تعاني الشابة (س. م.) في العراق من معوّقات كثيرة في حياتها؛ بسبب عدم حصولها بعد على وثيقة مدنية تثبت (عراقيتها) وانتمائها لوطنها كما تقول، كونها من الأشخاص عديمي الجنسية في البلد.
تروي هذه الشابة البالغة من العمر (22 عاماً) لـ (كلمة) معاناتها في الحياة، ورغم أنّها ما تزال على قيد الحياة وتعيش بين أكثر من (40 مليون) مواطن عراقي، إلا "أنّها لا تستطيع أن تتصرّف بأي شيء. وأصبحت بلا حول ولا قوّة" بسبب عدم حصولها على الجنسية العراقية.
تقول: إنّ "أصول عائلتها تنحدر من العراق ولكنهم من (العراقيين البدون) وهؤلاء عاشوا لفترة طويلة بلا وثائق رسمية تثبت عراقيتهم، فقط يترحلون من منطقة إلى أخرى، ويعيشون حياة البر".
والآن "تريد أن تعيش كغيرها من الفتيات في مسألة التعليم وحتى الارتباط الاجتماعي (الزواج)"، ولكن لعدم حملها للوثيقة المدنية (الجنسية) "تموت أحلامها بالعيش يوماً بعد آخر".
ورغم الجهود التي تبذلها الحكومة العراقية لحل هذه المشكلة، أمام طائفة كبيرة من الناس، وبفضل الإطار القانوني في العراق لتقليل ومنع حالات انعدام الجنسية، وحصول الآلاف من الأشخاص من عديمي الجنسية على مبتغاهم، إلا أن أفراداً كثيرين آخرين لا يزالون يعانون من تأثير عدم حصولهم على الجنسية.
وتؤكّد الحكومة بأن جهوداً بذلتها مع منظمة الأمم المتحدة والجمعيات الحقوقية في البلد للقضاء على هذه الظاهرة، حيث انخفض عدد ممن لا يحملن الجنسية بشكل كبير.
رغم ذلك، يعاني أولئك الأشخاص ممن ليس لديهم جنسية من التحديات الكبيرة في الحصول على أبسط حقوقهم.
ويتحدّث الناشط المدني علي الصفّار لـ (كلمة) بأنّ "الأشخاص الذين يعيشون في العراق من دون وثائق مدنية يعانون الأمرّين، فمن جهة لا يستطيعون ممارسة حياتهم والارتباط الاجتماعي كغيرهم من المواطنين العراقيين من حملة الجنسية، ومن جهة أخرى لا يستطيعون الحصول على حقوقهم المشروعة".
ومن هذه الحقوق وأبسطها كما يبيّن الصفار "عدم استطاعتهم الالتحاق بالمدرسة، أو الحصول على الرعاية الطبية وكذلك الوظائف والسكن وتسجيل عقود الزواج وغيرها"، مضيفاً بأن "هذه الأزمة تستمر من جيل إلى آخر، من الآباء إلى الأبناء؛ إذا ما بقي الأمر عليه هكذا من دون جنسية".
وفي شهر يناير/ كانون الثاني من العام 2023، عقدت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين ووزارة الداخلية العراقية مؤتمراً في العاصمة بغداد؛ لمناقشة سبل المضي قدماً نحو إنهاء حالات انعدام الجنسية في العراق.
المؤتمر ناقش حينها آلية تكثيف الجهود على الصعيد الوطني من أجل تسهيل الوصول إلى الوثائق المدنية.
فيما تشير مفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في العراق في إيضاحاتها نشرها الموقع الإلكتروني للمنظمة وتابعها (كلمة) إلى أنها "قد أطلقت حملة خاصة تحت شعار (أنا أنتمي) و (خطة العمل العالمية للمفوضية لإنهاء حالات انعدام الجنسية 2024)، من أجل تسريع الجهود لدعم الحكومة في ضمان حصول جميع الأفراد المؤهلين على الجنسية العراقية، وتحسين الوصول إلى الوثائق المدنية في جميع أنحاء البلاد".
وتوضّح بأن "أكثر هؤلاء ممّن لا يحملون الجنسية هم من الأكراد الفيليين والعراق البدون (البدو الرُّحل)، وقد حققت العراق حتى العام (2010) تقدماً كبيراً في إيجاد حلول عدد كبير من حالات انعدام الجنسية وقد بلغ العدد أكثر من (100 ألف) شخص".
أما على مستوى جهود منظمات المجتمع المدني، فقد ذكرت منظمة أيادي الرحمة في بيان لها ورد لـ (كلمة) أنّها "تبذل جهوداً كبيرة لدعم الأشخاص عديمي الجنسية، وقد خطت خطواتٍ ملحوظة في هذا الشأن".
وبيّنت المنظمة بأن "لها تعاوناً مستمرّاً مع المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين؛ لتحديد الأشخاص عديمي الجنسية والدفاع عنهم في جميع أنحاء العراق".
وتابعت، "يعمل فريقنا المتخصص من المحامين بلا كلل لتقديم المشورة وتمثيل الأشخاص عديمي الجنسية ومساعدتهم في الحصول على أوراق الجنسية العراقية"، موضحة بأن "أكثر هؤلاء الأشخاص هم من الأكراد الفيليين والنازحين من الكويت (البدون)".
وأشارت المنظمة إلى أنه "اعتباراً من شهر اكتوبر/ تشرين الأول 2017، أسفرت جهودنا عن نتائج مذهلة، حيث قام محامونا بمعالجة ما مجموعه (ألف و213 طلب جنسية) للأفراد عديمي الجنسية، وقد تم بالفعل حل (452 طلباً) من هذه الحالات بنجاح".
ودعت المنظمة في هذا الإطار إلى "مواصلة الجهود التعاونية؛ لضمان حصول كل فرد في العراق على مكان مناسب ليكون وطنه".