الأربعاء 14 رَجب 1446هـ 15 يناير 2025
موقع كلمة الإخباري
لماذا لا تريد روسيا خسارة الحرب في أوكرانيا؟
عميرة أيسر
لماذا لا تريد روسيا خسارة الحرب في أوكرانيا؟
2022 / 09 / 25
0

لا تزال الحرب الدائرة رحاها بين الجيشين الروسي والأوكراني تثير الكثير من التساؤلات المهمة التي تعتبر بمثابة  المفتاح لفهم طبيعة تفكير فلاديمير بوتين وقيادات الكرملين الروسي الذين دخلوا هذه الحرب وهم على يقين استراتيجي بأنها محسومة سلفاً لصالح روسيا التي من وجهة نظرهم تدافع عن كيانها كدولة ضدّ الدول الغربية مجتمعة، وهي التي ترى في روسيا منذ قرون العقبة الرئيسية أمامها للسيطرة على كامل أوروبا.

***

إذ أن الغرب وفق نظرته للمجتمع الدولي على أنه مجموعة من الوحدات السّياسية والكيانات الاقتصادية والثقافية والتنظيمية والاجتماعية التي يجب عليها أن تحافظ على مصالحه وأمنه القومي بالدرجة الأولى،  باعتبار أن العالم الغربي هو الذي صاغ الحضارة العالمية منذ 400 سنة، وكل حضارات الأمم والشعوب مرتبطة به بشكل وثيق، وبما أن روسيا من الدول التي يشملها مفهوم المجتمع الدولي، باعتبارها عضو في هيئاته الأممية وتجمعاته الإقليمية، فعليها بالتالي أن تعمل هي أيضاً كدولة عظمى في أوراسيا على تحقيق هذا الهدف الاستراتيجي الحيوي في نظر ساسة الغرب، فالصراعات والمواجهات التي شهدها المجتمع الدولي بين مختلف أقطابه وفواعله المختلفة، دفعت بالرئيس الأمريكي السّابق دونالد ترامب للإعلان عن البنود الأساسية من النسخة المحدثة لاستراتيجية الأمن القومي لإدارته، ووضع محدداً أساسياً بنيت عليه هذه الأستراتيجية، وهو أن الولايات المتحدة الأمريكية تدخل مرحلة ذات طبيعة صراعية، وفي مناحي متعددة، حيث قال ترامب: ” ان العالم يشهد الآن مواجهات عسكرية واقتصادية وسياسية وبأننا دخلنا عصراً جديداً من التنافس”. (مثلما جاء في وثيقة الأمن القومي الأمريكي لسنة 2017م، مركز التخطيط الفلسطيني، السنة العاشرة، أفريل/ نيسان 2018م).

فهذا التنافس والصراع بين المنظومة الغربية وكل الدول التي تحاول التخلص من هيمنتها كروسيا وكوريا الشمالية، هو الذي يترجم عملياً وميدانياً في أوكرانيا، حيث تحاول كل الأطراف المتحاربة عن طريق الوكالة إيقاع الهزيمة بالطرف الآخر، واجباره على إعلان الاستسلام، أو التراجع العسكري عن المواقع التي استطاع السيطرة عليها، بعد أن أصبحت الحرب هناك حرباً روسية أطلسية، يحاول فيها الغرب أن يغير موازين القوى العسكرية والاستراتيجية لصالحه في أوكرانيا، لأن ذلك كفيل بأن يحافظ على تفوقه النوعي في جميع المجالات على بقية الدول، وذلك بغية الحفاظ على عالم أحادي القطبية تكون  الولايات المتحدة الأمريكية هي اللاعب الرئيسي فيه كما كانت منذ حرب الخليج الأولى، وبالرغم من كل الأزمات الاقتصادية التي تمر بها دول المنظومة الغربية، إلاّ أن الدول الغربية والأوروبية تواصل ضخ مزيد من المقاتلين والأسلحة و الأموال للقيادة في هذا البلد الذي كان يوماً ما ضمن دول الاتحاد السوفياتي، حيث تخطى حجم  المساعدات العسكرية واللوجستية والمالية الأمريكية لكييف حاجز 40 مليار دولار، فالكونغرس الأمريكي قد أقر حزمة مساعدات ضخمة لأوكرانيا، في تأكيد على الدعم الذي وعد الرئيس جوزيف بايدن بتقديمه لهذا البلد الحليف، وتشمل هذه المساعدات مبلغ 6 مليار دولار يفترض أن تسمح لأوكرانيا بالتزود بأليات مصفحة، وتعزيز منظومتها للدفاع الجوي، كمل تشمل تقديم 9 مليار دولار لضمان عدة أمور من بينها ” استمرار عمل المنشآت الديمقراطية الأوكرانية” إضافة إلى مبلغ كبير مخصص للجانب الإنساني”. مثلما ذكر موقع فرانس 24، بتاريخ 19ماي/ أيار 2022م، في مقال بعنوان (الكونغرس الأمريكي يصادق على حزمة مساعدات ضخمة لأوكرانيا بقيمة 40 مليار دولار).

هذا دون احتساب الأموال والمساعدات العسكرية  التي قدمتها دول الاتحاد الأوروبي واليابان وكوريا الجنوبية وأستراليا وكندا، فكل هذه الدول من مصلحتها أن تخرج روسيا مهزومة من هذه الحرب، التي أكد الرئيس  الروسي فلاديمير بوتين في أكثر من مناسبة بأنه سينتصر فيها، حتى وان اقتضى الأمر استخدام السّلاح النووي، وذلك طبعاً لإرضاء قطاع واسع من رجال المال والأعمال وخاصة أقطاب الصناعات العسكرية الروسية، والسّاسة البيروقراطيون  والنخب المثقفة المؤيدة للنموذج البوتيني في الحكم، لأن الهزيمة في هذه الحرب تعني القضاء على مستقبل بوتين السّياسي للأبد، لأن عقلية  الشعب الروسي بطبيعته تمجد المنتصرين دوماً، وتثور على المنهزمين وهذا ما حدث خلال الحرب العالمية الأولى، إذ أدت خسارتها للحرب إلى إسقاط الحكم القيصري والتخلص من أسرة رومانوف التي حكمت  روسيا القيصرية بقبضة حديدية منذ سنة 1613م إلى غاية 1917م، عندما تم عزل آخر قياصرة روسيا نيكولاي الثاني ومن ثم التخلص منه، إثر ثورة شهر فيفري/ فبراير 1917م، فخسارة هذه الحرب ستكون لها نتائج وتداعيات جيو استراتيجية عميقة على الاتحاد الفيدرالي الروسي، فالاستخبارات الروسية التي تعد من أهم المؤسسات الأمنية في روسيا، تدرك بأن انهزام الجيش الروسي في هذه الحرب هو بداية لتفكك الاتحاد الروسي لمجموعة من الدول الصغيرة والضعيفة، كما أدت خسارة حرب أفغانستان إلى تفكك الاتحاد السوفياتي، وهذا ربما ما يفسر الإجراء الذي اتخذه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، والمتمثل في إعلان التعبئة الجزئية لقوات الاحتياط في الجيش الروسي، حيث وصل عدد جنود الاحتياط الذين سيتم استدعاؤهم لحوالي 300 ألف جندي، وهذا ما يشير إلى أن الحرب الروسية على أوكرانيا دخلت مرحلة اللاعودة، مثلما أكد على ذلك وزير الدفاع سيرغي شويغو عندما قال : ” بأن العملية العسكرية الروسية في  أوكرانيا مستمرة حتى تحقيق جميع الأهداف التي وضعها الرئيس فلاديمير بوتين”. مثلما ذكر موقع الجزيرة، بتاريخ 6 جويلية/يوليو 2022م، في مقال بعنوان ( حرب أوكرانيا……صفارات الإنذار دوت في كييف صباح اليوم، ووزير الدفاع الروسي يؤكد استمرار الحرب).

فهذه الحرب ستكون نقطة فاصلة في تاريخ روسيا الحديثة، التي تسعى جاهدة إلى أن تكون فاعلاً دولياً مهما في صياغة القرار العالمي، والتخلص من الهيمنة الأمريكية التي أضرت بسمعة ومكانة روسيا الحديثة، تلك الدولة العريقة والامبراطورية القديمة الحاكمة لأوروبا وجزء كبير من أسيا إلى جانب امبراطوريات أوروبية كبرى كالمجرية والألمانية والنمساوية والعثمانية والفرنسية والانجليزية، التي سيطرت على السّياسة العالمية وتوجهاتها المفصلية طويلاً، قبل أن تتحول بفعل العديد من العوامل الداخلية والخارجية والاقليمية إلى دولة هامشية في المنظومة الدولية، فالولايات المتحدة الأمريكية ذات النظرة الاستشرافية المستقبلية، والتي تعاني من أزمات اقتصادية وسياسية وثقافية خانقة، قد تؤدي لتراجع قوتها ونفوذها حتى داخل المنظومة الأطلسية لصالح دول مثل بريطانيا أو كندا أو اليابان، ترى في هذه الحرب فرصة ذهبية عليها اقتناصها من أجل توحيد الرأي العام  الأمريكي المنقسم حول العديد من القضايا الجوهرية، كالرعاية الطبية، ورفع الدعم الحكومي عن قطاع الأدوية، وارتفاع نسب التضخم، وانخفاض العملة الأمريكية أمام العملات الأجنبية، وازدياد عدد المسلحين من المدنيين، و ارتفاع مبيعات الأسلحة بشكل مخيف شهرياً، و تعالي أصوات المتطرفين من الحربين الجمهوري والديمقراطي المطالبة بضرورة توجيه ضربة عسكرية مباشرة لطهران، وكذا عجز الإدارة الأمريكية على التحكم أو ايقاف الكوارث الطبيعية التي ستؤدي لتدمير بلاد العم سام، بشكل كلي أو جزئي كثوران بركان كالديرا يلوستون، أو حدوث زلزال قد يضرب صدع سان أندرياس الذي هو صدع متحول قاري يمتد على طول 1200كلم ويقسم ولاية كاليفورنيا التي تعتبر من أهم الولايات الأمريكية الصناعية إلى نصفين، بالإضافة لازدياد عدد الأعاصير والفيضانات التي تشهدها المدن الساحلية الأمريكية كل عام، والتي تهدد بإغراق الكثير منها في ظرف 10 سنوات القادمة.

 فبايدن يريد أن تكون أوكرانيا أداة لإلهاء الأمريكيين عن كل هذه الكوارث والأزمات التي تهدد مستقبلهم كشعب يعيش في دولة عظمى، تعتبر الدولة المركزية الأهم في النظام الدولي، فالحرب الروسية على أوكرانيا مجرد ورقة بالنسبة لبايدن يستعملها لكسب تعاطف العالم الغربي باعتباره الرئيس الأمريكي الذي وقف في وجه بوتين الديكتاتور الدموي الذي يريد القضاء على قيم الحرية  والعدالة وحقوق الانسان، والنموذج الديمقراطي الغربي الذي تمثله أوكرانيا.

لذلك فالإدارة الأمريكية تضغط على بوتين سياسياً واقتصادياً واعلامياً وعسكريا، من أجل اجباره لإعلان الاستسلام، وسحب قواته من أوكرانيا، وبالتالي القبول بالشروط الغربية المذلة، والتي لن تكون أقل قسوة من تلك التي فرضت على ألمانيا إثر معاهدة فرساي 1919م، بعد هزيمتها في الحرب العالمية الأولى، فهذه الحرب  تريد روسيا  جعلها بمثابة المنعرج الاستراتيجي لبناء نظام دولي عادل ومتوازن يراعي مصالح جميع الدول بما فيها مصالح دول العالم الثالث، عوض النظام الحالي الغير عادل والذي يكرس هيمنة الدول الكبرى على مقدرات وثروات الدول الصغرى، ويعطي واشنطن الحق في الاعتداء على أية دولة تراها خطراً على أمنها القومي، وبالتالي شنّ حرب استباقية عليها ودون الرجوع إلى مؤسسات المجتمع الدولي كالأمم المتحدة.

التعليقات