الجمعة 9 رَجب 1446 هـ 10 يناير 2025
موقع كلمة الإخباري
المجتمع المتديّن المنحرف!
الشيخ مازن المطوري
2025 / 01 / 09
0

من أكثر الآيات اللّافتة في القرآن الكريم، والتي لم تحظ بالدراسة بشكلٍ مستقل ومستوعب، هي الآيات التي تتحدّث عن بني إسرائيل.

والسّبب أنها تتحدّث عن "المجتمع المتديّن"؛ فبنو إسرائيل لم يكونوا ملحدين، ولا عبّاد الأصنام، بل كانوا مجتمعاً متديّناً، مؤمناً بالله تعالى، وله عقيدته وشريعته ومناسكه وأماكن العبادة، وعلماؤه وأحباره ورهبانه، ولكنّه مبتلٍ بأمراض عديدة فكرية، وقلبية، وسلوكية، فالآيات الإسرائيلية -لو جاز التعبير- تتحدث عن ذلك المجتمع المتديّن، المجتمع الملتزم بالشعائر الدينية والمظاهر الدينية العامة، المجتمع الذي خلع وأسبغ على نفسه أعلى الصفات وأمثلها، كأبناء الله وأحبّائه، وشعب الله المختار، واحتكار الجنّة وأنه لن يدخلها إلا مَن كان هوداً.. ولكنه المجتمع المنحرف، المبتلى بالأمراض والآفات والانحرافات، المجتمع الذي كان حجر عثرة أمام حركات الأنبياء (عليهم السلام).

إنّ كثافة حضور هذه الجماعة وسيرتها مسيرتها، وعرض آفاتها وأمراضها، وطريقة مواجهتها مع الأنبياء (عليهم السلام)، وما خلعوه على أنفسهم من صفات ومزايا، وتعاطيهم مع الحُكّام وعلمائهم والأحبار والرهبان، وعوامل انحرافها، وتحريف مفاهيم عقيدتها وتعاليم شريعتها، ظاهرة تستحق الدراسة التفصيلية؛ لأن المجتمع المتديّن الملتزم ظاهراً بالشعائر الدينية العامة، والشكليات، والذي يتماهى مع صفات اخترعها لنفسه، ورضي بها، قد يحسب نفسه المجتمع الأمثل، والأفضل، ويطمئن للحالة التي هو عليها، ولكنه في واقعه منحرف، وبعيد عما يريده الله تعالى فكراً، وعملاً.

والمُلفت، أن هذا المجتمع المتديّن أكثر المجتمعات جاءها الأنبياء، ومنهم اثنان من أولي العزم، وقد ورد في بعض الروايات أن «بني إسرائيل كانوا يقتلون ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس سبعين نبياً، ثم يجلسون في أسواقهم يبيعون، ويشترون، كأن لم يصنعوا شيئاً»! [بحار الأنوار، ج ٤٤، ص ٣٦٥].




التعليقات