لمن يسأل
عن موقف المرجعية الدينية أزاء الأحداث الجارية .. هذه السطور
تحليل خاص يمثل وجهة نظري فقط .. وليست معلومات أنقلها عن أحد ..
وأعرضها بخدمة القارئ الكريم مع الأخذ بنظر الاعتبار ما تمثله من
رأي شخصي :
١) أتصور أن أبسط مواطن بات ليلته أمس وهو يراقب الأحداث ويتأسف
للضحايا الذين سقطوا .. ولو كان بيده التدخل لتدخل .. فمن باب
أولى أن المرجعية المباركة قد تدخلت فعلاً منذ يوم أمس وربما قبله
.. واتصالاتها تجري على قدم وساق .. غاية الأمر أنها لاتملك الوقت
لمجاملتك وأخبارك بأنها تحركت .. بل تريد الخروج بموقف حاسم متى
ما تهيأ لها ذلك.
٢) المرجعية كانت قد وضعت أمامها منذ فترة وحتى يوم أمس عدة ملفات
وأخذتها بعين الاعتبار أثناء تحركها :
* ملف المسؤولية الشرعية التي أمامها لمحاولة إيقاف النزيف وفض
الاشتباك بقدر ما يمكنها من التأثير على الجهة المعتدية حالياً
وبقية الجهات.
* ملف الجهة المعتدية نفسها .. وهل تسمع من المرجعية وتتجاوب مع
مقترحاتها لحل الازمة .. أم أنها خرجت عن نطاق التفاهم بشكل كامل
.. وأصبحت تقاتل بدون بوصلة ولا سقف محدد ولا أهداف واضحة ؟؟
* ملف بقية القوى السياسية .. وهل تسمع هي الأخرى وتساعد في حل
الازمة .. أم تنتظر المزيد من الاشتباك لتحقيق مكاسب سياسية
متمثلة في تشويه صورة الجهة المعتدية أكثر وأكثر .. وسقوطها
اجتماعياً في نظر الشارع ؟؟
* ملف الحشد الشعبي .. والضرورة القصوى والشديدة .. لعدم انجراره
إلى القتال .. بينما تسعى القنوات المشبوهة منذ يوم أمس وبكل
طريقة للترويج لخبر دخوله المواجهة.
* ملف المتربصين من الداخل والخارج الذين يحلمون بساعة صفر يدخلون
فيها على خط المواجهة لإعادة الدكتاتورية البعثية أو الداعشية أو
بوجه جديد .. بينما يكون الشارع وصل إلى حد الإنهاك.
* ملف العشائر العراقية .. وضرورة أن لا يكون دخولها على خط
الازمة عشوائياً وثأرياً وإلا تفاقمت الأزمة.
* ملف الزيارة الأربعينية .. وعدم تعطيلها مما يبعث برسائل سيئة
للغاية تنعكس على نفوس الشيعة في الداخل والخارج.
* وأخيراً _ وهو الأهم _ ملف الحل السياسي .. وهل هناك ما يمكن
اقتراحه ؟ لأن المرجعية لا تريد التدخل بمجرد بيانات استنكار ..
بل تريد حلاً ينهي هذا الصراع أو يطوقه .. لذلك عندما تصدر موقفاً
معلناً يجب أن يتضمن حلاً أو مقترحاً يطفئ النار ولو إلى حين ..
ولو كانت تفكر بمجرد إسكات المطالبين بموقف .. ومسايرة المعترضين
على صمتها الظاهري .. لرأيتم كل يوم بيان إعلامي محشو بكلام فضفاض
.. ولكن ماذا بعدها ؟ ولمن تلجأ الناس وراء ذلك ؟
* هذه كلها ملفات معقدة ومتداخلة تفكر بها المرجعية في وقت واحد
وتريد خلق بيئة مستقرة تستند عليها في رسم الحلول .. ولا شك انها
سهرت ليلة امس وليال أخرى قبلها لمنع وصول الأمر إلى هذه المرحلة.
* ومن هنا أنتقل إلى النقطة الثالثة.
٣) ماهي الحلول التي يمكن للمرجعية اقتراحها ؟
* في عام 2020 وعندما وصلت الأزمة إلى نقطة خطيرة جداً كادت تفتح
الباب للتدخل الخارجي ( إقليمياً ودولياً و إرهابياً ) اقترحت
المرجعية حلاً يتمثل في إعادة العملية الانتخابية .. فكان المقترح
أشبه بالماء البارد على النار .. وتوقفت محاولات السيطرة على
الحكم بالانقلابات الدموية التي كانت تفكر بها بعض الأطراف.
* وانتقل التنافس من الشارع إلى صناديق الانتخابات .. وكسبنا بعض
الوقت والهدوء النسبي وحقنت الدماء .. ولم تتعطل مصالح المجتمع.
ثم ما لبثت أن عادت الخلافات مرة أخرى إلى الشارع .. تارة بشعار
تزوير الانتخابات .. وأخرى بسبب الثلث المعطل .. وانتهى مفعول
الحل الذي اقترحته المرجعية .. لأن الأحزاب مصرة على التنافس بلغة
الشارع .. ولأن كل طرف لديه جمهوره .. ويحسب أن تحريك الجمهور هو
الطريق الأسهل لفرض إرادته.
وهذا ما شرحته تفصيلاً في مقال ( سبعة أمور تهدد العملية السياسية
) ويمكن مراجعته في القناة.
* وها نحن اليوم أمام جهتين تصر كل منها على إزاحة الأخرى .. وليس
التفاهم معها .. وإذا كانت الجهة المعتدية اليوم تقف في مواجهة
القوات الأمنية الحكومية .. فليس من المعلوم أن يستمر ذلك .. بل
ربما تدخل بقية القوى على خط الصراع .. وربما هذا اكثر ما تحاول
المرجعية منعه.
والآن لدينا ثلاثة مستحيلات وممكن واحد :
أولاً : من المستحيل أن يتحقق ما يريده التيار الصدري بعزل الطبقة
السياسية كلها _ بما فيها التيار _ فهذه فنتازيا خيالية لا يمكن
تحققها ولا أحد يصدقها .. حتى اتباع التيار نفسه لن يستجيبوا إذا
كانوا في مواقع تدر الفائدة ( وحصل ذلك من بعضهم سابقا ).
ثانياً : من المستحيل للطرف الآخر إنهاء وجود التيار لا بالدم ولا
بالحبر .. والتفكير بصولة فرسان جديدة هو ضرب من الجنون لان
موازين القوى تغيرت ولسنا في سنة 2007.
ثالثاً : من المستحيل بقاء الصراع محصوراً بين الجهة المعتدية
والقوات الأمنية إذا استمرت الأزمة لأكثر من 72 ساعة ..وسيتم جر
أطراف أخرى ( أولها الحشد ) واستفزازه بألف وسيلة مهما حاول ضبط
النفس ..وعندها يصبح المشهد كارثياً.
رابعاً : الممكن الوحيد .. والذي لا يحسب انتصاراً لطرف .. هو
الحل الذي اقترحه الدكتور حسن الياسري قبل مدة .. ولو تم العمل به
وقتها لما وصلت الأمور إلى هذا الحد.
وأضع بين يديكم هذا الحل .. وأتوقع أن المرجعية الدينية ستدفع
بهذا الاتجاه .. وسيصدر منها بيان مرتقب يتضمن ملامح هذا الحل.
أما الباحثون عن حلول جذرية وسحرية تحول العراق إلى جنة ..
فاطلبوها من الله تعالى بصلاح النفوس .. ورفع منسوب الوعي والشعور
بالمسؤولية في العراق .. ولا تطلبوها من المرجعية.