كشفت وثائق رسمية أُفرج عنها حديثًا في الأرشيف الوطني البريطاني عن مساعٍ حثيثة قادها رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير لمنع ملاحقة جنود بريطانيين متهمين بإساءة معاملة معتقلين عراقيين أمام المحاكم المدنية أو المحكمة الجنائية الدولية.
وتُظهر الملفات الحكومية، التي نُقلت إلى أرشيف "كيو" غرب لندن، أن بلير مارس ضغوطًا مباشرة في عام 2005 لإبقاء القضايا المتعلقة بالانتهاكات داخل الإطار العسكري، بعيدًا عن القضاء المدني، رغم خطورة الاتهامات المرتبطة بها.
وبحسب الوثائق، أُبلغ بلير في يوليو 2005 بأن المدعي العام ناقش مع مدعين عسكريين إمكانية إحالة قضية الجنود المتهمين بضرب المعتقل العراقي بهاء موسى حتى الموت إلى محكمة مدنية. إلا أن بلير وضع خطًا تحت الفقرة ذات الصلة ودوّن ملاحظة حازمة قال فيها: «يجب ألا يحدث ذلك!».
وكان بهاء موسى، وهو موظف استقبال فندق، قد توفي أثناء احتجازه لدى الجيش البريطاني في البصرة عام 2003، بعد تعرضه لسوء معاملة شديدة شملت الضرب المتكرر، وتغطية الرأس، ووضعيات إجهاد قاسية، في مركز احتجاز تابع للقوات البريطانية.
وتشير الوثائق إلى أن بلير سعى أيضًا لضمان عدم تدخل المحكمة الجنائية الدولية في القضايا المرتبطة بالعمليات البريطانية في العراق، معتبرًا أن ذلك «أمر بالغ الأهمية»، وفق ما دوّنه بخط يده في مراسلات داخلية.
وبعد عامين من تلك المراسلات، مثل العريف دونالد باين أمام محكمة عسكرية، ليصبح أول جندي بريطاني يُدان بارتكاب جريمة حرب. واعترف باين، الذي حُكم عليه بالسجن لمدة عام وطُرد من الجيش، بممارسات وحشية بحق معتقلين عراقيين، شملت الضرب والركل وإهانة السجناء المقيدين، في وقائع وُصفت بأنها معاملة غير إنسانية.
وتكشف الملفات أن مستشاري بلير أوصوا بإجراء تعديلات تشريعية تُقدَّم للرأي العام على أنها ضرورية لحماية قدرة القوات البريطانية على العمل في مناطق النزاع، تفاديًا لاتهام الحكومة بتقييد الجيش قانونيًا.
وفي عام 2020، أنهت المحكمة الجنائية الدولية رسميًا تحقيقًا طويل الأمد بشأن مزاعم ارتكاب القوات البريطانية جرائم حرب في العراق بين عامي 2003 و2008، دون المضي قدمًا في إجراءات قضائية.
المحرر: حسين هادي