تماسكه أولاً عبر قدرته على تجاوز آفة صراع الشخصيات المختلفة على الزعامة، تلك الآفة التي فتكت بالكثير من محاولات التنظيم السياسي المعارض قبل احتجاجات تشرين وبعدها وأحبطتها وأخَّرَت كثيراً تحولَ تشرين من غضب احتجاجي في الشارع إلى مشروع سياسي ناجح.

خلال شهر تموز (يوليو) الحالي ينبغي أن يُسجل التحالف نفسه، ربما بتسمية جديدة، لدى المفوضية العليا المستقلة للانتخابات ويحدد زعامته، التي يبدو أنها ستكون ثنائية بين النائب البرلماني سجاد سالم وزعيم "التيار الاجتماعي الديموقراطي" علي الرفيعي. وبين منتصف شهر تموز الحالي ومنتصف شهر آب (أغسطس) المقبل، سيكون على التحالف أن يُقدم للمفوضية قائمة بأسماء مرشحيه في المحافظات التي يروم خوض الانتخابات فيها، التي على الأكثر ستزيد على 10 محافظات، بضمنها كل محافظات الوسط والجنوب وبغداد العاصمة، فضلاً عن محافظة أو اثنتين في غرب البلاد. يعني هذا أن التحالف سيكون عابراً للطائفية، ما يحمل رسالة مهمة بخصوص القدرة على تشكيل معارضة وطنية تتجاوز سياسات الهوية والتقسيمات الاجتماعية على أساس مذهبي وعرقي والتي استثمرت فيها كثيراً الطبقة السياسية الحاكمة، وبخاصة الإطار التنسيقي عبر تمثلاته السياسية السابقة تحت العنوان العام لـ"البيت الشيعي" منذ 2005 وساهمت بالكثير من تفكك المجتمع وتصارعه وعنائه.

تدعو كل هذه الأمور إلى التفاؤل الحذر، وكذلك إلى الدعم المشروط لهذا التحالف، شرط أن يرسخ خطواته الأولى الصحيحة هذه ويبني عليها المزيد من الخطوات المستقبلية. واحد من تحديات هذا التحالف هو صمود ترتيب الزعامة المشتركة الذي جاء به وقدرة هذه الزعامة على استيعاب الخلافات وإدارتها. ستُختبر هذه القدرة مبكراً من خلال تنظيم قوائم مرشحي التحالف في المحافظات المختلفة، بسبب قانون الانتخابات الذي لا يشجع على تعدد المرشحين من القائمة نفسها الذين يتنافسون على المقعد نفسه، منعاً لتشتت الأصوات المفضي عادةً إلى خسارة السباق الانتخابي. سيحتاج تنظيم القوائم الانتخابية لمرشحي التحالف الكثير من التفاوض والتنازلات المتبادلة بين الحركات السياسية المُشَكِّلة له لمصلحة اختيار المرشحين ذوي الفرص الأفضل في الفوز.

ثم هناك التحدي الآخر والصعب المتعلق بإدارة حملة انتخابية فعالة، وخصوصاً أن التحالف سيكون بمواجهة قوائم الأحزاب الحاكمة ذات التمويل الجيد والنفوذ المؤسساتي وحتى الدعم الميليشياوي. مع ذلك، إذا نجح التحالف في إبراز هوية معارضة مُقنعة ومُخلصة فسيكون بمقدوره أن يكسب تعاطفاً شعبياً ونخبوياً، وحتى الحصول على تبرعات مالية تساعده في تمويل حملته الانتخابية. ستكون أسماء المرشحين الانتخابيين للتحالف حاسمة بهذا الخصوص وأيضاً بخصوص التماسك المستقبلي له ما بعد الانتخابات، إذ من المهم ألا تحتوي قوائم مرشحيه على شخصيات لها ماض أو سلوك مرتبط بسلطة الأحزاب الحاكمة وفسادها، وخطابها الفئوي والطائفي. ينبغي أن تعكس شخصيات المرشحين الانتخابيين للتحالف سلوكاً وخطاباً وتأريخاً مختلفاً عن الأحزاب الحاكمة، يقوم على النزاهة الفردية والروح الإصلاحية والحس الوطني والقدرة على العمل الجماعي.

مع أن انتخابات مجالس المحافظات ذات طابع إداري عام وتتعلق بكيفية إدارة المحافظات وليس تقرير السياسات العليا في البلد، فإن معناها السياسي كاشف، إذ هي مؤشر مهم، دقيق في العادة، بخصوص الكيفية التي سيصوت فيها الجمهور في الانتخابات العامة البرلمانية التالية، انتخابات عام 2025. ثمة غرض آخر لا يقل أهمية من خوض التحالف انتخابات مجالس المحافظات المقبلة يتعلق بدخوله المران الانتخابي والسياسي الضروري للنجاح في الانتخابات البرلمانية العامة.

التعليقات