السبت 11 شوّال 1445هـ 20 أبريل 2024
موقع كلمة الإخباري
أنا إنسان!
علي حسين
2023 / 02 / 21
0

هل تتخيل يوما ان مسؤول عراقي كبير يمكن ان يقدم استقالته ومعها خطاب قصير يقول فيه: "ياجماعة اعذروني لا استطيع ان اقدم خدمة للناس"، سيبدو الامر اقرب الى النكتة في بلاد الرافدين، لكنه حدث في بلاد تحترم مواطنيها .. فنشرت معظم الصحف البريطانية، صورة لرئيسة وزراء أسكتلندا "نيكولا ستورجون" وهي تبدو حزينة إلى حدّ البكاء، وتعلن استقالتها من منصبها.

أتمنى عليك عزيزي القارئ أن لا تذهب بك الظنون بعيداً وتعتقد أنّ هذه المرأة، اتهمت بـ"لفلفة" ميزانية الدولة، ولا تفرح، فتعتقد أنها وظّفت أقاربها وأبناء حزبها وجعلتهم مستشارين.

مشكلة رئيسة الوزراء أنها تشعر بالضجر والتعب، قالت للصحفيين إن "هذا العمل هو امتياز ولكنّه صعب للغاية"، مضيفة "أنا إنسان". وقالت "كان بإمكاني أن أعمل بضعة أشهر إضافية، ربما ستة أشهر، عام، ولكن مع الوقت كانت طاقتي للقيام بعملي تقل، ولم يعد بإمكاني القيام به بنسبة 100 في المئة، وهذا ما تستحقه البلاد".

وفيما أكدت أنّ قرارها نضج بعد وقت طويل، أشارت إلى تغييرات ضمن عائلتها، وصعوبة "تناول القهوة مع صديق، أو الخروج بمفردها للقيام بنزهة". مع كلمات السيدة ستورجون تذكّر عزيزي القارئ معارك البرلمانيين الطائفية، وصولة عادل عبد المهدي ضد الكفرة المتظاهرين، وقانون نوري المالكي للانتخابات الذي يريد أن يفصّله على مقاسه، ودموع محمد الحلبوسي على الحشمة والفضيلة التي يفرّط بها العراقيون، وقرار وزارة الداخلية مراقبة الإنترنيت ليل نهار، والحرب التي يخوضها النائب الهمام أحمد الجبوري "ابو مازن" لتحويل مناصب الدولة إلى ملكية خاصة تباع في المزاد، وعودة الامير السعيد علي حاتم السليمان.

ربما يسخر البعض من رئيسة وزراء أسكتلندا لأنها قدمت استقالتها لمجرد إحساسها بأنها ربما لا تستطيع تقديم خدمة جيدة لمواطنيها، في الوقت الذي خاض فيه مسؤولونا حروبهم الطائفية من كلّ نوع ولون، وفي كلّ اتجاه، احتلوا المؤسسات الحكوميّة، أبادوا مدنيّة الدولة، طاردوا الكفاءات، وضعونا على سلّم البؤس، أدخلونا موسوعة غينيس في عدد الشهداء والمهجّرين. وبعد كل موجة خراب نجدهم يجلسون ويتضاحكون ويقررون التقاط صورة فوتوغرافية، لكي يطمئن الشعب أنْ لا سبيل أمامه سوى الإذعان لصوت "الزعماء الملهمين".

أيها القارئ العزيز، نحن في كلّ مرة نتجرّع الحقيقة بمذاقها المرّ، وهي أنه لا شيء مهمّ في هذه البلاد سوى سلامة كراسي المسؤولين، ومن ثم فلا تسألوا عن المتسبّب في حريق مستشفى ابن الخطيب .

لو سألتَ أيَّ مواطن عراقي عن موقف رئيسة وزراء أسكتلندا، فقد يموت قهراً أو ضحكاً! لأنه لا يستطيع أن يقول لأصغر مدير دائرة، يسرق وينهب، قدم استقالتك. والأهم أن المسؤول والقيادي العراقي لا يمكن أن يخطئ ويقول "أنا إنسان".


التعليقات