بعض الناس يجعل العين و آثارها
في سلّة الخرافات و لا يعتقد بها أصلاً. لكن يبدو أن القرآن لا
يعتبرها خرافة و مضافا إلى ذلك يشير إلى نماذج منها، و تؤيد ذلك
الشواهد التاريخية القرآنية عن الماضين.
لقد أثبتت الدراسات العلمية أن
للإنسان طاقة عجيبة يمكنها أن تترك آثاراً إيجابية أو
سلبية.
يعتقد العلماء اليوم أن لبعض
الناس روحاً و طاقة فريدة يمكنها أن تنقل الأشياء من مكان إلى مكان
بل تستطيع أن تفجّر الأشياء مثل أشعّة الليزر. و قد تصدر هذه الطاقة
من العين.
إن قدرة العين على الإضرار تختلف بحسب الطاقة الباطنية التي يملكها كل إنسان. كل الناس يملكون هذه الطاقة بشكل طبيعي. لكن تقوى هذه الطاقة في بعض الأشخاص لأسباب طبيعية أو تمارين خاصة أو تحولات باطنية و خارجية و تظهر أثرها من حيث لا يشعر الإنسان، و لكن لم تختصّ هذه الطاقة بإنسان دون إنسان، بل الكلّ يملكونها.
يعتقد المفسرون أنه قد تشتدّ هذه الطاقة في بعض الأعين و بالتالي يستطيع الإنسان أن يؤثر على غيره من خلال أمواج خاصة. و يتناقل الكثير عن أشخاص شاهدوهم بأم عينهم حيث يستطيعون بعينهم أن يقتلوا حيواناً أو يحركوا بعض الأشياء أو يعطلوا جهازاً. فهم يعتقدون بأن لا ينبغي الإصرار على إنكار هذه الأمور. بل يجدر تقبّل احتمال وجود مثل هذا الأمر من الناحية العقلية و العلمية.[1]
و روي عن أمير المؤمنين (ع) أنه قال: "العين حق و الرقى حق"[2] و يعتقد صاحب تفسير الأمثل أن الدعاء و التوسل نافع في إبطال أثر العيون و منع أو تقليل أضرارها.[3] روي عن الرسول الأعظم (ص) أنه قال: إِنَّ الْعَينَ لَتُدْخِلُ الرَّجُلَ الْقَبْرَ وَ الْجَمَلَ الْقِدْر.[4] و أيضا روي أن النبي مرّ من البقيع فالتفت إلى أصحابه و قال لهم: و الله لأكثر أهل هذه المقبرة قد ماتوا بالعين.[5]
و قد قال الله سبحانه تعالى للنبي الأعظم (ص) في العين: "وَ إِن يكاَدُ الَّذِينَ كفَرُواْ لَيزُلِقُونَك بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سمَعُواْ الذِّكرَ وَ يقُولُونَ إِنَّهُ لمَجْنُون"[6]
يقول العلامة الطباطبائي (ره): و
المراد بإزلاقه بالأبصار و صرعة بها- على ما عليه عامة المفسرين-
الإصابة بالأعين، و هو نوع من التأثير النفساني لا دليل على نفيه
عقلاً و ربما شوهد من الموارد ما يقبل الانطباق عليه، و قد وردت في
الروايات فلا موجب لإنكاره.[7]
و يقول الله سبحانه عن لسان يعقوب: "وَ قَالَ يابَنىِ لَا تَدْخُلُواْ مِن بَابٍ وَاحِدٍ وَ ادْخُلُواْ مِنْ أَبْوَابٍ مُّتَفَرِّقَةٍ وَ مَا أُغْنىِ عَنكم مِّنَ اللَّهِ مِن شىَْءٍ إِنِ الحْكمُ إِلَّا لِلَّهِ عَلَيهِ تَوَكلَّتُ وَ عَلَيهِ فَلْيتَوَكلَ الْمُتَوَكلُون"[8]
ذهب جمع من المفسّرين الى انّ سبب هذه النصيحة هو انّ اخوة يوسف كانوا يتمتّعون بقسط وافر من الجمال (و ان لم يكونوا كيوسف لكنّهم في كلّ الأحوال كانوا اخوته) و بأجسام قوية رشيقة، و كان الأب الحنون في قلق شديد من انّ الفات نظر الناس الى هذه المجموعة المكوّنة من 11 شخصا و يدلّ سيماهم على انّهم غرباء و انّهم ليسوا من أهل مصر، فيصيبهم الحسد من تلك العيون الفاحصة.[9]
يقول الإمام الصادق (ع): لَوْ نُبِشَ لَكمْ عَنِ الْقُبُورِ لَرَأَيتُمْ أَنَّ أَكثَرَ مَوْتَاهُمْ بِالْعَينِ لِأَنَّ الْعَينَ حَقٌّ.[10]
على أي حال ثبت بالعقل و العلم و التجربة أن للإنسان طاقات عجيبة نفسية و روحية تستطيع أن تعمل خيراً أو شراً و تترك آثاراً إيجابية أو سلبية.
طريق العلاج والوقاية
ليس التصديق بأثر العين بمعنى اللجوء إلى التقاليد الخرافية و ممارسات العوام. الإسلام قد أرشد إلى الاستعاذة و ذكر الله و كذلك وصى بالصدقة من أجل الوقاية من أثر العين. يقول الإمام الصادق (ع): "الْعَينُ حَقٌّ وَ لَيسَ تَأْمَنُهَا مِنْك عَلَى نَفْسِك وَ لَا مِنْك عَلَى غَيرِك فَإِذَا خِفْتَ شَيئاً مِنْ ذَلِك فَقُلْ ما شاءَ اللَّهُ لا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ الْعَلِي الْعَظِيمُ ثَلَاثاً وَ قَالَ إِذَا تَهَيأَ أَحَدُكمْ تَهْيئَةً تُعْجِبُهُ فَلْيقْرَأْ حِينَ يخْرُجُ مِنْ مَنْزِلِهِ الْمُعَوِّذَتَينِ فَإِنَّهُ لَا يضُرُّهُ بِإِذْنِ اللَّهِ"[11]
و قيل أن كتابة آية و إن يكاد و الاحتفاظ بها دائما نافع في ذلك.
و ورد في حديث آخر أن رسول الله (ص) كان يعيذ الإمام الحسن (ع) و الإمام الحسين (ع) من شرّ العين بهذه الكلمات: "أُعِيذُكمَا بِكلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّاتِ وَ أَسْمَائِهِ الْحُسْنَى كلِّهَا عَامَّةً مِنْ شَرِّ السَّامَّةِ وَ الْهَامَّةِ وَ مِنْ شَرِّ كلِّ عَينٍ لَامَّةٍ وَ مِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ. ثُمَّ الْتَفَتَ النَّبِي (ص) إِلَينَا[12] فَقَالَ: هَكذَا كانَ يعَوِّذُ إِبْرَاهِيمُ إِسْمَاعِيلَ وَ إِسْحَاقَ (ع)"[13] [14]
أما ما ذكرته من حالتك من أن عندما تمدح أحداً يصاب بعينك بسرعة و يتأذى، فمن أين حصل لك اليقين على أن هذا الإيذاء قد صدر من عينك؟ لعله هناك علة أخرى و تزامنت مع نظرتك إليه و لعلك أصبحت تفكر في هذه القضية أكثر من اللازم. على أي حال بما أن هذه الأحداث ليست باختيارك فلا يحملك الإسلام أية مسؤولية و أي ذنب.
بعد التفتيش في النصوص الروائية عثرنا على بعض الأحاديث التي تعطي حلولا للتخلص من هذه الحالة و عدم إيذاء الآخرين. و إليك نماذج من هذه الأحاديث:
عندما يعجبك شيء من أخيك المؤمن كبر الله و اذكره[15] و اقرأ سور الحمد و قل هو الله أحد و المعوذتين و آية الكرسي، و قل "ما شاء الله" و "تبارك الله" أو "الله الله ما شاء الله لا قوة إلا بالله".[16]
الهوامش:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل، ج18، ص562ـ 563.
[2] نهج البلاغه؛ الكلمات القصار رقم 400
[3] الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل، ج18، ص563
[4] بحار الأنوار، ج60، ص20.
[5] . تفسير منهج الصادقين ج9 ص391.
[6] القلم،51
[7] الميزان في تفسير القرآن، ج19، 388
[8] يوسف، 67
[9] الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل، ج7، ص260
[10] بحارالانوار، ج60، ص25
[11] بحارالانوار ، ج92، ص128
[12] كما يقول الراوي.
[13] الكافي، ج2، ص569.
[14] مقتبس من "شور چشمي" مع تصرف بسيط.
[15] طب، [طب الأئمة عليهم السلام] مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيمَانَ بْنَ مِهْرَانَ عَنْ زِيادِ بْنِ هَارُونَ الْعَبْدِي عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْبَجَلِي عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ مَنْ أَعْجَبَهُ شَيءٌ مِنْ أَخِيهِ الْمُؤْمِنِ فَلْيكبِّرْ عَلَيهِ فَإِنَّ الْعَينَ حَقٌّ مُحَمَّدُ بْنُ مَيمُونٍ الْمَكي عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عِيسَى عَنِ الْحُسَينِ بْنِ الْمُخْتَارِ عَنْ صَفْوَانَ الْجَمَّالِ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع أَنَّهُ قَالَ لَوْ نَبَشَ لَكمْ مِنَ الْقُبُورِ لَرَأَيتُمْ أَنَّ أَكثَرَ مَوْتَاكمْ بِالْعَينِ لِأَنَّ الْعَينَ حَقٌّ إِلَّا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ (ص) قَال:َ الْعَينُ حَقٌّ فَمَنْ أَعْجَبَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيءٌ فَلْيذْكرِ اللَّهَ فِي ذَلِك فَإِنَّهُ إِذَا ذَكرَ اللَّهَ لَمْ يضُرِّهُ. بحارالأنوار ج : 92 ص : 127
[16] مكا، [مكارم الأخلاق] لِلْعَينِ مَعْمَرُ بْنُ خَلَّادٍ قَالَ: كنْتُ مَعَ الرِّضَا (ع) بِخُرَاسَانَ عَلَى نَفَقَاتِهِ فَأَمَرَنِي أَنْ أَتَّخِذَ لَهُ غَالِيةً فَلَمَّا اتَّخَذْتُهَا فَأَعْجَبَ بِهَا فَنَظَرَ إِلَيهَا فَقَالَ لِي: يا مَعْمَرُ إِنَّ الْعَينَ حَقٌّ فَاكتُبْ فِي رُقْعَةٍ الْحَمْدَ لِلَّهِ وَ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ وَ الْمُعَوِّذَتَينِ وَ آيةَ الْكرْسِي وَ اجْعَلْهَا فِي غِلَافِ الْقَارُورَةِ وَ مِثْلُهُ. وَ رُوِي عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (ع) أَنَّهُ قَالَ: الْعَينُ حَقٌّ وَ لَيسَ تَأْمَنُهَا مِنْك عَلَى نَفْسِك وَ لَا مِنْك عَلَى غَيرِك فَإِذَا خِفْتَ شَيئاً مِنْ ذَلِك فَقُلْ ما شاءَ اللَّهُ لا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ الْعَلِي الْعَظِيمُ ثَلَاثاً. وَ قَالَ: إِذَا تَهَيأَ أَحَدُكمْ تَهْيئَةً تُعْجِبُهُ فَلْيقْرَأْ حِينَ يخْرُجُ مِنْ مَنْزِلِهِ الْمُعَوِّذَتَينِ فَإِنَّهُ لَا يضُرُّهُ بِإِذْنِ اللَّهِ. وَ عَنْهُ (ع) قَالَ مَنْ أَعْجَبَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيءٌ فَلْيبَارِك عَلَيهِ فَإِنَّ الْعَينَ حَقٌّ . بحارالأنوار ج : 92 ص : 128. الْجَوَامِعُ لِلطَّبْرِسِي، عَنِ النَّبِي (ص): مَنْ رَأَى شَيئاً يعْجِبُهُ فَقَالَ اللَّهُ اللَّهُ ما شاءَ اللَّهُ لا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ لَمْ يضُرَّهُ شَيءٌ. بحارالأنوار ج : 92 ص : 133.