لا يزال الرزق الحلال يترك بصماته الساحرة على القلب ومنه الى سائر الجوارح والجوانح؛ لذلك حرص المؤمنون على طلبه واجتناب المحرّم منه، والسؤال الذي يطرح نفسه بقوة هنا كيف نحصل على الرزق الحلال، وما هي السبل لتحصين النفس من اقتحام الحرام اليها، وكيف نحافظ على طهارتها من دون تلوّثها من أدران الحرام؟! في معرض الاجابة على هذه التساؤلات وغيرها ينبغي معرفة ان الله تعالى جمع أهم أسباب جلب الرزق الحلال بأمور أهمها: التقوى، وصلة الرحم، وكثرة الاستغفار، كما منع الله تعالى كل معاملة تفضي إلى أكل المال الحرام، مثل التعامل بالربا؛ لما له من تأثير على القلب والجسد، قال تعالى: (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا) الشمس:9-10.
بيّن أهل العلم أن أعظم اهتمام يجب على المسلم أن يوليه أهمية قصوى هو اهتمامه بقلبه, والقلب ربما تلوثه بعض القاذورات من دون ان يشعر بها الانسان, إلا أن تأثّره بالمال الحرام كبير، كثيرون هم الذين يجاهدون أنفسهم على صيام النهار وقيام الليل, وكثيرون هم الذين يجاهدون أنفسهم على أن يتصدّقوا بأموالهم، غير أننا نرى هؤلاء رغم قيامهم بتلك العبادات بيد انهم لم يفتشوا عن أرزاقهم، ولم يبحثوا عن أموالهم، ولم يتحرّوا مدخراتهم, ولكي تتجنب الخوض في تلك المهلكات فتّش عن جيبك فلربما كان فيه بعض البطاقات الائتمانية المحرمة التي فيها شرط ربوي؟! فلا تستغرب حينها اذا قمت بين يدي الله تسأله الدعاء والمغفرة، فلا يستجيب لك!
من منّا لم تنله هذه الدنيا ببلائها ونصبها وكدحها ومع ذلك لا يريد النجاة، ولا يريد أن تزول عنه هذه الهموم؟ بيد أنه ربما تضرع وأخبت وانكسر ثم لا يجد باباً مفتوحاً؛ لأنه قد تعامل بمعاملة ربوية، وإن العبد ليحرم الرزق بالذنب يصيبه، والعياذ بالله، وحري بالمؤمن أن يخاف أشد الخوف من أكل المال الحرام, وقد أخبر الإمام الصادق (عليه السلام): (يأتي على الناس زمان ليس فيه شئ أعز من أخ أنيس، وكسب درهم حلال) بحار الانوار للمجلسي: ٧٨ / ٢٥١ / ١٠٢. وهذا هو الواقع مع الأسف الشديد, بعض الناس يقول: أنا أريد أن أحصل على مائة ألف، أو مليونٍ، أو مبلغٍ من المال، أياً كان طريقه من الحرام أم من الحلال, وربما استسهل العقوبة، وما علم أن الله شديد العقاب، ولتفادي لقمة الحرام عليك تحرّي روافد الرزق الحلال التي نلخصها ونوجزها بما يلي:
أولها: تقوى الله سبحانه وتعالى والإيمان به، إن تقوى الله معناها: أن تعمل بطاعة الله، على نور من الله وهديه، ترجو ثوابه وتخاف عقابه، تفعل أوامره، وتجتنب نواهيه، ولهذا قال الله تعالى: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ الطلاق: 2-3. كما قال تعالى: (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) الأعراف:96. بركات السماء: هي المطر وهو أعظمها, وبركات الأرض: هي النبات والثمار، والعقار والنفط والكنز والذهب والفضة, ولكي يصل الى هذه البركات، ينبغي للمؤمن أن يتقي الله سبحانه وتعالى، فلا يتعامل إلا بالحلال، وان يعتقد ان الله تعالى قد قسّم الأرزاق، وقسّم الخلائق، وقدّر الأقوات، وكل نفس لن تموت حتى تستكمل رزقها، فاتقوا الله وأجملوا في الطلب، واسعوا في الوصول الى طريق الرحمن والابتعاد عن مزالق الشيطان قال تعالى: (وَأَنَّ هَٰذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ ۖ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ۚ ذَٰلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) الانعام: 153.
ثانيها: كثرة الاستغفار, قال الله تعالى: (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا) نوح:10 -12. والاستغفار عظيم في تفريج الكربات، وفي تنفيسها، فإن الله سبحانه وتعالى ما جعل كربة إلا وجعل لها تنفيساً, وأعظم تنفيس للكربات هو كثرة الاستغفار, فلازموا الاستغفار، فإن الله تعالى سوف يجعل لمن لزم الاستغفار من كل هم فرجاً، ومن كل ضيق مخرجاً، ويرزقه من حيث لا يحتسب.
ثالثها: كثرة الصلاة, إما كثرة الصلاة بركوعها وسجودها، وإما كثرة الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم, الكلام عن كثرة الصلاة بركوعها وسجودها قال تعالى: (وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى) طه: 132. قال أهل العلم: إن الصلاة والاصطبار عليها سبب من أسباب كسب الرزق الحلال وجلبه، في حين ان الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فيها الخير الكثير، عن الرسول الأكرم أنه قال: (اكثروا الصلاة عليّ فانّ الصلاة عليّ نور في القبر، ونور على الصراط، ونور في الجنة) بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ٧٩ - ص ٦٤. وعلينا ان نحذر من ان نصلّي على الرسول الأعظم الصلاة البتراء، فقد نهى (صلى اللـه عليه وآله) بشدّة عن مثل هذه الصلاة، وهي ان نصلّي عليه ولا نصلّي على أهل بيته، كما وعلينا ان نعلم ان حبنا للرسول الأكرم وأهل بيته (عليهم السلام) هو اعظم زاد لنا في مواجهة مصاعب الحياة وعقباتها.
الصلاة على محمد وآل محمد هي من أفضل الأذكار والأوراد التي وضعت بين يَدي الخلق؛ لأجل الوصول إلى الكمال والأهداف السامية، فهي دواء لكل داء، حيث وردت الروايات بانها تُذهب النفاق وتهدي إلى الجنان وتزيد في الأعمار والأرزاق، بل سبب لقضاء الحوائج المادية والمعنوية، وخير شاهد على أنها ترفع الفقر المادي هذه القصة الواقعية: يروى أن فقيراً خرج من بيته يوماً لطلب الرزق لعياله، لكنه لم يدر أين يذهب، فأخذ يسير في الطريق، ومر بمسجد فسمع الخطيب يتحدث للناس عن فضل الصلاة على محمد وآله ويرغّبهم بذلك، جلس عند باب المسجد ليسمع ما يقوله الخطيب من فوق المنبر، فسمع ضمن الكلام أنَ الصلاة على النبي وأهل بيته الطاهرين بشكل دائم سوف يجعل الله البركة في أمواله، وإذا ذكر الفقير الصلاة واستمر على ذلك فسوف ينزل الله له الرزق من السماء، انصرف الفقير بعد سماعه لكلام الخطيب، واخذ يسير في الطريق ولسانه يلهج بذكر الصلاة على محمد وآله الطيبين الأطهار، استمر على هذا الأمر بشكل متواصل، وفي أحد الأيام وهو يسير في خربة عثرت رجله بصخرة، وعندما رفعها وجد تحتها كيساً مملوءاً بالليرات الذهبية والجواهر، فقال في نفسه: أنا موعود بالرزق من السماء، وأنا لا أريد رزقا من الأرض، وما يدريني لعل هذا الكيس يخص شخصا معينا قام بتخبئته تحت هذه الصخرة ولا يجوز لي أن آخذه، فوضع الصخرة على الكيس كما كانت، ورجع إلى بيته خالي اليدين، ولما استقرّ في بيته؛ قصّ ما رآه على زوجته بالتفصيل.
كان لهذا الرجل جار يهودي، كان في تلك الأثناء على السطح وسمع من الرجل الفقير كل ما قاله لزوجته، فنزل اليهودي من السطح وتوجّه مسرعاً نحو الخربة حيث الجواهر والذهب، فرفع الصخرة وأخذ الصرّةَ ورجع إلى بيته، فتح الصرّة امام زوجته، فوجدها مملوءة بالعقارب والأفاعي! فقال لزوجته: إن جارنا المسلم عدوّ لدود لنا، لمَا عرف بوجودي على سطح داره، تكلّم بهذا الكلام لكي أسمع منه ذلك ثم أذهب إلى الصرة وآتي بها إلى البيت، لكي تهجم علينا العقارب والأفاعي وتقتلنا! ولهذا سوف ألقي الذي في الصرة على رأسه من فوق السطح ليموت كما أراد لنا ذلك! وبالفعل جاء اليهودي إلى سطح دار جاره، فوجده جالساً مع زوجته يتجادلان بصوت مرتفع، وسمع المرأة تقول لزوجها: يا هذا هل من الصحيح أن تعثر على صرّة مملوءة بالذهب والجواهر فتتركها في مكانها، ونحن لا نملك ما نأكله؟
قال الزوج: إني أرجو من الله عزَ وجل ان ينزل عليّ الرزق من السماء، فتح اليهودي الصرةَ وألقى ما فيها على رأس الرجل الفقير وزوجته، فسمع الرجل صوتاً فوقَ رأسه، وإذا به عندما رفع رأسه يرى قطعاً ذهبية ومجوهرات تتساقط عليه! فقال لزوجته: انظري إلى رزق الله تعالى... ألم أقل لكِ إني موعود بالرزق من السماء؟ واخذ يكرر الصلاة على محمد وآل محمد.
رأى اليهودي بأن الذي يتساقط هو ذهب ومجوهرات وليس عقارب! فأمسك عن الإلقاء، ونظر في الكيس مرة أخرى فرآه مكتظا بالعقارب أيضاً! فألقى بقيّة الكيس في بيت الرجل المؤمن وإذا به ينقلب إلى ذهب وجواهر! وهنا عرف اليهودي أنّ ما يرى سرا من الأسرار الإلهية، هكذا تكون الصلاة على محمد وأهل بيته (عليهم السلام) أحد أسباب الغنى والرزق وازدياد المال وظهور البركة.
رابعها: صلة الأرحام, وأعظم صلة هي صلة الوالدين، والأولاد، والإخوة، فصلة الرحم من الأسباب الجالبة للرزق الحلال, قال الإمام الحسين (عليه السلام): (من سرّه أن ينسأ في أجله، ويزداد في رزقه، فليصل رحمه) بحار الانوار للمجلسي: ٧٤ / ٨٨ / ٢. وأعظم صلة الرحم هي البشاشة، والندى، والمعروف، وصلتهم بالمال تستديم بها منهم ذكراً وثناءً عاطراً لك إلى يوم الدين، ومن المعلوم أن العبد إذا وصل رحمه فإنه يرزق زيادة وبركة في ماله.
خامسها: المتابعة بين الحج والعمرة, فقد قال صلى الله عليه وآله وسلم: (تابعوا بين الحج والعمرة، فإنهما ينفيان الفقر والذنوب كما ينفي الكير خبث الحديد) الكافي للكليني: ٤ / ٢٥٥ / ١٢. والمتابعة بينهما، بأن تجعلوا كلا منهما تابعا للآخر، أي: إذا حججتم فاعتمروا، وإذا اعتمرتم فحجوا، ووجه ذلك: أن المتابعة أن يوقع كل واحد منهما عقب الآخر بلا فاصل.
سادسها: من الأسباب الجالبة للرزق الزواج، قال تعالى: (إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ) النور: 32. فالزواج جالب للرزق والولد والبركة والسكينة والاطمئنان، والاستعانة على ذكر الله تعالى والابتعاد عن مزالق الهوى والشيطان.