تبذل الأمم الغالي والنفيس في الدفاع عن قضاياها المركزية، فهي لا تقبل المساومة والاستسلام أو التنازل عن حقوقها المشروعة وفقا للقوانين والأعراف الدولية والموضوعية، وتكافح بكل ما أوتيت من قوة وعزم لنيل الحقوق بكافة الوسائل المتاحة.
وفي الوقت الذي تغيرت فيه تسمية مدينة يافا إلى تل أبيب، عبر إعلان بن غوريون دولة إسرائيل المزعومة بتاريخ 14-5-1948 على أرض فلسطين، بعد إعلان بريطانيا إنهاء الانتداب عليها ممهدة بذلك الطريق لقيام الدولة اليهودية! بدأ نضال الشعب الفلسطيني عبر الكفاح المسلح الذي انطلق صبيحة اليوم التالي في 15-5-1948.
ولأن فلسطين عربية فقد تبنى العرب قضيتها والدفاع عنها بكافة الوسائل المتاحة وصولا لحرب تشرين سنة 1973م، لكن اختلفت الأمور بعد ذلك التاريخ وجرى تعبيد طريق التطبيع وبداية بيع القضية الفلسطينية وتصفيتها على يد أكبر دولة عربية لها حدود برية مع فلسطين، فبعد أن استرجعت مصر سيناء بمساعدة أغلب العرب، باعت العرب وفاوضت إسرائيل سرا في كامب ديفيد، لتتوج المفاوضات بتوقيع اتفاقية السلام بين الرئيس المصري أنور السادات ورئيس وزراء كيان الاحتلال مناحيم بيغن في 17 سبتمبر 1978 إثر 12 يوما من المفاوضات، لتخرج على إثرها مصر من معادلة الصراع العربي الإسرائيلي المسلح منذ ذلك الحين.
وبعد أن فتحت مصر باب التطبيع على مصراعيه دخلت منه الأردن التي لها حدود برية مع الكيان المحتل، لتعقد معه معاهدة سلام في وادي عربة على الحدود الفاصلة بين الأردن والكيان في 26 أكتوبر 1994م، برعاية من الرئيس الأمريكي بيل كلينتون، وبخروج مصر والأردن من دائرة الصراع العربي الإسرائيلي، اصبحت القضية الفلسطينية عبئا ثقيلا عليهما بموجب الاتفاقيات التي وقعتها كلتا الدولتين مع كيان الاحتلال، وبسبب التبعية المطلقة للولايات المتحدة الأمريكية الراعي الرسمي للكيان، اتضح للاحرار والشرفاء في المنطقة والعالم أن القضية الفلسطينية أصبحت في خبر كان، على اعتبار أن الحدود البرية مع الكيان المحتل خرجت عن الخدمة، هذا ملخص لحال الأمس الذي أدخل القضية الفلسطينية في غياهب النسيان لسنوات طوال!
أما واقع اليوم فعلى ما يبدو أن الشرفاء والأحرار في فلسطين ولبنان والمنطقة قد رسموه بدماء زكية تأبى الضيم والانكسار، وتقف سدا منيعا بوجه العدو الغاشم، ففي ساعات الصباح الأولى من يوم السبت المصادف 7 تشرين الأول أكتوبر 2023 م، هاجمت فصائل المقاومة الفلسطينية مواقع الاحتلال في غلاف غزة وقتلت جنوده، واسرت أعداداً كبيرة منهم، وادخلت العدو في صدمة، والصديق في دهشة، من فرط ما أحكمته من تخطيط وتنفيذ لعملية اطلقت عليها تسمية "طوفان الأقصى"، وباشرت المقاومة الإسلامية اللبنانية متمثلة بحزب الله بأسناد غزة في اليوم التالي مباشرة.
ولأن العدو يتسلح بعقيدة دينية فاسدة تدعو للقتل والدمار بلا ضوابط! فقد أمعن على إثر الهجوم في قتل الأبرياء من نساء وأطفال، وارتكاب أبشع المجاز بالمدنيين العزل الذين يفترض أن يكونوا محميين بموجب قرارات مجلس الأمن والأمم المتحدة، كما يفعله اليوم في لبنان، إلا أن الدعم الغربي اللامحدود فتح الاشارات الخضراء أمام الكيان ليفتك بالشعب الفلسطيني واللبناني أمام أنظار العالم من دون رادع حتى وصل به الأمر إلى ضرب المستشفيات بمن فيها في غزة، ومنع الدواء والماء عن القطاع المحاصر، ليظهر على إثر ذلك الناطق باسم المقاومة الإسلامية حماس أبو عبيدة يتساءل عن عجز مصر والأردن بقوله ( لم نطلب منكم أن تحركوا جيوشكم ودباباتكم وتقاتلوا معنا، ولكن هل بلغ بكم العجر أن لا تستطيعون أن تدخلوا لنساء وأطفال غزة الماء والدواء)!
إلى هذا الحد وصل تخاذل هاتين الدولتين اللتين تتمتعان بوجود حدود برية ومعابر مع فلسطين المحتلة، بل أن هناك تسريبات تحدثت عن قناعاتهم وامانيهم بتصفية القضية الفلسطينية والخلاص من هذا الحرج الكبير الذي يتعرضون له داخليا وخارجيا، كما توجد قناعات ليست وليدت اليوم وسبق ان تحدث عنها السادات وهو المطبع الأول بأن إسرائيل لن تنتهي من توسعها واجرامها، ففور ما تنتهي من جبهة مستعرة حتى تدخل في اجندتها العدوانية دولة عربية اخرى، وحقيقة لن نجد تفسير منطقي لهذا التناقض غير العمالة التي اصبحت لها عند هؤلاء، الوان كألوان الطيف السبعة!