قبل أيام بدأ ولي العهد السعودي،
محمد بن سلمان، الترويج لقضية التطبيع خلال لقاء متلفز. تكلم "إم بي
إس" بصراحة عن اقتراب السعودية من تطبيع العلاقات مع إسرائيل. أراد
بن سلمان، من خلال تصريحاته المفاجئة، تهيئة الشعب السعودي للأمر.
مما ساقه كمبرر، القول إن إسرائيل دولة مهمة في المنطقة، ومن المهم
أن تكون للسعودية علاقة معها. صحيح أن هناك دفع أمريكي باتجاه تطبيع
العلاقات بين السعودية والكيان، إلا أن الهرولة السعودية باتجاهه
هدفها عسكري وأمني بدرجة رئيسية. تعتقد الأنظمة الانهزامية أن
إسرائيل دولة عصية على الكسر عسكريا. للسبب ذاته، طبعت دولة
الإمارات العربية المتحدة علاقاتها مع إسرائيل قبل
أعوام.
بينما كان بن سلمان يعتقد أن الشعب السعودي شبه مهيئ لتمرير خيانة التطبيع، استيقظ العالم على عملية أمنية وعسكرية غير مسبوقة لقلة من المقاومين الفلسطينيين. العملية لم تظهر هشاشة جيش إسرائيل وأجهزتها الأمنية والاستخباراتية فقط، وإنما نجحت أيضا في الحيلولة دون قيام إسرائيل بردة فعل عنيفة لاستعادة هيبة جيشها المزعومة، لعدة أسباب، أولها أن العملية كبيرة، وتجعل إسرائيل حذرة في اتخاذ أية ردة فعل غير محسوبة، وثانيها أن لدى المقاومة عددا هائلا من الأسرى.
المهم في الأمر، هو أن العملية حظيت بتفاعل عربي وإسلامي غير مسبوق. من دون استثناء تفاعلت الشعوب العربية والإسلامية مع العملية، وكانت ـ ومازالت إلى اليوم ـ حديث مواقع التواصل الاجتماعي. كان التفاعل الشعبي السعودي واضحا أيضا. وهو رد غير مباشر على الهرولة باتجاه التطبيع تحت مبرر أن إسرائيل دولة مهمة في المنطقة. ربما يحتاج بن سلمان إلى وقت أطول، وإلى مبررات جديدة للترويج لأطروحة التطبيع بعد عملية طوفان الأقصى.
مقصود:
قد يكون توقيت العملية مقصودا، على اعتبار أن التوصل إلى اتفاق ثلاثي بين أمريكا والسعودية وإسرائيل على التطبيع، يعد تحولا هاما وغير مسبوق، وله تبعاته الكارثية على القضية الفلسطينية تحديدا. يمكن القول إن حماس وإن لم تنجح في الحيلولة دون إبرام هذا الاتفاق، إلا أنها نجحت وبشكل كبير في تأجيله، وأيضا في تجريده من مبرراته التي يسوقها أنصاره. وضعت حماس الشعوب العربية أمام حقيقة مهمة مفادها أن الجيش الاحتلال يمكن أن يُهزم بقلة من المقاومين الصادقين وبإمكانات متواضعة، مقارنة بما لدى العدو من إمكانات.
يمكن القول إن الضربة التي وجهتها المقاومة الفلسطينية للأنظمة المطبعة والتي تعتزم التطبيع، كان أقسى من الضربة التي وجهتها لإسرائيل. مع ذلك، كانت العملية مهينة للكيان. العملية لم تكن مباغتة إن وضعنا في الاعتبار الأحاديث والتحذيرات التي سبقتها عن انتفاضة ثالثة، ومع ذلك تفاجأت إسرائيل بالهجوم الذي أثبت فشلا ذريعا في الجانب الاستخباراتي.
في تعليقها على العملية الأخيرة، قالت صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية: "من الصعب أن نتصور أن محادثات السلام السعودية الإسرائيلية تحقق تقدماً كبيراً في الوقت الذي تواجه فيه إسرائيل أسوأ هجوم مفاجئ تعرضت له منذ حرب أوكتوبر".