وابن خلَّكان – لمن لا يعرفه – أول من شكَّك في نهج البلاغة، وزعم أنَّه للشريف الرضيّ – قُدِّس سرُّه – دفعه إلى ذلك وجود الخطبة الشقشقيَّة فيه، والتي فضحت الثلاثة الذين نزوا على منبر النبوَّة، فاغتصبوا منزلة الإمامة.
وابن خلَّكان المتمرجعين حدَّثنا عن حيرتهِ، يقول: كنتُ أسمعُ أنَّ هناك فرقاً بين ما يصدر عن السيد السيستانيّ بقلمه وختمه، وما يصدُرُ عن المكتب، ثم عقَّب على ظنِّه هذا: أنَّ ذلك من الكلام الذي لا دليل عليه، ويصدر عن عامَّة النَّاس البعيدين عن الحوزة العلميَّة.
وأقول: هذه ليست حيرة، وإنَّما تُسمَّى "غباءً"؛ ذلك أنَّ عندنا عشرات المراجع في النَّجف الأشرف وقم المقدَّسة فضلاً عن باقي الحوزات في سائر المدن المُشرَّفة، وكلُّهم لهم مكاتب، ويأخذ النَّاس فتاواهم عن هذه المكاتب من غير شكٍّ ولا تكذيب، فلماذا إذا وصل الأمرُ إلى مكتب سماحة السيد – دام ظلُّه – صار هناك شكٌ وتكذيب؟ فهل مكتب السيد بدعٌ من تلك المكاتب؟
ثمَّ ظفر بالدليل – بزعمه – تخلُّصاً من المصادرة التي ابتُلِيَ بها اتباع المتمرجعين، والمصادرة تتكون من طرفين: دعوى، ودليل، فإن اتّحدا صار هذا مصادرة، وإن افترقا بحيث يكون الثاني دليلاً على الأول نُظِر في صلاحيَّته للاعتماد من عدمه
مثلاً حين تقول هذا مثلث، هذه دعوى، ويسألونك : وكيف عرفت أنَّه مثلث؟ يقول لك: لأنَّه مثلَّث، فتكون الدعوى هي عينُ الدليل، وهو عيبٌ تكوينيٌّ في الدليل يمنع من صيرورته دليلاً، من بعد ولادته مخدوجاً فيكون مصادرة
ولكن لو قلتَ: لأنَّ له ثلاثة أضلاع، هنا يُسمَّى هذا دليلاً.
والنَّاس كانت تقول: إن ما يصدر عن مكتب السيد ليس من رأي السيد! وتسألُهم : لماذا؟ يقولون لك: لأنَّه ليس من رأي السيد.
تنبَّه ابن خلَّكان إلى خواء هذا المنطق، فأحبَّ أن يستدلَّ للدعوى بدليلٍ يُقيم أودها، ويؤدّي غرضها، فقال إنَّه عثر على كلمةٍ لسماحة الشيخ محمد الجواهريّ في كتابه "الواضح في شرح العروة" يؤكّد فيها أنَّ كرَّاسة أسئلة الهلال مع أجوبتها ليست لسماحة السيد – دام ظلُّه – وإنْ كانت على وفق مبانيه، مادامت ليست موقَّعةً بتوقيعه ولا ممضيَّةً بإمضائه.
وعلى أساس هذا الكلام استدلَّ ابن خلَّكان أنَّ هناك فرقاً بين كلام المكتب والسيد.
ولكن أبى اللهُ تعالى إلَّا أن يردَّ كيد حروفِهِ إلى نحر قلمه، من أجل أنَّه عالج الأمر على طريقة "ولا تقربوا الصَّلاة" وإن شئت سمع ب "لا إله" وتغاضى عن "إلَّا الله"
فهو نقل الكلمة الأولى وتغافل عن نقل الكلمة الثانية لفضيلة الشيخ محمد الجواهريّ التي تراجع فيها عن أن كرَّاسة الهلال ليست للسيد، بعد أنْ نقل مسألةً فقهيَّةً عن الكرَّاسة المذكورة وقال: (لا شكَّ أنَّ نسبة الكرَّاس المذكور إلى السيد الأستاذ – السيد السيستانيّ دامت بركاته -بمكانٍ من الإمكان ولا ريب فيه) وكان تراجعه هذا بعد لقائه سماحة السيد محمد رضا السيستاني – دام عزُّه –
فهل يملك ابن خلَّكان من الشجاعة ما يجعله يعترف بخطيئته ويتراجع عن كلامه؟
أشكُّ في ذلك.
ثمَّ إنَّ القصة تحمل في طيَّاتها براهين كذبها، فما هو البحث الذي قدَّمه صاحب الدَّعوى حتى قال فيه السيد إنَّك في طريق الشيخ الأنصاريّ؟ فلينشره على الملأ العلميّ ويُتحف الحوزة به.
وهل من عاقلٍ فضلاً عن فاضل يقارن بين "الرياضيات للفقيه" و فقرةٍ واحدةٍ من كتاب مكاسب الشيخ الأنصاريّ أو فرائده؟
على أنَّ الكذب يدور إمَّا بين صاحب الدَّعوى وإمَّا من الراوي وعلى كلا التقديرين فالنتيجة أنَّ بُعد صاحب الدَّعوى عن الشيخ الأنصاري بعد ما بين المشرقين والمغربين، هذا إذا لم يكن كلاهما كاذب.
ولو فرضنا – جدلاً – أنه مجتهدٌ، بل أعلم، مع هذا لا يجوز تقليده كما تقول الرسائل العمليَّة، لأنَّه فاقدٌ لشرطٍ من شروط العدالة التي هي شرطٌ في التصدّي ألا وهو الصدق، إذ الكاذب غير عادل.
وفي الصورة المرفقة تراجع سماحة الشيخ الجواهري عن رأيّه السابق والقول بأنَّ الكراس لسماحة السيد - دام ظلُّه - وإن كان غير موقّع بتوقيعه أو مختومٍ بختمه.