الثلاثاء 2 جمادى الآخرة 1446هـ 3 ديسمبر 2024
موقع كلمة الإخباري
الولاء للدين أم للوطن؟!
الشيخ مقداد الربيعي
يحكى أن السيد محمد باقر الصدر (ره) كان بمقتضى مرجعيته متابعاً تفصيلياً للأحداث السياسية التي يمر بها العراق، فيتأثر كثيراً لرؤيته مضطرباً، ساعياً لتخفيف وطئ الصعوبات على الناس بكل ما يمكنه...
2024 / 10 / 11
0

يحكى أن السيد محمد باقر الصدر (ره) كان بمقتضى مرجعيته متابعاً تفصيلياً للأحداث السياسية التي يمر بها العراق، فيتأثر كثيراً لرؤيته مضطرباً، ساعياً لتخفيف وطئ الصعوبات على الناس بكل ما يمكنه، وكان يختبر نفسه فيقول ماذا لو جرى على بلد إسلامي آخر ما جرى على العراق من محنٍ وابتلاءات، فهل كنت أشعر بذات الألم؟

ونحن بدورنا ينبغي أن نختبر أنفسنا، ونسألها: ماذا لو احتلت دولة اجنبية جزءاً من بلدك، خاصة إذا كانت الدولة المحتلة غير مسلمة؟ وهل ستشعر بنفس الشعور فيما لو أحتُل بلد إسلامي آخر؟ أجزم أن أكثرنا يجد الفرق الكبير في نفسه، فقد تصل به الحالة للتضحية بنفسه وعياله في سبيل الدفاع عن وطنه، بينما يكتفي بالحزن ولوم حكومة ذلك البلد على تفريطها بأرضها!

هل هذا الموقف طبيعي أم ثمة خلل مفاهيمي فيه؟

لابد من لفت النظر الى أن الإسلام كمشروع حضاري غير محدد بالحدود الإدارية الحالية للأقطار المسلمة، فدار الإسلام هي الجامعة لكل من يُدين به، والمشروع السياسي الإسلامي يطرح نفسه كدولة واحدة تحت خلافة إسلامية جامعة للمسلمين، فما يُصيب جزءٌ من أرضه يُصيب عامة الجسد الإسلامي، وجميع المسلمين مدعوون للمساهمة في رفعه.

فالدولة في المفهوم الإسلاميّ بحسب المسار التاريخيّ منحصرة في الخلافة الإسلاميّة التي تشمل معظم الأقطار الإسلاميّة الحالية، ولم يكن هناك تباين واضح بين الحالة الوطنيّة والحالة الدينيّة، ولم يظهر التنافر بين الانتماء الدينيّ والانتماء القوميّ إلّا بعد تشكّل الأنظمة السياسيّة الحديثة، وقد تبلور هذا الإشكال بشكل أكثر وضوحاً بعد تفتّت الدولة الإسلاميّة الواحدة وتكوّنت دويلات قطريّة بعد سقوط الخلافة الإسلاميّة سنة 1924م، ودخول الاستعمار وتقاسم الدول الإسلاميّة، فقد ظهرت دويلات مختلفة لكلّ واحدة منها هويّة وطنيّة خاصّة، وقد شجّعت النزعة القوميّة التركيّة بزعامة أتاتورك القوميّات الأخرى كالقومية العربيّة، فنشطت تيّارات سياسيّة تعمل على تكوين إطار عربيّ يشمل جميع الدول العربيّة مثل الأحزاب البعثيّة والناصريّة، وقد حاولت هذه التيّارات تشكيل ولاءات عربيّة بعيداً عن الولاء للدين والإسلام، وبعد نكسة 67 أنهار هذا المشروع وأصبح لكلّ دولة هويّتها وإطارها الخاصّ بها، وأصبح للوطنيّة مفهومها السياسيّ الذي يجعل العراقيّ هو من ينتمي للعراق كوطن، والمصريّ هو من ينتمي لمصر.. وهكذا بقيّة الأقطار العربيّة، ومع ظهور تيار الإسلام السياسيّ الذي يجعل الولاء للإسلام مقدّم على الولاء للوطن، ظهر التباين بقوّة بين الانتماء للوطن والانتماء للإسلام.

فهذا التفاوت في الشعور هو نتاج العادة التي خلقتها الأنظمة القومية والعلمانية في مجتمعنا المسلم، والتي ركزت على خصائص الشعوب، بحيث راحت تستدعي خصائص حضاراتها قبل الإسلام، كما نلاحظه جلياً بترسيخ ثقافة مصر الفرعونية وتونس القرطاجية وعراق ما بين النهرين .. وهكذا.

نحن لسنا ضد الاعتزاز بالهوية الوطنية، على ألا تضعف الحس الديني عند المسلمين كما نجده اليوم، فلا تجد المسلم يكترث بما يصيب أخوته في أقطار عالمه الإسلامي، ففي حين تخرج دول غير مسلمة للمطالبة بحقوق الشعب الفلسطيني المظلوم نجد الكثير من المسلمين يحضر حفلات المجون التي تقيمها وتشجع عليها الحكومات المسلمة!!

بينما نجد الإسلام ينادي على لسان الثقلين القرآن والعترة بضرورة مواساة المسلم لأخيه المسلم، فالمؤمنون أخوة بنص القرآن الكريم، (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ..)، الحجرات: 10، ويبين الإمام السجاد عليه السلام حق الأخ على أخيه: «وحق أخيك أن تعلم أنه يدك التي تبسطها، وظهرك الذي تلتجئ إليه، وعزك الذي تعتمد عليه، وقوتك التي تصول بها. فلا تتخذه سلاحا على معصية الله، ولا عدة للظلم لخلق الله ولا تدع نصرته على نفسه، ومعونته على عدوه». رسالة الحقوق للإمام علي بن الحسين السجاد عليه السلام.

وهم أمة واحدة لا أمم ودول متفرقة، قال تعالى: (إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ)، الأنبياء: 92. هذه الوحدة ليست مجرد رابطة بشرية أو اتفاق على مصلحة مشتركة، بل هي أعمق من ذلك؛ إنها وحدة مستمدة من الإيمان بالله الواحد الأحد، ومن شعور الأخوة الذي زرعه القرآن الكريم في قلوب المسلمين.

المسلمون جسد واحد، يتحمل بعضهم ألم الآخر، ويشارك في أفراحه وأحزانه. هذه هي القيم التي أرساها الإسلام، والتي نحتاج إلى استحضارها في كل لحظة من حياتنا. إنها ليست مجرد كلمات تقال، بل مسؤولية عظيمة تحتم علينا أن نكون إلى جانب بعضنا، داعمين، متكاتفين، وساعين لتحقيق العدل والرحمة.

فعن أبي عبد الله عليه السلام أن النبي صلى الله عليه وآله قال: «من أصبح لا يهتم بأمور المسلمين فليس منهم، ومن يسمع رجلا ينادي " يا للمسلمين " فلم يجبه فليس بمسلم». وسائل الشيعة: 11 / 559 باب 18.

وعنه صلى لله عليه وآله: «مثل المؤمن في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد إذا اشتكى بعضه تداعى سائره بالسهر والحمى». بحار الأنوار، ج58، ص150.

وقال صلى الله عليه وآله: «المؤمن للمؤمن بمنزلة البنيان يشد بعضه بعضا». وقال ايضاً صلى الله عليه وآله: «المؤمنون يد واحدة على من سواهم». نفس المصدر.

التعليقات