المرة الأولى التي التقيت فيها
بالسيد السيستاني في النجف، كان صباح يوم 3/2/1998 الساعة العاشرة،
بعد تحقق الاطمئنان وعدولي إلى تقليده المبارك في سنتها، بعد مشوار
في البحث والسؤال ثم توالت عدة زيارات لمنزله في شارع
الرسول.
بعيداً عن جو التضييق والقلق
الذي كانت مخابرات النظام السابق تبثه في نفوس الزائرين، وبعيداً عن
مكابدات تلك المدة التي قد تناسى وقعها من فتن حدثت داخل وخارج
الحوزة العلمية، وبعيداً حتى عن سبب الزيارات مني له التي كان
اغلبها لرؤيته والاطمئنان على صحته والتشرف برؤيته. قررت يوم 16
شباط من سنة 2002 أن أتحدث معه، سماع صوته، أن يجري لساني على
لسانه. وكان في بالي يدور سؤال، كيف يصون الإنسان نفسه ويقوي علاقته
بربه والناس في الوقت ذاته! سألته حين وصل الدور لي، جلست أمامه
وسألته عما كان يدور في بالي. فأجاب بصوت خفيض لا يسمعه من كان
بقربه، بعد أن أمسك بيدي ولم يكن ينظر في عينيّ، بل كان مطرقاً رأسه
ينظر إلى صدري، قال لي: أنت إذا كنت محافظاً على صلاتك، أعمل على
مساعدة الناس، ابدأ بالأقارب والجيران وكل محتاج، اعط لهم مما اعطاك
الله، ولا تعط من باب المنة، بل كن لهم خادماً.. كرر يابني من كلمة
(أنا خادم).. اجابني بلسان عربي، وبتواضع لم أر قبله ولا بعده حتى
هذه اللحظة. ثم رجوته أن يدعو لي، فرفع كفيه ودعا بكلمات لم أسمعها،
ثم قبلت يده الشريفة وخده وانصرفت.. حين قبلت يده كنت أشعر أنني
أقبل يد أبي.. كان مصداقاً لوصف العالم الرباني الزاهد الورع، وقد
أخجلني صراحة من شدة تواضعه لي.. يُقال أن اليوم أو البارحة أو غداً
هو عيد الأب لا أدري...!!. أردت تهنئته بهذا اليوم لعل كلامي يصل
له، ولا أدري لعله يذكر ما حصل لي معه أو لعله نسي بسبب العمر وكثرة
من يزوره، لكنني والله لن أنسى الموقف الذي جمعني به حتى آخر رمق في
حياتي.
أنمار رحمة الله - قاص عراقي ومهتم بالموسيقى والفن
المصدر: موقع الأئمة الاثني عشر