بعد أن حول العالم الرقمي الخيال إلى عالم افتراضي متاح أمام أطفالنا، برزت العديد من المنصات والألعاب التي أصبحت تجذب الملايين من المستخدمين غالبيتهم من الأطفال والمراهقين، ما جعل الآباء أمام حيرة كبيرة حول فوائد ومضار هذه المنصات والألعاب بعد أن استحوذت على أوقاتهم وأموالهم.
من هذه المنصات ما يعرف اليوم بـ "روبلكس" والتي بدأت تنتشر بسرعة هائلة في الآونة الأخيرة والتي باتت تستحوذ على اهتمام الأطفال لما تحتوي من عوالم خفية تثير فضولهم وتفتح شهية الفضول لديهم
فما هي حقيقة هذه المنصة التي تلعب دوراً متزايد الأهمية في حياة أطفال اليوم؟
توسع بلا حدود
بدأت روبلكس رحلتها في عام 2004 على يد ديفيد بازوكي وإريك كاسيل، لتنطلق رسمياً للجمهور في سبتمبر 2006. ومنذ ذلك الحين، حققت المنصة نمواً هائلاً لتصبح اليوم من أكبر منصات الألعاب في العالم، حيث تستقطب أكثر من 380 مليون مستخدم نشط شهرياً، منهم 88.9 مليون مستخدم يومي، وفقاً لأحدث الإحصاءات.
المثير للاستغراب، أن نصف الأطفال الأمريكيين تحت سن 16 عاماً يستخدمون المنصة، التي تحولت إلى شركة عملاقة مطروحة للتداول العام في بورصة نيويورك عام 2021 بقيمة 41.9 مليار دولار، لتحقق إيرادات بلغت 3.6 مليار دولار بحلول عام 2024.
وتختلف روبلكس عن الألعاب التقليدية كونها منصة استضافة تضم أكثر من 40 مليون لعبة أنشأها المستخدمون أنفسهم، بمشاركة 9.5 مليون مطور نشط. وهي متوافقة مع جميع المنصات من الكمبيوتر إلى الهواتف الذكية وأجهزة الألعاب المختلفة.
الأطفال في مرمى المتحرشين
رغم شعبيتها الهائلة، تواجه روبلكس انتقادات متزايدة بسبب المخاطر التي تهدد سلامة المستخدمين الصغار. فوفقاً لتحقيق أجرته بلومبرج عام 2024، تم اعتقال ما لا يقل عن 24 شخصاً في الولايات المتحدة منذ 2018 بتهم اختطاف أو إيذاء أطفال التقوا بهم عبر المنصة.
ومن القضايا البارزة التي أثارت الذعر، قضية شين باتريك بينزاك (45 عاماً) الذي تلقى مئات الصور والفيديوهات الجنسية من طفلة تبلغ 13 عاماً على مدى ثلاث سنوات، وقضية أرنولد كاستيلو الذي اختطف فتاة تبلغ 15 عاماً عبر حدود الولايات بعد التعرف عليها عبر المنصة.
وكشف تحقيق هيندنبورغ ريسيرش في أكتوبر 2024 عن وجود أكثر من 38 مجموعة تتاجر علناً بالمواد الإباحية للأطفال على المنصة، وأكثر من 600 لعبة تتضمن مراجع جنسية صريحة، ووصف التقرير المنصة بأنها "جحيم للمتحرشين بالأطفال".
المحتوى غير المناسب والمخاطر المالية
لا تقتصر المخاوف على التحرش فقط، بل تمتد لتشمل المحتوى غير المناسب، حيث تم توثيق ألعاب تشجع على العنف، مثل لعبة "Beat Up Homeless Outside 7/11 Simulator" التي حصدت أكثر من مليون زيارة، ولعبة "[GUNS] Work at a Hospital RP" التي تسمح بإطلاق النار وحظيت بـ1.6 مليون زيارة.
وعلى الصعيد المالي، رُفعت دعوى قضائية جماعية عام 2023 من قبل أولياء أمور فقد أطفالهم آلاف الدولارات على مواقع القمار داخل المنصة. وكشفت دراسة أجرتها جامعة سيدني عام 2025 أن الأطفال وصفوا آليات روبلكس بأنها "مجرد قمار للأطفال"، مشيرة إلى أن نظام العملة المعقد (أموال حقيقية ← Robux ← عملة اللعبة) يربك الأطفال.
جانب مضيء: فرص تعليمية
في المقابل، تؤكد دراسات أكاديمية عديدة القيمة التعليمية الحقيقية التي تقدمها روبلكس. فقد وجدت مراجعة منهجية شاملة أجراها هان وزملاؤه عام 2023، شملت 40 دراسة، أن المنصة يمكن دمجها مع التعلم التفاعلي الاجتماعي وتعليم العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات.
وتسهم المنصة في تعليم الأطفال لغة البرمجة Lua، وهي لغة احترافية مستخدمة في تطوير الألعاب. وأظهرت دراسة أجراها ماير وزملاؤه عام 2020 أن 53 طالباً في المرحلة الثانوية تمكنوا من إنشاء عوالم تفاعلية ثلاثية الأبعاد دون خبرة برمجية مسبقة.
كما وجدت دراسة إندونيسية أجريت عام 2024 علاقات قوية بين استخدام روبلكس والتعلم التعاوني وتنمية محو الأمية التعاونية، حيث يضطر الطلاب للتعاون لإنجاز المشاريع المعقدة بنجاح، مما يعزز مهارات التفاوض والعمل الجماعي.
الرقابة الأبوية
أمام هذه المخاوف المتزايدة، طورت روبلكس نظاماً متكاملاً للرقابة الأبوية يتيح للآباء ربط حساباتهم بحسابات أطفالهم والتحكم في عدة جوانب:
مستويات نضج المحتوى: تتراوح من الحد الأدنى (عنف خفيف عرضي) إلى المقيد (عنف قوي، مواضيع رومانسية، 17+ عاماً).
ضوابط التواصل: تحكم في من يمكنه الدردشة مع الطفل، مع منع المستخدمين تحت 13 عاماً من إرسال رسائل مباشرة خارج الألعاب.
قيود الإنفاق: تحكم في شراء العملة الافتراضية Robux.
إدارة وقت الشاشة: مراقبة وتحديد ساعات اللعب
وفي نوفمبر 2024، أطلقت المنصة إصلاحاً شاملاً لنظام الأمان، مع تحسينات كبيرة في الرقابة الأبوية وقيود التواصل وتصنيفات المحتوى.
آراء الخبراء
تتباين آراء الخبراء حول المنصة بشكل كبير. فبينما يشير بعض علماء نفس الأطفال إلى أن روبلكس يمكن أن تكون مكاناً إيجابياً لتطوير الصداقات والتفاعل الاجتماعي، يلاحظ آخرون تأثيرات سلبية على سلوك وصحة الأطفال العقلية، بما في ذلك العدوانية والاكتئاب والقلق عند الإفراط في اللعب.
وعلى الصعيد التعليمي، ترى ريبيكا كانتار، نائب رئيس التعليم في روبلكس، أن "الغالبية العظمى من شركائنا لديهم توزيع موجود مسبقاً في المدارس"، بينما تعبر منظمة Common Sense Education عن مخاوفها قائلة: "لسوء الحظ، قد تجعل هذه المشاكل العديد من المعلمين يشعرون بعدم الراحة في استخدام روبلكس في بيئة التعليم العام".
توصيات للآباء
يوصي الخبراء بمجموعة من الإجراءات للآباء الراغبين في السماح لأطفالهم باستخدام المنصة:
البدء بتطبيق الضوابط المدمجة في روبلكس، مع إمكانية إضافة أدوات مراقبة خارجية مثل Bark أو Qustodio
تطبيق توصيات مختلفة حسب عمر الطفل، مع إشراف مستمر للأطفال بين 6-8 سنوات، وحرية تدريجية مع مناقشات الأمان للمراهقين بين 15-17 سنة
مراجعة وتحديث الإعدادات بانتظام مع نمو الطفل
الاستفادة من الجوانب الإيجابية للمنصة، مثل تشجيع المشاريع الإبداعية والتعاونية وتعلم البرمجة
روبلكس منصة معقدة تجمع بين فرص تعليمية حقيقية ومخاطر أمنية جدية. وبينما تؤكد الأبحاث الأكاديمية قيمتها في تطوير مهارات البرمجة والإبداع والتفاعل الاجتماعي، تكشف التحقيقات الصحفية والقضايا القانونية عن مخاطر حقيقية.
ويشير الخبراء إلى أن المنصة يمكن أن تكون مفيدة لتطوير الأطفال عندما تُستخدم مع الضمانات المناسبة، لكنها تتطلب يقظة مستمرة ومشاركة والدية فعالة للتخفيف من المخاطر، مع التأكيد على أنه لا يوجد خيار "آمن تماماً" - فالأمر يتطلب موازنة الفوائد التعليمية مع المخاطر الأمنية.