السبت 18 شوّال 1445هـ 27 أبريل 2024
موقع كلمة الإخباري
فوق مدار السرطان.. رحيل الشيخ هادي الشيخ طه
ليث الكربلائي
فوق مدار السرطان.. رحيل الشيخ هادي الشيخ طه
2024 / 02 / 16
0

توفي في يوم أمس صاحب هذه المذكّرات، الشيخ هادي الشيخ طه السامرائي عن عمر ناهز 51 سنة، وقد كان إنساناً عصامياً قليل النظير من حيث كثرة الابتلاءات ومن حيث الجدّ والاجتهاد أيضاً.

فمن ابتلاءاته أنّه كان مصاباً منذ طفولته (من مواليد سامراء سنة 1973) بمرض ضمور العضلات الذي أقعده وهو في عنفوان شبابه على كرسيّ متحرّك، وما كان بإمكانه التحكّم بأصابع يديه سوى خنصرٍ يعوّل عليه في التشبّث بالقلم!!

والذي زاد معاناته أنّ المرض قد انتقل بالوراثة إلى جميع أولاده باستثناء بنت واحدة، ومع ذلك حرص على تربيتهم تربية صحيحة توقظ مواهبهم التي تغلّبوا بها على كآبة المرض فتجدهم -بالإضافة إلى تفوّقهم الدراسي- بين شاعر شعبي موهوب وبين رسّام مبدع و... على الرغم من مرضهم المزمن.

وفي عام 2017 شاءت الأقدار أن يُفجَع الشيخ هادي بولده الأكبر الشاعر الموهوب حسن حيث كان أحد شهداء التفجير الإرهابي في مطعم فدك في الناصرية أثناء عودته من رحلة لعلاج مرض ضمور العضلات الذي ورثه من والده.

وفي عام 2021 أصيب الشيخ هادي بمرض السرطان وكان الورم في الرأس ضاغطاً على العصب البصري، ومن ثمّ في آخر حياته فقد بصره.

مع كلّ هذا كان الشيخ هادي:

1-  يتقن اللغة الألمانية والإنجليزية والفارسية بالإضافة إلى اللغة العربيّة.

2-  كان مؤلّفاً جيداً فله مجموعة من المؤلّفات المطبوعة منها كتاب في ثمار زيارة الأربعين، وكتب أخرى كان بعضها كتيبات قصصية موجّهة للأطفال، هذا على الرغم من أنه لا يتمكن من تحريك أصابعه غير الخنصر.

3-  عمل في مجال تحقيق المخطوطات ومن جملة تحقيقاته كتاب المحصول في علم الأصول للسيّد محسن الأعرجي.

4-  كان أديباً مجيداً وله ديوان شعر.

5-  دوّن مذكراته في كتابين: كتاب (سمكة الله) وكتاب (فوق مدار السرطان) وهذا الكتاب الأخير أملاه على ابنته بعد أن فقد بصره فكان يملي عليها وهي تكتب.

وأمّا تحصيله الدراسي فقد التحق بجامعة بغداد/كلّية اللغات- اللغة الألمانية وتخرّج منها في سنة 1995، ثمّ التحق بالحوزة العلمية في النجف الأشرف بعدها بسنة أي في سنة 1996، وتدرّج فيها وصولاً إلى مرحلة البحث الخارج واستمرّ في المواظبة على درسه حتّى أقعده مرض السرطان، وفي أثناء دراسته في الحوزة العلمية في النجف الأشرف حصل على البكالوريوس والماجستير والدكتوراه من جامعة الكوفة/ كلّية الفقه.

وبعد كلّ ذلك هناك خصلة في هذا الرجل لم أر نظيراً لها في شخص آخر فعلى الرغم من كثرة الابتلاءات ومرارتها كان كل من يتكلم معه يجد فيه طمأنينة ووقار وهدوء الإيمان .. ذلك الهدوء والوقار الذي لن تجد نظيراً له إلّا عند أشخاص قلوبهم معلّقة بالملأ الأعلى.

في حياتي لم أر رجلاً عصامياً كالشيخ هادي كان يقول: الحمد لله على كلّ هذه الاختبارات الصعبة التي لا تليق إلّا بمن يتحمّلها مستعيناً بالله عليها.

تغمده الله تعالى برحمته الواسعة وألهم ذويه الصبر والسلوان.

التعليقات