أمام العدد المهول من الضحايا، باتت المقابر الجماعية حلا إلزاميًا
لأهالي غزة الذي دخلت الحرب المدّمرة عليه شهرها الثاني، فيما
تتعاظم المآسي وتتكشف معها يوميًا المزيد من الجرائم التي يرتكبها
الجيش الإسرائيلي بحق المدنيين في القطاع.
***
سعدي بركة، 63 عاما، حفار قبور فلسطيني، تحدث لوكالة الأناضول عن معاناته لكثرة ما دفن من أطفال ونساء بسبب الحرب، رغم أنه أمضى حياته في مهنة حفر القبور، إلا أن ما يشهده حاليا "لا يقارن" بكل ما مضى، لدرجة أنه لا يستطيع النوم والأكل".
أخبر الحاج بركة بحُرقة، عن اضطرارهم للجوء لحفر القبور الجماعية، مبيّنًا أنهم يقومون بذلك بأضعف الإمكانيات.
ووسط كل محاولات التهميش والتأطير لإظهار هذه الحرب على أنها تستهدف "أهدافًا" تابعة لحركة حماس الفلسطينية ومقاتليها وأنفاقها وأسلحتها ومراكزها، حقيقة وحيدة غير قابلة للإنكار، هي أنه بحسب الأرقام الرسمية، فإن معظم سكان غزة هم من النساء والأطفال، وهذا الواقع أفضى إلى مأساة أكبر تمثلت بأن 70 بالمئة على الأقل من ضحايا القصف الإسرائيلي هم أطفال ونساء، وفق مصادر رسمية فلسطينية.
لماذا المقابر الجماعية؟
يقول بركة: "اضطررنا لهذا الأمر (المقابر الجماعية)، لا يوجد مكان يتسع لهذه الأعداد من الجثامين يوميا، ولا يوجد بلوك (ألواح إسمنتية توضع فوق الجثامين في القبور) كل شيء فُقد من غزة".
وأضاف: "لم أرَ حتى اليوم إجرامًا كهذا بحق الأطفال والنساء والشيوخ حتى عند النازية التي يتحدثون عنها".
وتابع: "أمس تقريبا دفنت أكثر من 600 شهيد، أكثر ممن دفنتهم خلال السنوات الخمس الماضية مجتمعة في غزة، لم أرَ مثل هذا الإجرام، أغلبية الذين أدفنهم نساء وأطفال".
الحاج بركة ذكر أن كل قبر جماعي تبلغ مساحته 6 أمتار تقريبًا، ويُدفن فيه نحو 45 شخصًا، وأكبر قبر جماعي دفن فيه 137 شخصًا.
وعن سبب الاضطرار للقبور الجماعية، قال: "لا توجد مواد خام، لم يبقَ في غزة أي شيء، حتى المياه لم تعد موجودة".
ولفت الحاج بركة إلى مسألة الجثامين العالقة تحت الأنقاض بسبب عدم توفر الآليات لرفع الردم وانتشالهم من تحته.
وبالنسبة لمجهولي الهوية، قال إنهم يدفنونهم كغيرهم، واستبعد إمكانية فتح القبور بعد انتهاء الحرب للتعرف على أصحاب الجثث.
لا أنام
بركة تحدث عن معاناته مما يشهده خلال يوم عمله الطويل لدى عودته إلى منزل، وقال: لا أستطيع النوم من كثرة ما رأيت من جثث للأطفال، ما ذنب هؤلاء الأطفال؟".
وقال: "نحن لا نريد مساعدات وطعام، نحن نسعى للسلام منذ أيام أبو عمار (الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات)، فيما (رئيس الحكومة الإسرائيلي بنيامين) نتنياهو لا يركض إلا وراء الدماء".
وأضاف: "نريد العيش بكرامة وحرية، لنا دولة وسيادة وغير ذلك من الحقوق الطبيعية لكل شعب، أريد أن أكون مواطنًا كأي مواطن في العالم، الأجدى بمن يرسلون مساعدات أن يجعلونا نعيش كغيرنا من البشر مواطنين في بلدنا كما هو الحال في أي دولة".
ومنذ 35 يوما، يشن الجيش الإسرائيلي حربا على غزة "دمر خلالها أحياء سكنية على رؤوس ساكنيها"، وقتل أكثر من 10 آلاف و812 فلسطينيا، بينهم 4412 طفلا و2918 سيدة، وأصاب أكثر من 26 ألفا، كما قتل 183 فلسطينيا واعتقل 2280 في الضفة الغربية، بحسب مصادر رسمية.