الأحد 10 ذو القِعدة 1445هـ 19 مايو 2024
موقع كلمة الإخباري
حقيقة موقف بغداد من القصف التركي
د. فاضل البدراني
تركيا بجولاتها العسكرية في شمال سوريا والعراق استهدفت اضعاف القوى الكردية التي تشكل وفقا للمنظور الجيوسياسي خطرا على أمنها، وترفض بشكل قاطع اي احتكاك بين القوى المسلحة الكردية المعارضة لحدودها الجنوبية ذات الغالبية الكردية والتي تعد منطقة نزاع متواصل منذ عقود، وهو الحال الذي تشكو منه أنقرة مرارا، كما يتكلم عنه اقليم كردستان العراق مرارا بالرفض والتنديد.
وتابعنا قبل ثلاثة أسابيع اعلان تركيا عن البدء بشن حملة عسكرية للسيطرة على منطقة عفرين الكردية شمال سوريا، وقد تحقق ذلك، وسط مساومات دولية منها اميركية وروسية وايرانية وتركية، كل طرف منها يريد أن يأخذ حصته من هذا البلد الضحية بسبب خلاف ينم عن غباء سوري داخلي رسمي وشعبي، المهم تركيا بعد ان احكمت سيطرتها على عفرين دارت وجهها بعدها صوب شمال العراق، وكررت نفس بيان التدخل في (عفرين) سوى الاختلاف في (سنجار) وبتهديد ورد على لسان الرئيس رجب طيب أردوغان بالتدخل بشمال العراق الذي يحتضن العناصر المعادية لبلاده ،وبالفعل بدأت عمليات قصف لعناصر حزب العمال(بكاكا) الذين يحتلون مدينة سنجار ليس لوحدها بل معهم (يكاكا)واخريات تتوزع اعدادها بحسب الاجندات الاجنبية المتنافسة، الأمر الذي يجعل من هذه المدينة خارج نطاق الدولة العراقية، ومن نتاج هذا التزاحم الأمني المضطرب يجعل من سنجار التابعة لمحافظة نينوى إداريا، والواقعة لمسافة 120 كلم شرقي الحدود السورية و104كلم جنوب تركيا المحاذية لحدود العراق من جهة دهوك في الاقليم.. ذات ادارتين بالوقت الحالي وبغداد طرف غير مؤثر فيها.
وفي استعراض المواقف من التدخل التركي في شمال العراق، فبعض الأطراف الكردية تحمل بغداد المسؤولية بحجة أنها متفقه مع انقرة، وبعض آخر يستنكر صمت بغداد من القصف والتهديد بالتدخل، ومع أن الخارجية العراقية استنكرت القصف واعتبرته تجاوزا على سيادة العراق، لكن على ما يبدو ان بغداد التي تعارض تواجد حزب العمال الكردستاني تريد ان توظف هذا التجاوز التركي وتجعل منه درسا مفيدا يدفع بالأقليم للعودة لحضن الدولة العراقية بشكل حقيقي، خاصة عندما يشعر المواطن الكردي الذي ينزح حاليا من دهوك ومن مناطق شمال اربيل باتجاه عمق الاقليم، سيجعله يفكر جديا بالعودة للانتماء لبغداد عاصمة الدولة العراقية من اقصى الشمال العراق لأقصى جنوبه، ناهيك عن ضغوط الازمة الاقتصادية التي تهدد بنسف كيان الاقليم وتشكل حالة مخيفة لمستقبله ان لم يلتئم ببغداد جديا، وأيضا الازمات السياسية وغياب الثقة بين الطراف الكردية ذاتها التي هي بحكم القاموس السياسي العلمي تحتاج لربع قرن حتى يندمل الجرح من قلوب المكتوين به، كل هذا يبدو انه يجعل بغداد ان لم تكن متفقة فأنها ساكته بحكم الرضا عن التدخل التركي بشمال العراق.
وواضح انه سواء وافقت بغداد أو رفضت التدخل التركي فان تهديد تركيا بالتدخل بالأقليم أو القصف فانه لن يدم بغض النظر عن مخاطر استهداف ارواح المدنيين او عمليات التهجير الصعبة للمواطنين بلا ذنب، لكن موضوع التدخل لن يحصل ولو حصل لن يؤثر مستقبلا لسبب أن تركيا بالأصل تشعر بقلق من التطورات الدولية التي جعلت من الارض العراقية والسورية ،وتحديدا الشريط الكردي الشمالي منها منطقة ساخنة سياسيا و مضطربة أمنيا بالوقت الحالي، وربما تزداد في المستقبل الاضطرابات الأمنية ،ولكن هذا يفرض على حكومة اقليم كردستان العراق ومواطنيه، وتحت وطأت الظروف الصعبة التي تعانيه أن يلجأ لخيار الاندماج الحقيقي مع بغداد اجتماعيا وجغرافيا وسياسيا، ومن ضمن ذلك التركيز على ادخال اللغة العربية في مدارسها وازالة شعور الكراهية الذي غرسته في اذهانهم القوى السياسية ليس لخيار يخص مصلحة ومستقبل الكرد، بل يخص مصالحهم الشخصية التي انهارت في لحظة غير متوقعة من طرفهم في اعقاب اجراء استفتاء الاستقلال في 25 ايلول 2017.وادت الى ان يكون الاقليم بوضع صعب للغاية. وواقع الحال يشير الى انه لمجرد عودة الانتماء الكردي الحقيقي لبغداد فسيكون الموقف العراقي الرسمي صلبا من التهديدات الكردية.
التعليقات