تواجه الحكومة العراقية "موقفاً صعباً" في كيفية إدارة أزمة الحرب في قطاع غزة وتداعياتها على منطقة الشرق الأوسط عموماً والعراق خصوصاً، فيما يرى مراقبون أن الحكومة برئاسة محمد شياع السوداني، استطاعت أن تلعب دوراً مفّصلياً وسياسياً من الطراز الرفيع لما يدور بالمنطقة من تحديات، من خلال مسك العصا من الوسط، والتحكم بهذا الملف.
***
وأعلن السوداني موقف العراق صراحة من حرب غزة في مناسبات عديدة، وبالوقت نفسه تحدث مع الكثير من الدول في سبيل إيقاف الحرب وتخليص المدنيين من الهجمات الإسرائيلية اليومية على القطاع، وفق مدير مركز "الرفد" للإعلام والدراسات الإستراتيجية، عباس الجبوري.
ثقل العراق الدولي
ويوضح الجبوري أن "العراق دائماً ما كان ينأى بنفسه عن سياسة المحاور، لكن اليوم، العراق له ثقله ومكانته الدولية، لذلك لا بد وأن يخلق حالة من التوازن وفق المعطيات الموجودة والتحديات التي تحيط بالمنطقة، خاصة بعد حرب غزة وتداعياتها".
ويؤكد، أن "رئيس الحكومة محمد شياع السوداني استطاع خلال الأيام السابقة، أن يربط علاقاته بالكثير من الدول التي جاءت إلى العراق أو التي سافر إليها، وكان يدير حواراً كبيراً لنزع فتيل الأزمة والمحافظة على الهدوء في المنطقة، لأن العراق جزءاً لا يتجزء من هذه المنطقة التي بأمنها يأمن العراق".
ولا يخفي الجبوري وجود الصعاب، قائلاً إن "هناك تحديات كبيرة تواجه السوداني، لكن الأخير ومن خلال قراءته للمشهد السياسي المرتبط بالمشهدين الإقليمي والدولي، استطاع أن يوفر جزءاً من الهدوء للمنطقة، وأن يفرض وجود العراق ليكون لاعباً أساسياً في ما يدور بالمنطقة من تحديات".
وضع صعب
وهذا ما يؤكد عليه أيضاً عضو لجنة الأمن والدفاع النيابية، والقيادي السابق في الحشد الشعبي، وعد القدو، بإن "الحكومة العراقية تواجه وضعاً صعباً في كيفية إدارة الأزمة التي عصفت بقطاع غزة وانعكاساتها السلبية على منطقة الشرق الأوسط عموماً والعراق خصوصاً، على اعتبار أن محور المقاومة اليوم، لا يقتصر على العراق، بل يشمل بلاد المسلمين جميعها".
ويضيف القدو أن "كل البلدان الإسلامية عليهم الاتفاق اليوم على وحدة الكلمة، والوقوف بوجه هذا الاعتداء الغاشم الذي حصل ويحصل في قطاع غزة من قبل الكيان الإسرائيلي".
ويتابع أن "أميركا مما لا شك فيه، تقف وتدعم الاعتداءات على فلسطين، لذلك على محور المقاومة التحرك وبقوّة للضغط على الاحتلال الأميركي وعلى قواعده المنتشرة في الشرق الأوسط، خاصة في العراق وسوريا".
ويؤكد أن "موقف محور المقاومة من القضية الفلسطينية مشرّف وندعمه، فلا يمكن السكوت على ما يقوم به الاحتلال الأميركي من الدعم اللا محدود للكيان الإسرائيلي بقتل الشعب الفلسطيني الأعزل، وإن المقاومة حق مشروع لكل شعب يشعر بالظلم والاضطهاد والاحتلال لأرضه".
ويرى القدو، أن "السوداني رجل كيّس ودبلوماسي، ونجح بالكثير من الملفات منذ توليه السلطة، وسوف يكون على قدر من المسؤولية في الدفاع عن الشعب الفلسطيني، كما أن السوداني تربطه علاقة طيبة مع محور المقاومة الإسلامية، وفي الوقت نفسه، لديه علاقات جيدة مع باقي الأطراف، مما يعطيه عنصر المبادرة والقوّة في هكذا ملف".
دور مفصلي
من جهته، يقول القيادي في ائتلاف دولة القانون، الشيخ حيدر اللامي، إن "الحكومة العراقية تلعب دوراً مفصلياً وحقيقياً وسياسياً من الطراز الرفيع، من خلال الدور الإيجابي تجاه الاعتداء الإجرامي على غزة".
ويضيف اللامي أن "العراق لعب دوراً إيجابياً بإن يكون الطرف والمعادلة الأهم في المنطقة، من خلال حواره مع أميركا التي تقود هذه الجيوش وكذلك من خلال علاقته بمحور المقاومة".
ويتابع "وهذا ما ظهر عندما زار وزير الخارجية الأميركي بغداد ليلاً من أجل التحاور، وبعدها بساعات غادر السوداني صباحاً إلى الجمهورية الإسلامية للقاء المرشد الإيراني الأعلى علي خامنئي لمناقشة أحداث غزة والمنطقة".
ويوضح اللامي، أن "العراق يمسك العصا من الوسط، رغم صعوبة ذلك بسبب كون هذه العصا غليظة من جهة ورفيعة من جهة أخرى، ولكن لا تزال الحكومة العراقية متحكّمة بهذا الملف".
وفيما يتعلق باستهداف القواعد الأميركية، يبيّن اللامي، أن "الهجوم ضد هذه القواعد من قبل المقاومة العراقية يعود لعدم التزام الأميركيين بالاتفاقية الأمنية التي أُبرمت مع العراق عام 2008، ونُفذت في 2011".
ويشرح، أن "هذه الاتفاقية جاء من ضمن بنودها، أن لا تكون القواعد الأميركية الموجودة على الأراضي العراقية مصدراً لأذية العراق أو للاعتداء على دول الجوار، لكن صرّح قائد الجيش الأميركي بمنطقة الشرق الأوسط من تل أبيب، بأن قواتنا متواجدة في قاعدة عين الأسد بحدود الألفين، وهناك إمدادات تأتي من قاعدتي حرير وبلد".
ويكمل "لذلك، أصبحت هذه القواعد مصدراً للشّر، وهذا مخالف للاتفاقية الأمنية، وعلى أميركا أن تلتزم بجميع البنود التي أبرمتها مع العراق كون العراق وأميركا ليس بينهم عقد إذعان، بل كان عقد معاهدة وشراكة واتفاقات".
ويدعو اللامي في ختام حديثه "الحكومة العراقية إلى ضبط هذه القواعد وأن توضح للأميركيين أن هناك بنود يجب أن تلتزم بها أميركا، كون القواعد الأميركية ينبغي أن لا تكون مصدراً للشّر للعراق وللعراقيين والمنطقة، وإن المتواجدين على الأراضي العراقية هم مستشارون فقط، وليسوا قوّات مُقاتلة".