الحديث الثالث: من باب إبطال الرؤية (أَحْمَدُ بْنُ إِدْرِيسَ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسى ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ سَيْفٍ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدٍ ، قَالَ : كَتَبْتُ إِلى أَبِي الْحَسَنِ الرِّضَا عَلَيْهِ السَّلَامُ أَسْأَلُهُ عَنِ الرُّؤْيَةِ وَمَا تَرْوِيهِ الْعَامَّةُ وَالْخَاصَّةُ ، وَسَأَلْتُهُ أَنْ يَشْرَحَ لِي ذلِكَ، فَكَتَبَ بِخَطِّهِ : « اتَّفَقَ الْجَمِيعُ - لَاتَمَانُعَ بَيْنَهُمْ - أَنَّ الْمَعْرِفَةَ مِنْ جِهَةِ الرُّؤْيَةِ ضَرُورَةٌ ، فَإِذَا جَازَ أَنْ يُرَى اللَّهُ بِالْعَيْنِ ، وَقَعَتِ الْمَعْرِفَةُ ضَرُورَةً ، ثُمَّ لَمْ تَخْلُ تِلْكَ الْمَعْرِفَةُ مِنْ أَنْ تَكُونَ إِيمَاناً ، أَوْ لَيْسَتْ بِإِيمَانٍ ، فَإِنْ كَانَتْ تِلْكَ الْمَعْرِفَةُ مِنْ جِهَةِ الرُّؤْيَةِ إِيمَاناً ، فَالْمَعْرِفَةُ الَّتِي فِي دَارِ الدُّنْيَا مِنْ جِهَةِ الِاكْتِسَابِ لَيْسَتْ بِإِيمَانٍ ؛ لِأَنَّهَا ضِدُّهُ، فَلَا يَكُونُ فِي الدُّنْيَا مُؤْمِنٌ، لِأَنَّهُمْ لَمْ يَرَوُا اللَّهَ عَزَّ ذِكْرُهُ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ تِلْكَ الْمَعْرِفَةُ الَّتِي مِنْ جِهَةِ الرُّؤْيَةِ إِيمَاناً، لَمْ تَخْلُ هذِهِ الْمَعْرِفَةُ - الَّتِي مِنْ جِهَةِ الِاكْتِسَابِ - أَنْ تَزُولَ ، وَ لَاتَزُولُ فِي الْمَعَادِ ، فَهذَا دَلِيلٌ عَلى أَنَّ اللَّهَ - عَزَّ وَجَلَّ - لَايُرى بِالْعَيْنِ ؛ إِذِ الْعَيْنُ تُؤَدِّي إِلى مَا وَصَفْنَاهُ)( )
الرواية الشريفة عن الإمام الرضا عليه السلام تَضَمَّنَتْ اِسْتِدْلَالاً عَلَى اِسْتِحَالَةِ رُؤْيَةِ اَللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بالبصر في الآخرة، وهذا الاستدلال إن كان استدلالا جدلياً فلا بأس، وأما إذا كان اِسْتِدْلَالاً بُرْهَانِيًا فتحقيق مضمون الرواية الشريفة من المشكلات التي اضطرب شرّاح الكافي فيها في تحديد كون الاستدلالِ اِسْتِدْلَالاً بُرْهَانِيًا.
وبيان ذلك: أن ما يستفاد من الرواية الشريفة ثلاثة بيانات لإثبات أن الاستدلال استدلالٌ برهانيٌ على امتناع رؤيته تبارك وتعالى بالبصر في الآخرة.
البيان الأول: ويعتمد على عدّة مقدمات:
المقدمة الأولى: أن جميع العقلاء اتفقوا على أن حصول المعرفة بسبب الرؤية البصرية أمر ضروري، بلحاظ أن الرؤية البصرية توجب معرفة المرء بالصفات التي رؤي بها، وإن لم توجب معرفته بصفات أخرى ولكنها توجب بالضرورة معرفته بالصفات التي رؤي بها.
المقدمة الثانية: إن هناك تضاد بين المعرفة الاكتسابية والمعرفة بالرؤية، باعتبار أن المعرفة الاكتسابية هي المعرفة التي تعتمد على النظر والاستدلال وهي ليست ضرورية، بخلاف المعرفة الحاصلة بالبصر فإنها معرفة ضرورية، والمفروض أن المعرفة الحاصلة لله تعالى في الدنيا معرفة اكتسابية عن طريق الاستدلال العقلي، فإن هذه المعرفة لله تبارك وتعالى في الدنيا قائمة على أن الله تبارك وتعالى وجودٌ ليس بجسمٍ ولا متحيزٍ ولا متكيف، بينما المعرفة الحاصلة بالرؤية بالعين مساوقة لكون المرئي ذا صورةٍ متحيزةٍ مستمكنة، لأن العين لا يمكن أن ترى ما ليس بذي صورة، ولا يعقل أن ترى ما ليس في جهة، ولا يعقل أن ترى ما ليس مستمكنا في مكان، فما عُرِفَ بالعقل والنظر في الدنيا أن الله ليس بجسمٍ ولا متحيز ولا مستمكن، وما يحصل بالرؤية البصرية في الآخرة بحسب الدعوى هي معرفة ضرورية ولكنها تقتضي أن يكون المرئي ذا صورة متحيزة ومستمكنة، ومن الواضح أن المعرفتين متضادتان، أي المعرفة المعتمدة على النظر والمعرفة المعتمدة على البصر.
المقدمة الثالثة: إن الإيمان وصف لإحدى المعرفتين، يعني إما أن تكون المعرفة الأولى إيمان أو المعرفة الثانية إيمان، إذ لا يعقل اتصافهما معاً بالإيمان مع تضادهما، فالأولى تقتضي التجرد والثانية تقتضي التحيز، وبما أنهما متضادان فلا يعقل أن يكونا معاً إيماناً، فإما أن تكون الأولى إيمان أو الثانية إيمان.
المقدمة الرابعة: إن الإيمان لا يزول في الآخرة هذه مقدمة ليست برهانية لكن بضرورة الدين أن من كان مؤمنا فيه في الدنيا لا يحشر غير مؤمن، أن من كان مؤمنا في الدنيا لا يزول إيمانه في الآخرة، فإذن لا يعقل زوال الإيمان في الآخرة ولو بلحاظ ضرورة الدين، أو فقل إن الاعتقاد المطابق للواقع المستند للبرهان إنما يكون معرضا للزوال أو التغير إذا كان في الدنيا، باعتبار أن الدنيا دار تغيّر في الأحوال وتبدّل في الأطوار فمقتضى تغيرها عروض الوساوس والأفكار المختلفة على الإنسان ما دام في الدنيا، وأما الآخرة فهي دار ثبات فلا منشأ للتغيّر والتبدّل فيها، إذن فلا يتصور أن يكون الإعتقاد المطابق المستند للبرهان مما يزول في الآخرة، هذا أمر غير معقولٍ.
المقدمة الخامسة: وهي تمثل النتيجة، إن كانت المعرفة الحاصلة بالرؤية البصرية الأخروية إيمان لم تكن المعرفة الحاصلة بالبرهان في الدنيا إيمان، فلازم ذلك أن يكون الناس في الدنيا غير مؤمنين، كل الناس الذين اعتقدوا بأن الله تبارك وتعالى ليس بجسم ولا متحيز ولا متكيف ليسوا بمؤمنين، لأن المفروض أن الإيمان هو ما سيتحقق بالرؤية البصرية في الآخرة وهي كونه تعالى ذا صورة متجيّهةٍ في جهة مستمكنة في مكان، وهذا باطل بالضرورة، لا إشكال أن المؤمنين في الدنيا مؤمنون حقا هذا بلا كلام، وحينئذ إن كانت المعرفة الدنيوية هي الإيمان فإما أن تزول في الآخرة نتيجة الرؤية البصرية مثلا أو لا تزول، فإن زالت لزم من ذلك زوال الإيمان في الآخرة، وقد ثبت بضرورة الدين أن المؤمن لا يزول إيمانه في الآخرة، وإن لم تزل وبقيت لزم اجتماع الضدين، المعرفة الدنيوية التي تقتضي عدم التجسّم والتكيّف والمعرفة البصرية الأخروية التي تقتضي أن يكون في جهة وهو محالٌ، فتعين نتيجة استحالة اجتماع المعرفتين المتضادتين لزم من ذلك عدم حصول معرفة بالرؤية مضادة للمعرفة الاكتسابية التي حصل عليها المؤمن في الدنيا.
هذا هو البيان الأول الذي سيق لأن يكون توضيحا للاستدلال البرهاني في الرواية الشريفة.
نطبق هذا البيان على الرواية: أَسْأَلُهُ عَنِ الرُّؤْيَةِ وَمَا تَرْوِيهِ الْعَامَّةُ وَالْخَاصَّةُ- أن الله يرى في الآخرة- فَكَتَبَ بِخَطِّهِ: اتَّفَقَ الْجَمِيعُ لَاتَمَانُعَ بَيْنَهُمْ- يعني العقلاء متفقون على هذا- أَنَّ الْمَعْرِفَةَ مِنْ جِهَةِ الرُّؤْيَةِ ضَرُورَةٌ - المعرفة عن طريق الرؤية معرفة ضرورية، لأن المرئي يعرف بالصفات التي رؤي بها بالضرورة لا بالوهم ولا بالخيال هذا أمر ضروري- فَإِذَا جَازَ أَنْ يُرَى اللَّهُ بِالْعَيْنِ -يعني بالآخرة- وَقَعَتِ الْمَعْرِفَةُ ضَرُورَةً- يعني قطعا حصل للإنسان معرفة عن طريق الرؤية البصرية أيضا بالضرورة، هذه المقدمة الأولى.
جاء إلى المقدمة الثانية- ثُمَّ لَمْ تَخْلُ تِلْكَ الْمَعْرِفَةُ- يعني المعرفة البصرية- مِنْ أَنْ تَكُونَ إِيمَاناً أَوْ لَيْسَتْ بِإِيمَانٍ، فَإِنْ كَانَتْ تِلْكَ الْمَعْرِفَةُ- يعني البصرية- مِنْ جِهَةِ الرُّؤْيَةِ- يعني بسبب الرؤية- إِيمَاناً، فَالْمَعْرِفَةُ الَّتِي فِي دَارِ الدُّنْيَا مِنْ جِهَةِ الِاكْتِسَابِ- يعني المستند على البرهان العقلي، أن الله ليس بجسم ولا متكيّف ولا متحيز لزم أن تكون هذه المعرفة -لَيْسَتْ بِإِيمَانٍ ؛ لِأَنَّهَا ضِدُّهُ- يعني لا يعقل الجمع بين معرفةٍ تقتضي التجرّد ومعرفةٍ تقتضي التحيّز، ولازم ذلك -فَلَا يَكُونُ فِي الدُّنْيَا مُؤْمِنٌ- كنا مشتبهين- لِأَنَّهُمْ لَمْ يَرَوُا اللَّهَ عَزَّ ذِكْرُهُ- وهذا باطل بالضرورة، أن الله تبارك وتعالى لا يمكن أن يكلف الإنسان بمعرفة ليست هي إيمان، الله يكلفنا بهذه المعرفة فكيف يعقل أن تكون المعرفة المتعلقة للتكليف ليست بإيمان فلا محالة هذه المعرفة في الدنيا إيمان، هذا اللازم باطل- وَإِنْ لَمْ تَكُنْ تِلْكَ الْمَعْرِفَةُ الَّتِي مِنْ جِهَةِ الرُّؤْيَةِ إِيمَاناً- يعني الرؤية البصرية- لَمْ تَخْلُ هذِهِ الْمَعْرِفَةُ الَّتِي مِنْ جِهَةِ الِاكْتِسَابِ- يعني المعرفة الدنيوية الاكتسابية، يعني بالنظر العقلي، الآن الإنسان بعد أن حصل على المعرفة عن طريق البصر إما تلك المعرفة الاكتسابية تبقى أو تزول، تقولون- أَنْ تَزُولَ -يقول الإمام هذا اللازم باطل- وَ لَاتَزُولُ فِي الْمَعَادِ- يعني لا يمكن أن يزول الإيمان في المعاد بضرورة الدين، بما أننا قلنا أن المعرفة الاكتسابية إيمان إذن لابدّ من بقاء هذا الإيمان في الآخرة بضرورة الدين، لا يمكن أن ينمحي الإيمان الذي حشر عليه الانسان في الآخرة من قلبه، إذن لا يعقل زوالها وإذا لا يعقل زوالها وقد حصلت معرفة مضادة لها ألا وهي المعرفة البصرية لزم من ذلك اجتماع الضدين -أَنْ تَزُولَ وَ لَاتَزُولُ فِي الْمَعَادِ- وحيث لا تزول- فَهذَا دَلِيلٌ عَلى أَنَّ اللَّهَ - عَزَّ وَجَلَّ - لَايُرى بِالْعَيْنِ ؛ إِذِ الْعَيْنُ تُؤَدِّي إِلى مَا وَصَفْنَاهُ- لأنه ما دامت المعرفتان لا تجتمعان، والمعرفة الأولى لا تزول إذن يمتنع حصول الثانية إلا وهي الرؤية التي تؤدي بالضرورة إلى المعرفة، أما أن يقال المعرفة الأولى لا تزول مع حصول الرؤية، نقول الرؤية إما معرفة أو غير معرفة، إذا غير معرفة فغير معقول، وإذا معرفة كما هو بالضرورة وهذه المعرفة لا تجتمع مع الأولى إذن مقتضى تضادهما مع عدم زوال الأولى أن المعرفة البصرية لا تتحقق بل هي ممتنعة.
طبعا هذا البيان وهذا الاستدلال يمكن أن يشكل عليه بإشكال: وهو أن المسألة كلها تعتمد على المقدمة الثانية، كل هذا الاستدلال قوامه بالمقدمة الثانية وهي حكم العقل بأن الله لا يرى، لأن رؤيته تستلزم التجسّم والتحيّز، فحتى تكون هذه المعرفة مضادة للمعرفة البصرية لابدّ أن نثبّت هذه المقدمة، فيقول المستشكل هذه المقدمة إما ثابتة أو غير ثابتة.
إذا كانت هذه المقدمة ثابتة وهي حكم العقل بأن الله لا يرى، أي أن مقتضى عدم كونه جسما ولا متحيزا أن لا يرى بالرؤية البصرية، لأن الرؤية البصرية تستلزم التحيّز، إذا هذه المعرفة العقلية ثابتة فلا نحتاج لهذا الاستدلال ولا نحتاج لهذا الاستدلال كله ولانحتاج للتضاد وغيره، بمجرد أن يحكم العقل بأن مقتضى كونه تعالى ليس بجسمٍ أن لا يرى والأحكام العقلية لا تقبل التخصيص فلا فرق في ذلك بين الدنيا والآخرة، إذن مقتضى هذه المقدمة استحالة رؤيته بالبصر في الآخرة، فلا حاجة لهذا الاستدلال وأن نقول بأنه إما هذا إيمان أو ليس بإيمان، إن لم يكن إيمان هذا خلاف ضرورة الدين، إن كان إيمان إما أن يزول وهو خلاف ضرورة الدين، أو لا يزول فيلزم اجتماع الضدين، كل هذا لا نحتاجه، نفس هذه المقدمة وهي أن مقتضى كون الله ليس بجسم أن لا يرى بالرؤية البصرية هي كافية ولا نحتاج لهذا الاستدلال كله.
وإذا قلنا بأن هذه المقدمة غير ثابتة كما لم يسلّم بها مثلا بعض علماء العامة كالرازي وغيره، وإذا لا يسلّم بهذا فلا ينفعنا الاستدلال، لأن الاستدلال كله معتمد على هذه المقدمة، إذا لم يسلّم الخاص بأن المعرفة الدنيوية لا تستحيل الرؤية، صحيح أن هناك معرفة دنيوية لكن هذه المعرفة الدنيوية ليست بمعنى امتناع الرؤية كي تتنافى مع المعرفة البصرية الأخروية، فإذا لم يسلّم الخصم بهذه المقدمة انتفى التضاد وإذا انتفى التضاد انتفى استحالة اجتماعهما، وإذا انتفى استحالة الاجتماع، انتفى أن يكون بقاء المعرفة الدنيوية مقتضيا لزوال المعرفة الأخروية، يعني مقتضيا لامتناع الرؤية البصرية.
البيان الثاني: لا ريب أن المعرفة بالرؤية أكمل من المعرفة بالنظر والاستدلال، فالتفاوت بين المعرفتين بالشدة والضعف، كتفاوت الحرارة بالشدة والضعف، فإن كانت الرؤية بالعين البصرية إيماناً كانت المعرفة بالنظر إيمانا ناقصاً، ومقتضى ذلك أن يكون جميع الخلق في الدنيا ذا إيمانٍ ناقص، لماذا؟ لأنهم لم يحصلوا على الرؤية التي تقوّم الإيمان الكامل، ودعوى أن جميع من في الدنيا ذو إيمانٍ ناقص مخالف لضرورة الدين، وحينئذ هذه المعرفة الحاصلة بالنظر إما أن تزول وهو خلاف ضرورة الدين، أو لا تزول فيستحيل اجتماعها مع المعرفة الكاملة لاستحالة احتواء القلب على نوعين من المعرفة متفاوتتين في آنٍ واحد، لامتناع اجتماع تصديقين تصديقٍ بدرجة وتصديقٍ بدرجة أخرى مع تفاوتهما بالشدة والضعف.
طبعا هذا البيان الثاني أيضاً محل إشكال: لأن الخصم يدعي تكامل المعرفة، صحيح أن المعرفة لله تعالى ذات مراتب، مرتبة في الدنيا وتتكامل بالآخرة، كان هناك مقدار من المعرفة للباري تعالى بالدنيا وبالمعرفة البصرية تكاملت وتحولت من معرفة كسبية إلى معرفة ضرورية، والممتنع بقاء الأولى بحدها يعني بما هي ناقصة، وأما تكاملها واشتدادها وتحولها إلى المعرفة الضرورية فليس أمرا ممتنعاً.
فإن قلت: لازم ذلك أن يكون الإيمان في الدنيا إيماناً ناقصاً.
نقول: لامانع في ذلك، نظير الأمور الأخرى أليس الإنسان في الدنيا مؤمناً بالموت وما بعد الموت وبالآخرة ومنازلها ومواقعها من الحشر والصراط والميزان والحساب والجنة والنار كل هذا يؤمن به في الدنيا، لكنه إذا رآه بالآخرة سوف تتكامل معرفته التي في الدنيا وتتحول إلى معرفة ضرورية، فليكن معرفته بالله تبارك وتعالى من هذا القبيل كسائر المعارف.
وبالنتيجة لا مانع من دعوى تكامل المعرفة، فلو أن الخصم ردَّ هذا الاستدلال وقال هناك معرفة في الدنيا وهي ناقصة، وهناك معرفة عن طريق الرؤية البصرية وهي كاملة، وإذا تحققت الثانية زال حد الأولى لتكاملها بالثانية، فلا يمنع من ذلك ولا يلزم أي محذور، لا محذور عقلي ولا محذور مخالفة ضرورة الدين، لم نقل أن الإنسان يحشر بلا إيمان بل يحشر بإيمان لكن بدرجة من الإيمان تتكامل مع الرؤية الأخروية، ولم نقل بأن المعرفة الأولى زالت من أصلها بل قلنا زالت بحدها، يعني زال الحد واكتملت بالمعرفة الثانية وهذا أيضا لا يلزم منه محذور وهو محذور مخالفة ضرورة الدين
إذن ما هو المنظور في استدلال الإمام الرضا صلوات الله وسلامه عليه في هذه الرواية الشريفة؟
يأتي الكلام عنها إن شاء الله تعالى.
تقرير بحث العقائد لسماحة الأستاذ السيد منير الخباز (حفظه الله تعالى).
(الدرس ٢٧) أصول الكافي/كتاب التوحيد/ بَابٌ فِي إِبْطَالِ الرُّؤْيَةِ..................................الأربعاء ٢٠ ذو القعدة ١٤٤٥