من العلماء القادة اصحاب الفكر المتأصل والرصين ، الشهيد السعيد آية الله الشيخ محمد بن مكي العاملي ، واول من أطلق عليه لقب آية الله ، والشهيد الاول ، من اطياب سيرته العطرة ،
هو محمد بن مكي العاملي الشيخ ابو عبد الله محمد بن جمال الدين مكي بن محمد بن حامد بن احمد النبطي الجزيثي الشهيد بقلعة من قلاع دمشق ، (٧٨٦ هج) ،
عن عمر ناهز الاثنتين وخمسين سنة ،
الكثير من أصحاب التراجم المخالفين والمؤالفين حين يستعرضون حياته ، يصفونه بخصال كثيرة ، الأحب منها هي ، السارح في مسارح العلماء والمتألهين ، كما أوردها الشيخ الامين بكتابه أعيان الشيعة في الجزء العاضر صفحة ٥٩ ،
وتاج الشريعة ، وفخر الشيعة ، وصاحب النفس الزكية القدسية ، من سيرة حياته العطرة ، أنه ارتحل إلى العراق أوان بلوغه ، فطلب اليه الملك علي بن مؤيد ملك خراسان ، كتابا يطلب منه النزول إلى خراسان ، فلم يتمكن من ذلك ، فألف كتاب له واسماه ، (اللمعة الدمشقية ) ، هذا الكتاب يعد دورة أصولية فقهية كاملة في فقه الشيعة الامامية ، فأرسله اليه هدية لاعتذاره القدوم إلى خراسان ، وقد استجاز للكثير من علماء عصره ، على نحو أربعين عالما من علماء الشيعة والسنة ، في بغداد ومصر والمدينة المنورة ودمشق وبيت المقدس ومقام الخليل ، وبعد أن استقر في مصر ثم مكة ثم المدينة ليدرس عند كبار علمائها ، عاد بعد ذلك إلى جزين سنة (٧٦٠ هج) ، وقام بأنشاء مدرسة أضحت من أعظم المدراس العلمية الدينية لطلاب العلوم والمعارف ، وقد خرجت هذه المدرسة علماء كبار قد أشير إليهم بالبنان خدموا الحركة العلمية الأمامية بشتى بقاع الأرض ، واسهموا في مصر فكر ال محمد عليهم السلام ، ونشروا التشيع وعلومه في المناطق التي وفدوا إليها ،
ترك الامام الشهيد العديد من المؤلفات والمصنفات التي تعد منهلا للعطاء في مذهب التشيع ومن أهمها ،
الدروس الشرعية في فقه الامامية ، والألفية ، والبيان ، والقواعد والفؤائد ، والنفلية ، وغاية المراد في شرح نكت الرشاد ،
ومما يجدر بالذكر ، أن في زمن الشهيد الاول التي رافقت نظام الحكم المملوكي لمصر النظام القمعي الذي انتشرت فيه ظاهرة التعصب الديني ، وهذه الظاهرة وقعت بين أتباع المذاهب الأربعة فيما بينهم ، ومما ذكره المؤرخون في كتاب ابن تغري بردي ، النجوم الزاهرة ، والمقريزي في السلوك ، وغيرهم ، أن الفتن قد بلغت أوج عظمتها بين المذاهب الأربعة في ذلك العصر ، بين الحنابلة والحنفية والشافعية والمالكية ، وكان كل مذهب من هذه المذاهب يتمنى زوال الآخر ، وأكثر ما انتشرت هذه النظر في جسد المجتمعات عامة وفي مصر خاصة ، حيث كان الشهيد الاول رحمه الله المرآة العاكسة لخلق ال محمد في ممارسة حياته العلمية الدينية بين الناس ، ذات الخلق الرفيع والتواضع والعلم الزاخر والمتبنيات التي جعل الله سبحانه منها أية حقيقية تسير على أرضه ، والى مطافه الاخير عندما وشي بيه من قبل اتباع المذاهب واخص بهم الذكر الحنابلة ، لدى الحاكمية آنذاك ، حكم عليه بالقتل بالسيف ثم صلب ورجم ثم احرق وذروه في الهواء ، فسلام عليه يوم ولد ويوم استشهد ويوم يبعث حيا ، أن مواقع علماء الشيعة الامامية هي مواقع حقيقية قد أثرت بالمجتمعات ودفعت بهم نحو الشريعة الإسلامية الحقة والفضائل المتجددة والمتأصلة فيهم ، لم يسبقهم سابق للإيمان ، ولم يقدم عليهم أحد للشهادة ، نسأل الله سبحان أن يجعلنا في محشرهم يوم لا ينفع مال ولا بنون الا من اتى الله بقلب سليم ، والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد واله الطيبين الطاهرين