مخطىء من يعتقد أن شعوب العالم
الغربي لا تدرك الحقيقة، حقيقة اسرائيل وحقيقة العالم العربي، وهي
حقيقة تختلف عن الحقيقة كما نفهمها نحن.
إنهم فقط لا يكترثون إلا بالمقدار الذي يمكن لهم أن يكترثوا. وهذا يعني أن الأشخاص المؤثرين في العالم العربي يعتقدون أنهم يؤثرون في شعوب العالم الغربي عن طريق محاورتهم وتعليمهم وتثقيفهم بالشؤون المصيرية المهمة للشعوب العربية. في حين أن جعلهم يكترثون لأمرنا لا يأتي إلا من خلال الفهم العميق للحضارة الغربية التي في كل مظاهرها تدعو إلى التسامح مع الآخر، إلا أنها لا تأتي إلا من عقلية فوقية، استعمارية حتى وإن كان ذلك في اللاشعور.
ولذلك، فنحن لم نذق طعم الحرية بعد الإستقلال لأننا دائمًا ننظر إلى الغرب، فما يعتمده ويجيزه ويمنعه، وفيما يحلله ويحرمه.
لقد كانت الشعوب الغربية شاهدة على المحرقة اليهودية في أوروبا المسماة بالهولوكوست في الأربعينيات من القرن الماضي، والتي كان من نتائجها زرع دولة إسرائيل في قلب العالم العربي، لأن الحكومات الأوروبية آنذاك أرادت أن ترضي ضميرها على حساب الشعوب العربية وبخاصة الشعب الفلسطيني وتتخلص من عقدة الذنب تجاه الضحايا اليهود من جهة، كما أنها أرادت أن تتخلص من اليهود المتواجدين عندها من جهة ثانية من خلال إقامة دولة لليهود في العالم داخل فلسطين وبذلك تكون الدول الغربية قد صدرت هذه الأزمة إلى العالم العربي على أساس وعد بلفور الذي صدر عن الحكومة البريطانية في عام 1917 والذي ينص على منح ارض بلا شعب لشعب بلا أرض. ولم تكتف الدول الغربية بإطلاق هذه الكذبة بل صدقتها أيضًا وتبنت هذه الرؤية التي أصبحت من الثوابت.
المطامع الغربية في العالم العربي معروفة لدينا، فالعالم العربي يتوسط آسيا وشمال إفريقيا رابطًا الشرق بالغرب والشمال بالجنوب والعالم العربي هو مهد الثقافات والحضارات التي بدونها يشعر الغرب، إن لم نقل العالم برمته بالضياع، وفلسطين بالذات ذات أهمية كبرى للديانة المسيحية التي يدين بها العالم الغربي ونحن نعي أن المسيحيين يؤمنون بالديانة اليهودية ولا يؤمنون بالإسلام الذي جاء بعدهما من داخل الجزيرة العربية. والغرب يرى أن امتداده التاريخي يرتبط بالعالم العربي الذي كان يدين بالمسيحية قبل مجيىء الإسلام. بل أنه يعتقد أن حضاراته مبنية على الحضارات التي سبقت وجود المسيحية في المنطقة العربية كذلك.
العالم الغربي وشعوبه لا يكترثان لنا حتى إن وجدنا بعض المناهضين لسياسة بلدانهم وهم يآزرون القضية الفلسطينية من باب تسجيل المواقف ومن باب نشر الوعي تجاه الحقيقة. في المحصلة النهائية، علينا أن نسأل السؤال التالي؛ هل يستطيع المؤثرون الغربيون تغيير سياسات بلدانهم التي تشن هجمة شرسة ضد الفلسطينيين؟ الجواب بالمختصر هو لا وهنا نحن نستند إلى الوقائع. ملايين المتظاهرين خرجوا إلى الشوارع ضد حرب العراق قبل أكثر من عشرين عامًا ولكنها لم تؤثر على الحكومات التي احتلت العراق وخلعت الرئيس العراقي صدام حسين.
صناع القرار العربي يتعرضون الآن للضغط، كما في كل مرة حين تشتد الأزمات من جهتين، فهم بين المطرقة والسندان. من جهة، الدول الغربية تدعم أواصر التطبيع مع إسرائيل ومن جهة ثانية من قبل الشعوب العربية التي تطالب بالمواجهة السياسية والعسكرية لدعم القضية المركزية في العالم العربي وهي القضية الفلسطينية.
إن استجداء الولايات المتحدة التي قضت على الهنود الحمر في موطنهم الأصلي هو من العبث بمكان لأنه كما شاهدنا بأم أعيننا مدى استعدادها لدعم دولة إسرائيل اليهودية الصهيونية التي تقوم على نفس المبدأ الأمريكي والغربي. وعلينا أن نفهم أن الغرب لا يرحب بهجرة اليهود الإسرائيليين إلى البلدان التي أتوا منها، فهم من رحلوهم إلى الشرق الأوسط في المقام الأول كي يتخلصوا من عبئهم وبكائهم المستمر بسبب المحرقة. والمجتمعات الغربية تعي جيدًا أن إسرائيل تمارس ضد الفلسطينيين والعرب ما تعرض له اليهود من إبادة جماعية وتطهير عرقي في أوروبا وعلى أيدي الأوروبيين. والشعوب الغربية تعلم أن الضحية الإسرائيلية، التي جاءت من العرب، قد تحولت إلى جلاد نازي يودي بالفلسطينيين إلى المحرقة.
ما علينا فعله هو التوجه إلى قادتنا والتأثير في صناع القرار العربي لأنه لا الولايات المتحدة الأمريكية ولا حلفائها سيجدون حلاً ناجعًا للقضية الفلسطينية. وفيما تشكو الشعوب العربية من اتباع حكوماتها للغرب، علينا أن نعرف أن العالم العربي مستهدف بشعوبه وقياداته وأن من يعطي الشرعية للقادة وصناع القرار هي الشعوب العربية الحية التي أثبتت وجودها. وبعدها لا يهمنا ما ينشره المتضامنون الغربيون على مواقع التواصل الإجتماعي من تأييد أو استنكار، فهذا ليس دورهم وإنما دورنا نحن العرب أن نحل مشاكلنا بأيدينا من خلال الوحدة شعوبًا وحكومات وقيادات لأنه ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان وإنما في استعادة الكرامة والوجود العربي الحقيقي الذي يمثل رغبة الشعوب من المحيط إلى الخليج.