لا شك أن معظم من قرأ عن ثورة العشرين، يعرف كيف ومتى ولماذا انطلقت، صحيح أن بعضهم بدأ يشكك بقيادات الثورة وشرعيتها، بل وحتى نسبها للآخرين، وهذا ليس بمستغرب أبداً فالإعلام الأصفر موجود منذ زمن إمامنا علي عليه السلام وحتى يومنا هذا، ووظيفته أن يطمس ويزوّر الحقائق.
سنكتب اليوم عن أسباب الثورة المباشرة وغير المباشرة، وأبرز القيادات والشخوص التي لعبت دوراً محورياً في هذه الثورة.
يعزو المؤرخون اندلاع الثورة، لاعتقال شيخ عشيرة الظوالم في المثنى شعلان أبو الچون، مما أدى لاقتحام السراي الإنگليزي وتحريره من قبضتهم، لكن هناك أسباب غير مباشرة للثورة بعضها يعود لعام 1917 وتمثلت في السياسات التعسفية للاحتلال ضد العراقيين، وتدهور الوضع الاقتصادي وفرض الضرائب وتنصل الحاكم البريطاني عن إقامة دولة عراقية وطنية.
استمرّت الثورة لـ 5 شهور بدأت بمحافظات الفرات الأوسط، لتمتد للمناطق واسعة من العراق.
سؤال مهم يعود بنا إلى نهاية القرن التاسع عشر، وهو لماذا
العراق بالذات وما هي أهميته الاقتصادية لكي تسيطر عليه بريطانيا العظمى؟!
لقد كانت الدول الاستعمارية، (باستثناء أمريكا التي لم تكن دولةً معروفة بعد)، تسعى لاكتشاف الأراضي البكر وفرض سيطرتها عليها و استغلال ثرواتها، والعراق يمتلك مميزات مهمة، أهلته لأن يكون مطمعا لعدة دول مثل المانيا و الإمبراطورية العثمانية، فاكتشاف النفط في إيران من قبل الروس و تصارع ألمانيا و تركيا على خطوط السكك الحديد التي تربط العراق بأوروبا وآسيا الصغرى والشرق الأوسط، وهو ما بدأت به المانيا قبل الحرب العالمية عام 1896م، وأتمته بريطانيا بعد انتصار محورها وأضافت ربط الهند، بهذا الخط ليصبح أكبر وأوسع شبكة نقل برية في العالم تغطي 3 قارات.
من أجل إكمال المخطط الاستراتيجي الاقتصادي لها، استغلت بريطانيا الخلافات السنية الشيعية لتوسع الهوة بينهم، بسياسة خبيثة مدروسة ومسمومة، لازلنا نعاني منها حتى الآن، وأصبح لها موطئ قدم وحقوق في الثروات العراقية وطرق المواصلات البرية.
شارك في هذه الثورة 130 ألف شخص من القبائل العراقية استشهد منهم 8450، وتكبّدت بريطانيا خسائر بشرية 1991، بين قتيل وجريح ومفقود كما خسرت 40 مليون جنيه إسترليني، وهو مبلغ فاق المبلغ الذي دعمت به الثورة العربية الكبرى 1916.
أما أهم الشخصيات التي تناولتها هنا هو رجل الدين الشيعي، الذي أفتى بشرعية الثورة وأمير عربي و سيدة عراقية.
1. آية الله الشيخ الميرزا محمد تقي الشيرازي المولود في مدينة شيراز الإيرانية عام 1840 والمتوفي في آب عام 1920،درس في كربلاء والنجف الأشرف وتسلّم الزعامة الدينية، بعد وفاة أستاذه المرجع الأعلى محمد حسن الشيرازي عام 1895 م، ثم أصبح مرجعا مطلقا للشيعة بعد وفاة المرجع محمد كاظم اليزدي عام 1919م.
أول من أفتى ضد الإنكليز مؤيدا للعشائر العراقية حيث قال: ” إن مطالبة الحقوق واجبة على العراقيين، ويحق لهم ضمن المطالبة رعاية السلم والأمن، ويجوز لهم التوسل بالقوة الدفاعية إذا امتنع الإنكليز عن قبول مطاليبهم“.
وبتلك الفتوى أصبحت ثورة العشرين ذات طابع شرعي وديني، وواجب على كل العراقيين الالتحاق بها، وقد التحق العراقيون من كل الطوائف بسبب فتوى الشيخ الشيرازي، واستمر بدعم الثوار بفتاوى لاحقة تدعو العراقيين إلى ترك التخالف والتناحر، وتغليب المصلحة الوطنية بطرد الإنكليز من العراق، كما أكد على تحريم التعامل مع البريطانيين برسالة واضحة، موجهة إلى جعفر أبو التمن عام 1920، وهذا يؤكد لنا أهمية المرجعية الدينية الشيعية في دعم مطالب الشعب ومساندتها لهم، في الدفاع عن الحقوق المشروعة ولازالت الحوزة تلعب هذا الدور المهم.
2. لن نتحدث عن شعلان أبو الچون هنا، بل عن شخصية وطنية مشرفة أخرى نفتخر بها، هل سمعتم عن الشيخ عبد الواحد الحاج سكر آل فتلة أمير قبائل الفتلة في العراق؟، ولد الشيخ عبد الواحد في النجف الأشرف عام 1880م كان شخصية قيادية فذة بحق وسياسياً محنكاً ثائراً مقاوماً، لعب دورا بارزا في أسس ثورة العشرين واستقلال العراق عام 1921م كان قصره في المشخاب مقرا منطلقا لثورة العشرين كما كان راعيا للاتفاقية التي وقعها السادة و شيوخ العشائر لإخراج المحتل من العراق، وشهد قصره تنصيب الملك فيصل، فأمير آل فتلة كان يتمتع بصلات عشائرية ودينية بارزة، فيما بعد ضيقت سلطات الاحتلال عليه الخناق، وقصفت قصره لكي تنهي رمزيته لدى الثوار وتسببت بمقتل الكثير من أبناء عمومته والقبائل المجاورة، مماحدا به لتسليم نفسه من أجل إبعاد خطر القتل عنهم، توفي الشيخ عبد الواحد في عام 1956 م في بغداد.
لقد كانت رمزية أمير آل فتلة و قصره رمزية وطنية ومقرا عسكريا للثوار، ومكانا لتبني قضية الإصلاح الإجتماعي ومركزا للتجمع الوطني، الإ أن مقره مع الأسف عانى من التخريب والإهمال، في زمن نظام صدام وحتى بعد عام 2003 دون إهتمام حكومي يذكر لهذا الرمز الوطني أو لصاحبه.
3. من قال إن المرأة في ثورة العشرين لم يكن لها دور بارز فيها؟!، فقد كانت تعد الطعام وتطبب الجرحى وتشحذ الهمم وتقوي النفوس، بأهازيجها وربما أشهرهن الشاعرة چلثومة العارضية، والتي رافقت زوجها وأولادها الثلاثة الذين شاركوا في الثورة، فقد شحذت الهمم وارتجلت الاشعار والأهازيج والتي لا يزال صدى كلماتها عالقا في الأذهان.
وين أخوتي الطيبين أهل الحمية
أنطوا تلف للدين بالمية مية
ومن عادة الطيبين تنطي ضحية.
صحيح أن خسائر العراقيين كانت آلاف الشهداء، ولم يتحقق النصر العسكري لاختلاف العدد والتسليح والتنظيم بين الطرفين، فرق بين جيش نظامي مسلح منظم وبين عشائر تآلفت واتحدت لطرد المحتل، الإ أن النتائج السياسية والمكاسب الوطنية، تحققت بتشكيل حكومة انتقالية وطنية، برئاسة نقيب أشراف بغداد جعفر أبو التمن الممهدة للدولة العراقية، وتقسيم العراق إلى وحدات إدارية ألوية وتعيين موظف عراقي لإدارتها، كما تم إعادة جميع السياسيين العراقيين الذين أبعدتهم سلطة الإحتلال، قسرا وتم إعلان تتويج الملك فيصل، كأول ملك للدولة العراقية الحديثة عام 1921، والتي سبقها زيارته إلى النجف الأشرف، فور وصوله من لندن عبر البصرة، وهذا يدل على أهمية الحوزة الدينية ورجال الدين الشيعة في توعية وتوجيه الشارع العراقي.