السبت 18 شوّال 1445هـ 27 أبريل 2024
موقع كلمة الإخباري
أزمة منصب رئيس السلطة التشريعية في بوصلة المرجعية
حسن الهاشمي - كاتب وصحفي عراقي
أزمة منصب رئيس السلطة التشريعية في بوصلة المرجعية
2024 / 03 / 26
0

لا زالت النزاهة والكفاءة والولاء للوطن هي مقومات حضارية لبناء البلاد واصلاح العباد في النظم الديمقراطية الحقيقية، ولو ان العراق ومنذ سقوط الصنم سار على هذا المنوال كما طالبت به المرجعية الدينية العليا؛ لما شاهدنا كل تلك الانتكاسات في العملية السياسية، فالمحاصصة والتوافق والولاءات الخارجية المشبوهة هي التي مزّقت أوصال البلاد وبدّدت ثرواته وعرقلت مشاريعه وقوّضت أحلامه في العيش الرغيد والوطن السعيد والحكم الرشيد.  

المؤسسات الدستورية في الدول المتحضرة عادة ما تقوم بأدوارها خدمة للصالح العام ولمصلحة البلاد العليا، فالبرلمان العراقي هو هيئة تشريعية تمثل أعلى سلطة رقابية في البلاد كما في بقية الدول الدستورية، حيث يكون مختصا بحسب الأصل بجميع ممارسات السلطة التشريعية وفقا لمبدأ الفصل بين السلطات، ومن مهام رئيس مجلس النواب العمل على تطبيق الدستور والقوانين التي تصبّ في صالح البلاد واسعاد المجتمع، كما جاء في دستور جمهورية العراق لعام 2005 المادة 48 والمادة 65. ولو كان مبدأ النزاهة حاكما في العراق بعيدا عن مبدأ التوافق، لما شاهدنا قلة الخدمات وتبديد الثروات في جميع مرافق الحياة، ولما شاهدنا كل هذا التلكؤ في العملية السياسية ومن ضمنه خلوّ العراق من رئيس البرلمان منذ أكثر من أربعة أشهر، في حين ان الدول المتطورة تجتاز تلك الأزمات الحاصلة خلال ايام قلائل، ان لم نقل خلال ساعات.  

وقبل التطرق الى هذه المفردة التي هي من نتاج سياسة المحاصصة المقيتة لا بأس من استحضار الماضي الذي كنّا نأمل ان لا يعود الينا بثوب جديد وبأطوار متعددة، فبالرغم من اننا قد استبشرنا خيرا بسقوط الصنم في 9/4/2003م اذ طوينا حقبة مظلمة من تاريخ العراق القديم والمعاصر، وتخلّصنا من خلالها من حقب الديكتاتورية والظلم والتبعية والفساد على مدى قرون متمادية، وكنّا نحلم بنظام ديمقراطي يلبّي طموح الأكثرية ويحفظ حقوق الأقليات في العيش المشترك الآمن في بيئة تسودها الوئام والرفاه والتقدّم، ولكنّ الآلية التي تشكّلت من خلالها مجلس الحكم كرّست المحاصصة والطائفية، وبقينا نكتوي بنارها الى يومنا هذا، وطفقنا بين أن نصول بيد جذّاء مقابل أحزاب مدججة بالسلاح، أو نصبر على طخية عمياء يهرم فيها الكبير، ويشيب فيها الصغير، من كثرة المظالم والمفاسد المتفشّية في حقبة ما بعد السقوط، وبقينا نكدح حتى نغيّر الواقع سلميّا أو نلقى الله تعالى، فرأينا أن الصبر على هاتا أحجى، فصبرنا وفي العين قذى، وفي الحلق شجا، نرى تراثنا نهبا.

استمرت مرحلة المواجهة بين الأحزاب الحاكمة والشعب المغلوب على أمره، بين المد والجزر، بين المواجهة والصبر والنصيحة، بيد ان الطبقة الحاكمة قد تمادت في غيّها ولم تلبّ حتى أبسط حقوق المواطنة في العيش الآمن والكريم في بلد يعدّ من أغنى دول العالم، لما يمتلك من الخيرات والنعم الإلهية والطاقات البشرية المبدعة التي حظي بها من بين بلدان العالم الأخرى، حتى ان المرجعية الرشيدة قد بحّ صوتها ـ على حد تعبيرها ـ من كثرة النداءات والتوجيهات بضرورة تقديم الخدمات والنهوض بالبلد حضاريا، ولكنها لم تلق آذانا صاغية ولا حياة لمن تنادي. 

سياسة الاهمال وترحيل الازمات وافتعالها التي مارستها معظم الكتل السياسية بعد السقوط، ما حدى بالشعب ان ينفض عنه غبار الترهّل والكسل وينتفض فيما عرف فيما بعد بانتفاضة تشرين عام 2019م لتغيير الواقع الفاسد الذي كان يكتنفه، وقدّم المئات من الشهداء والآلاف من الجرحى على طريق الحرية والكرامة والاستقلال، أدّت الى سقوط حكومة عادل عبد المهدي وتشكيل حكومة مؤقتة لحين اجراء انتخابات، بقانون انتخابي عادل وبمفوضية مستقلة تضمن أصوات وحقوق الشعب المغلوب على أمره، وهنا نورد بيان مكتب سماحة السيد السيستاني (دام ظلّه) حول الانتخابات النيابية التي اعقبت الحكومة الانتقالية بعد الانتفاضة، التي فيها من الدروس والعبر اذا ما تم تبنّيها لسيقينا ماء غدقا ولأصبحنا من أسعد الشعوب وأرقى الحضارات، ولكن نردد ما قاله الشاعر: وما نيل المطالب بالتمني*** ولكن تؤخذ الدنيا غلابا؟!

 بسم الله الرحمن الرحيم

إن المرجعية الدينية العليا تشجّع الجميع على المشاركة الواعية والمسؤولة في الانتخابات القادمة، فإنها وإن كانت لا تخلو من بعض النواقص، ولكنها تبقى هي الطريق الأسلم للعبور بالبلد الى مستقبل يرجى أن يكون أفضل مما مضى، وبها يتفادى خطر الوقوع في مهاوي الفوضى والانسداد السياسي.

وعلى الناخبين الكرام أن يأخذوا العِبَر والدروس من التجارب الماضية ويعوا قيمة أصواتهم ودورها المهم في رسم مستقبل البلد، فيستغلوا هذه الفرصة المهمة لإحداث تغيير حقيقي في ادارة الدولة وإبعاد الأيادي الفاسدة وغير الكفوءة عن مفاصلها الرئيسة، وهو أمر ممكن إن تكاتف الواعون وشاركوا في التصويت بصورة فاعلة وأحسنوا الاختيار، وبخلاف ذلك فسوف تتكرر اخفاقات المجالس النيابية السابقة والحكومات المنبثقة عنها، ولات حين مندم. 

والمرجعية الدينية العليا تؤكد اليوم ما صرّحت بمثله قبيل الانتخابات الماضية من أنها لا تساند أيّ مرشح أو قائمة انتخابية على الاطلاق، وأن الأمر كله متروك لقناعة الناخبين وما تستقر عليه آراؤهم.

ولكنها تؤكد عليهم بأن يدقّقوا في سِيَر المرشحين في دوائرهم الانتخابية ولا ينتخبوا منهم الا الصالح النزيه، الحريص على سيادة العراق وأمنه وازدهاره، المؤتمن على قيمه الأصيلة ومصالحه العليا، وحذار أن يمكّنوا أشخاصاً غير أكفاء أو متورطين بالفساد أو أطرافاً لا تؤمن بثوابت الشعب العراقي الكريم أو تعمل خارج إطار الدستور من شغل مقاعد مجلس النواب، لما في ذلك من مخاطر كبيرة على مستقبل البلد.

كما تؤكد المرجعية على القائمين بأمر الانتخابات أن يعملوا على اجرائها في أجواء مطمئنة بعيدة عن التأثيرات الجانبية للمال او السلاح غير القانوني أو التدخلات الخارجية، وأن يراعوا نزاهتها ويحافظوا على أصوات الناخبين فإنها أمانة في أعناقهم. والله وليّ التوفيق. (21/صفر/1443هـ) ـــ (2021/9/29م) مكتب السيد السيستاني (دام ظله) ـ النجف الأشرف ـ موقع مكتب سماحة المرجع الديني الأعلى السيد علي الحسيني السيستاني.

بعد الشد والجذب والمهاترات والمشاحنات والمواجهات تشكّلت حكومة محمد شياع السوداني من قبل تحالف ادارة الدولة، الذي رشّحه الإطار التنسيقي وصوّت له مجلس النواب واختاره يوم 13 تشرين الأول سنة 2022م وشكّلَ حكومتَه، فنالت ثقةَ مجلس النواب في 27 تشرين الأول سنة 2022م بعد مضي سنة عسيرة على الانتخابات النيابية في العراق، بدون تشكيل حكومة وانسحاب الكتلة الصدرية التي كانت أكبر الكتل.

وكانت المحكمة الاتحادية العليا قد قررت في الرابع عشر من تشرين الثاني 2023م إنهاء عضوية رئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي على خلفية قضية رفعها ضده النائب ليث الدليمي اتهمها فيها بتزوير استقالته، لينتهي الحكم بإنهاء عضوية رئيس مجلس النواب، ومنذ أكثر من أربعة أشهر ومجلس النواب العراقي خال من الرئيس، اذ تشهد القوى السنية، خلافات كثيرة وحادة، من بينها انشقاق مثنى السامرائي، عن تحالف عزم بقيادة خميس الخنجر، وتشكيله تحالف العزم الذي ضم 15 نائبا، عندما قرر الخنجر التحالف مع حزب تقدم بقيادة الحلبوسي وتشكيل تحالف السيادة، وهو ما رفضه السامرائي، وانضم للإطار التنسيقي.

ويحتاج التصويت على رئيس مجلس النواب، لنصاب النصف زائد واحد، من عدد مقاعد البرلمان، وهو ما لا تمتلكه القوى السنية، حيث يكون العدد 166 نائبا، كما لا يملك حزب تقدم صاحب أغلبية المقاعد السنية، سوى نحو 35 مقعدا.

وأخفق البرلمان في أربع محاولات لانتخاب بديل للحلبوسي بسبب عدم التوافق على مرشح واحد، حيث تواصل الكتل السُنّية الثلاث، "تقدم" و"السيادة" و"العزم"، التمسك بمرشحيها وهم: شعلان الكريم "تقدم"، سالم العيساوي "السيادة"، ومحمود المشهداني "العزم"، فيما يصر الإطار التنسيقي على ترشيح شخصيات جديدة أو الإبقاء على محسن المندلاوي، النائب الأول لرئيس البرلمان رئيسا بالوكالة.

عادة في الدول الديمقراطية المستقرة والقوية تتشكل فيها مجالس النواب والحكومات في غضون ساعات أو أيام قلائل بعيد الانتخابات، أما في العراق فان مجلس النواب والحكومة تتشكل بعد مخاض عسير يستمر لأشهر عديدة، ربما يعكس الحالة المرضية التي تنتاب العملية السياسية في العراق فيما بعد التغيير والتي ينبغي تغييرها، وإلا نبقى نراوح مكاننا اذا لم ننتكس نحو الأسوأ في قادم الأيام، وخلوّ مجلس النواب من رئيس يعكس مدى التخبّط الذي تعيشه العملية السياسية في البلاد برمتها، وهي بعيدة كل البعد عن بوصلة المرجعية التي فيها خلاصنا وخلاص العملية السياسية العرجاء من المأزق التي وضعت نفسها فيه، وان هذا التخبّط ناتج عن الاخفاقات الخمسة التالية:

1ـ بسبب انعدام الثقة بالعملية السياسية برمتها اننا نشاهد احجام المشاركة الشعبية في الانتخابات البرلمانية الأخيرة التي فاقت 80 في المائة؛ مما حدى بالمشاركة الفاعلة لجماهير الأحزاب الفاسدة وتشكيلها البرلمانات بأغلبية مريحة والحكومات المتمخضة عنها، التي تفرز حكومات محاصصة لا تقوى القوى الوطنية الضعيفة عن منافستها وعرقلة مشاريعها المشبوهة.

2ـ العملية السياسية في البلاد قائمة على أساس انتهاج سياسة المحاصصة والطائفية في توزيع المناصب العليا بعيدا عن الكفاءة والنزاهة والولاء للوطن لا غير، وادت هذه السياسة الى تبوأ معظم المراكز المتقدمة في البلاد من قبل المتزلفين؛ لتمرير مخططاتهم المشبوهة في ظل دولة ضعيفة مفككة تابعة لأجندات خارجية مقيتة.

3ـ كثرة الأحزاب والكتل السياسية المشتركة في الانتخابات والتي تصل الى اكثر من 200 حزب حسب احصاءات مفوضية الانتخابات، خلافا لما هو موجود في الدول المستقرة التي عادة ما تجري المنافسة بين أحزاب لا تتعدى أصابع اليد الواحدة على أكثر تقدير، وهذا ما يؤدي الى تشظي الموقف السياسي نظرا لتشظي الميول والاهداف الخارجية والداخلية للأحزاب المشتركة في الانتخابات.

4ـ سيطرة الاحزاب الكبيرة والمتنفذة على المال والسلاح والاعلام والمناصب التي عادة ما تقوم بشراء الضمائر والذمم من أصحاب النفوس الضعيفة، وعدم مقدرة الأحزاب الوطنية المخلصة من منافستها، لإمكاناتها المحدودة في نطاق الحملات الانتخابية المحلية والنيابية على حد سواء.

5ـ نظرا لاشتراك معظم الكتل السياسية في عمليات الفساد الممنهج، بات من المتعارف انتهاج سياسة التغطية على التطاول على بيت المال بعناوين مختلفة من باب "أتغاضى عنك مقابل أن تتغاضى عني" وهي أسوأ حالات الفساد تمارسها أحزاب فاسدة في تجربة ديمقراطية فتية، تشوّه سمعتها وتقوّض أعمدتها وتستقوي بها أطراف خارجية على حساب المصلحة العامة للبلاد.

وفي المقابل ثمة خطوات خمسة اذا ما قررت الجماهير الواعية والاحزاب المخلصة تبنّيها، فإنها البلسم الشافي والوافي لوقف النزف العراقي الهادر منذ أكثر من عشرين عاما وهذه الخطوات هي:

1ـ الديمقراطية والتداول السلمي للسلطة هي السبيل الوحيد لتفادي الوقوع في مهاوي الفوضى والانسداد السياسي، ونقصد بالديمقراطية تلك التي تكون قائمة على أساس الكفاءة والنزاهة لا التوافق والعمالة.

2ـ المشاركة الواعية والمسؤولة في الانتخابات النيابية والمحلية من قبل جميع الذين يحق لهم الاشتراك في الاقتراع العام، ووضع الانسان المناسب في المكان المناسب بغض النظر عن قوميته وطائفته وحتى ديانته، فتقديم الخدمات والارتقاء بالوطن ليس له علاقة بالتديّن الظاهري الخادع بقدر ما له علاقة بالإخلاص في العمل والولاء للوطن، الموجود في المتديّن الحقيقي وغيره. 

3ـ حسن الاختيار بانتخاب الصالح النزيه الحريص على سيادة العراق وامنه وازدهاره، المؤتمن على قيمه الأصيلة ومصالحه العليا، وابعاد الأيادي الفاسدة وغير الكفوءة عن مفاصل الدولة، وبخلافه تتكرر اخفاقات المجالس النيابية السابقة والحكومات المنبثقة عنها، ولات حين مندم.

4ـ اجراء الانتخابات في اجواء مطمئنة بعيدة عن التأثيرات الجانبية للمال أو السلاح غير القانوني والتدخلات الخارجية، وتوفير فرص المشاركة في الدعاية الانتخابية والافصاح عن البرامج السياسية في وسائل الاعلام المختلفة بشكل عادل بين الجميع. 

5ـ المرجعية الدينية العليا هي بحق صمام أمان للشعب العراقي، وشهد بذلك العدو قبل الصديق، والكردي والسني الصادق المستقل المنصف قبل الشيعي، وهي بذلك تقف على مسافة واحدة من الجميع، ومواقفها تشهد أنها بعيدة كل البعد عن المحاصصة والطائفية والتبعية، وكل ما تتمناه الارتقاء في خدمة المواطن وتطوير البلد في ظل الكرامة والقيم والفضائل بأيدي أبنائه المخلصين، بعيدا عن التدخلات الخارجية والداخلية المريبة. 

التعليقات