علي لفتة العيساوي
حسب البيانات الرسمية الصادرة عن مؤسسة (JODI) التي ترصد البيانات الخاصة بالنفط يأتي العراق بالمرتبة الرابعة من بين الدول المصدرة للنفط عالمياً لسنة 2016م، بيدَ ان أطفاله الذين هم بعمر الورد يفترشون الارصفة وعند الحواجز الامنية والاشارات المرورية، يستجدون المارة منذ أول ساعات الصباح إلى ساعات متأخرة من الليل متحملين برودة الشتاء القارص و حرارة الصيف اللاهب.
قد تراهم يستعطفون الناس في الساحات والأسواق أو في الشوارع أوعلى الأبواب، وقد يهرولون بين السيارات بأرجلهم القصيرة يلتمسون من الآخرين الحصول على بعض الأموال التي تسد رمقهم.
عندما تتأملهم ترى إنّ الدهر قد سلب منهم براءتهم، ولهيب أشعة الشمس الحارقة قد أخفى محاسن وجوههم، قد غادروا الأحضان الدافئة التي تشعرهم بالحنان، حتى لا ترى في أعينهم أحلام الطفولة البسيطة.
تضع الدول المتحضرة جُلّ اهتماماتها وعناياتها في انشاء الجيل الصاعد من أبنائها, إذ تعدّ هذا الجيل ثروة كامنة تستفيد منها مستقبلاً, لذا تسعى جاهدة الى توفير مستلزمات الحياة الآمنة لأطفالهم من أجل النهوض بهم فكريا وثقافيا ونفسيا، حتى اوصت الجمعية العامة للأمم المتحدة في العام 1954 بأن يكون الاول من حزيران من كل عام يوماً عالمياً للطفولة، وفي خلال شهر حزيران من كل سنة تصدر منظمة حقوق الاطفال التابعة للأمم المتحدة تقريراً تنشر من خلاله مدى اهتمام الدول في مراعاة حقوق الأطفال، وهذا التقرير يشمل جميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، التي صادقت على اتفاقية حقوق الطفل عام 1989م وهي 163 دولة، حيث استندت المنظمة في التقرير إلى مؤشرات كالحق في الحياة، والحق في الصحة، والحق في التعليم، والحق في الحماية، والبيئة الملائمة لحقوق الأطفال.
وفي 16 حزيران من عام 2016م، أصدرت منظمة حقوق الاطفال تقريراً نشر في موقع (RT Arabic) الالكتروني ومواقع عالمية أخرى حيث احتلت تونس المرتبة الأولى عربياً والعاشرة عالمياً في احترام حقوق الأطفال، من بين 17 دولة عربية، وجاء العراق في ذيل القائمة بالمرتبة الـ17 عربياً، والمرتبة 149 عالمياً من بين 163 دولة.
وليس غريباً على العراق أن يكون في ذيل القائمة؛ إذ تشير احصاءات وزارة التخطيط والتعاون الانمائي الى ان عدد الاطفال الأيتام في العراق بلغ نحو اربعة ملايين ونصف مليون طفل خلال العام 2016م بينهم 500 الف طفل مشرد في الشوارع.
فارتفاع عدد الأيتام في العراق إلى أكثر من أربعة ملايين ونصف مع أربعة ملايين أرملة وآلاف المشردين وعشرات الآلاف من العاطلين بسبب الحروب والتهجير القسري خصوصاً بعد احتلال داعش لأجزاء كبيرة من العراق اضافة الى التفجيرات الارهابية، كل ذلك يعزز بدوره ظاهرة تسوّل الأطفال في العراق ويزيد من انتشارها.
كان المتوقع من رجال الدولة ان يوفروا الملجأ والحياة الكريمة لهؤلاء الناس، لا أنْ يهرولوا لشراء آلاف العقارات في الدول الاخرى لضمان حياتهم وحياة ابنائهم، بحيث صرح مدير المبيعات في مؤسسة (هارت ستيت أيجنت) أكبر مؤسسة لبيع العقارات في بريطانيا (قادر خان) ان العراقيين اشتروا أكثر من (70,000) سبعين ألف عقار في لندن عام 2014 فقط، مبيناً ان هذا الرقم أكثر مما اشتراه جميع الخليجيين خلال ربع قرن في المدينة نفسها، مؤكدا ان هؤلاء يعملون في مناصب عليا في الحكومة العراقية [1].
آثار التسول على الأطفال
ازدياد ظاهرة تسول الأطفال في العراق اصبحت تنحو منحى خطيراً، باعتبار ان الاطفال المتسولين أكثر عرضة للإنحراف من غيرهم وهذا يأتي من خلال ابتعادهم عن الدور الرقابي للأسرة والمدرسة، فاصبحوا يمارسون التدخين والكحول والتحرش والعادات السيئة التي يكتسبونها من الشارع وتلقي الكلام البذيء والإهانات التي يتعرضون لها
مما يولد لديهم روح العداوة والشعور بالنقص مقابل الآخرين، وقد اكدت بعض الدراسات ان 90% من المتسولين والاطفال العاملين يتعاطون التدخين
في محاولتهم لتقليد الكبار والاخطر من ذلك الادمان على المخدرات المحلية المتوفرة في الاسواق مثل استنشاق مادة التنر والبنزين والسيكوتين، وكذلك انواع الحبوب المخدرة المختلفة التي تباع في الاسواق الشعبية كستيلازين وآرتين..الخ[2].
اضافة إلى أمر آخر في غاية الأهمية وهو استغلالهم من بعض العصابات لغرض السرقة وبيع المخدرات والدعارة وأمور أخرى، مما يجعل هؤلاء الأطفال في المجتمع مثل القنبلة الموقوتة.
وهذا ما أكّدته الدكتورة (مريم علي) الاختصاصية في طب المجتمع والتي تحدثت عن هذه الظاهرة قائلة: نلاحظ ان كثيراً من الاطفال قد القت الظروف بهم بين السيارات وعند نقاط السيطرات والحواجز الامنية والاشارات المرورية وهذا ما لا شك فيه يتحول الى نوع من الامراض الاجتماعية ويتعرضون الى الاعتداءات والاهانات، وأوعزت ذلك الى ابتعاد هؤلاء الاطفال عن جو العائلة والأهل من ناحية الرقابة والتوجيه والارشاد الذي تقدمه الأسرة فيخرج لنا جيل جديد يحمل ثقافة الشارع وروح العداوة والبغضاء والاتجاه نحو الانحراف والمقامرة واقتراف الاخطاء من سرقة وتعاطي الحبوب والمسكرات والسكائر، فسوف نجد بعد فترة جيلا كاملا منحرفا يعيش على هامش الحياة، عمله كله ضد القانون ومملوء بالمخالفات وعندها لا يمكن ايقافه، بل سيؤثر في المجتمع باسره وسيدفع المجتمع الثمن باهظاً من أجل حل مشكلة لا يمكن اصلاحها بسهولة، فانتهاك الاطفال هو خلل اجتماعي يؤدي الى الانحراف ويسبب الجريمة كما ويصيبهم بالوهن والامراض النفسية المستعصية لان الانسان يمر بمرحلة مهمة هي الطفولة التي تحتاج الى رعاية ونمو سليمين وتأمين للمتطلبات التي يحتاج اليها الطفل, وهي ضرورية للحد من ظاهرة الاثار السلبية للمجتمع والمترتبة على عمل هؤلاء الاطفال في مثل هذه الاعمال المبتذلة[3].
وفي دراسة نشرتها وزارة التخطيط والتعاون الانمائي أكّدت أنّ ظاهرة الانحراف بأشكاله المختلفة ظاهرة ملازمة للتسول خصوصا بالنسبة للأطفال الذين يقعون فريسة سهلة من خلال ممارسة التسول لضعف بنيتهم ومستوى إدراكهم، مسببين خطرا داهما لصعوبة مراقبتهم وتنشئة جيل غير سوي مستقبلا، ان انخراط الأطفال في هذه العملية خطورة فادحة تستوجب الانتباه وتوقي الحذر منها، باعتبار أن الأطفال هم دعامة المستقبل التي يعتمد عليها في بناء التنمية الوطنية، وأن تعرضهم لمشاق هذه الظاهرة وحرمانهم من كل حقوقهم كالصحة والتعليم يعد عملا غير أخلاقي ولا أنساني تنأى عنه كل المبادئ والتشريعات الدولية [4].
وقد صرّحت مصادر أمنية في وزارة الداخلية العراقية ان هنالك ظاهرة دخيلة على المجتمع العراقي تتمثل بعصابات التسوّل التي بدأت تنتشر في العاصمة بغداد وضواحيها اضافة الى المحافظات الأخرى، إذ يستغلّ ضعاف النفوس الأيتام والمشردين للتسول مقابل توفير مأوى لهم في مكان ما، وتستغل عصابات التسول النساء والأطفال المشردين بنسبة أكبر من الرجال والشباب لاستعطاف الناس، وحثهم على دفع المال، وفي نهاية اليوم يحمل المتسوّلون المال لمرؤوسيهم مقابل توفير الطعام والمأوى لهم.
وكشفت دراسة اعدها المركز العراقي لحقـوق الطفل ان الأطفال الذكور يشكلون نسبة 56 % من المتسولين مقابل44% مـن الإناث ، ومعظم المتسولين تربطهم صلة قرابة بالمرافقين لهم، وبعضهم يتم استئجارهـم مقابـل مرتبـات اسبوعية او اجـور يومية.
من جانبه أكّد الباحث الاجتماعي عبد الصمد القريشي أنّ هذه الظاهرة الخطيرة تخفي خلفها ظواهر أشد خطراً، منها تجارة الأعضاء البشرية والمخدرات والدعارة واستغلال الأطفال حتى في أعمال العنف، وهذه الظاهرة تهدد النسيج الاجتماعي العراقي على المدى القريب والبعيد، ولا بد من وضع حلول جذرية لمعالجتها اجتماعياً أمنياً.
وفي السياق نفسه تحكي الناشطة الاجتماعية (طيبة الزبيدي) عن بعض القصص التي تعاملت معها أثناء عملها التطوعي قائلة: أن بعض الصبية المشردين وقعوا ضحية لعصابات السرقة والمخدرات، إذ يقومون باستغلال صبية في أعمار صغيرة لتنفيذ عمليات سرقة خفيفة أو رصد ومراقبة الأماكن التي تريد العصابات سرقتها، كما أن بعضهم يتم استغلاله في توزيع المخدرات إذ لا يتم الشك بهم أو ملاحظتهم لحداثة سنهم، وهو ما يهدد بخطر كبير على مستقبلهم وعوائلهم، وتضيف أن بعضهم يعتبرون أنفسهم مضطرين لممارسة هذه الأعمال المنافية للقانون من أجل إعالة عوائلهم والإنفاق عليهم لصعوبة الوضع المعيشي للكثيرين منهم، لكن هذا يطرح تساؤلات كبيرة عن دور الدولة في مكافحة هذا النوع من الجريمة التي تهدد بنشوء طبقة من المجرمين سيتضرر المجتمع كله من ممارساتهم[5].
كما ان بعض الدراسات الميدانية التي التقت بجميع هؤلاء الأطفال ذكروا لهم بأنهم تعرضوا للاعتداء والاستغلال الجنسي من قبل أصحاب السيارات والمارة والمتعاملين بالمخدرات وفي بعض الأحيان من قبل أطفال آخرين.
أسباب ارتفاع نسبة التسول لدى أطفال العراق
الفقر :
لا يخفى على أحد حجم الفقر المدقع لبعض فئات المجتمع العراقي على الرغم من الميزانيات الانفجارية - كما يعبر عنها بعض السياسيين- بسبب السياسات الخاطئة للحكومات المتعاقبة، فقد صرح المتحدث باسم وزارة التخطيط عبد الزهرة الهنداوي: التقديرات تشير الى أن نسبة الفقر بالعراق قد ارتفعت الى 30% خلال العام الماضي 2016 بعد أن كانت 22% في آخر مسح أجرته وزارة التخطيط في العام 2014.
وأضاف الهنداوي، أن "نسبة الفقر بالعراق وصلت الى 13% في العام 2013 إلا أنها ارتفعت الى 22% خلال العام 2014 بعد احتلال تنظيم (داعش) لعدد من المحافظات، إضافة الى انخفاض أسعار النفط بالأسواق العالمية التي فاقمت من حدة الفقر بالعراق".
واعترفت وزارة التخطيط في الـ(12 من أيار 2013) بفشل الخطة الخمسية التي وضعتها في عام 2010 للسنوات (2010-2014) التي تهدف إلى تقليل الفوارق بين مناطق الحضر والريف وزيادة الناتج المحلي، فيما أكدت أن العراق لا يزال بعيداً عن الحدود التي رسمتها الأمم المتحدة.
وسبب ذلك الفقر دفع الأطفال الى ترك التعليم والتسول مما أنتج جيلاً منحرفاً اكتسب تعليمه وثقافته من الشارع، وهذا ما حذر منه تقرير مشترك لوزارة التربية العراقية ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف) من أن واحدا من بين كل خمسة أطفال فقراء في العراق هجروا المدارس قبل إتمام الدراسة الابتدائية، إذ يعاني 40% من الأسر النازحة من الفقر، ووفق التقرير فقد اضطر نصف الأطفال النازحين و90% من أطفال المناطق التي تشهد معارك إلى ترك الدراسة، ويقدّر حجم الخسائر الاقتصادية نتيجة الهدر الكبير للأموال وتسرب الطلبة في العام الدراسي 2014 و2015 فقط بنحو مليار دولار أميركي، ونبّه التقرير إلى أن شحة الاستثمار والموارد في التعليم يهددان بانخفاض معدلات التحصيل التعليمي، إذ يفتقر ثلاثة ملايين ونصف مليون طفل إلى التعليم.
وأضاف تقرير اليونيسيف أن نصف الأبنية المدرسية في العراق بحاجة الى إصلاحات عاجلة، ودعا للتبرع بنحو 32 مليون دولار لتمويل برامج التعليم خلال عام2017 [6].
فقدان رب الاسرة:
أدت سيطرة داعش على أجزاء واسعة من العراق الى تفشي ظاهرة القتل للرجال واختطاف النساء اضافة الى التفجيرات والارهاب، فظهرت طبقة كبيرة من فئات الشعب العراقي تفتقد الى المعيل أو رب الأسرة، وقد أكّدت مجموعة من الباحثين ان عدد الأرامل وصل الى اربعة ملايين ارملة واربعة ملايين ونصف مليون يتيم وهذا العدد الهائل للأطفال ينبئ عن اعداد غفيرة من اطفال تعاني بشدة من الحرمان الشامل لكل أوجه الرعاية الصحية والتربوية والاجتماعية، الامر الذي يدفع الاطفال الى الوقوع فريسة التشرد والتسول والانحراف السلوكي.
كما ان الاضطرابات التي تعصف بالعائلة من قبيل النزاعات والهجر والطلاق أو الزواج بمرأة ثانية والعزوف عن الزوجة الأولى وعدم تلبية مستلزمات الحياة للعائلة هي مما يتصدع بسببها شمل العائلة ويتدهور وضعها الاقتصادي بسبب فقدان ربّ العائلة التي يعيلها , ويدفع بالأطفال إلى ترك التعليم والنزول الى الشارع لتوفير بعض ما تحتاجه العائلة.
عدم الالتزام بالمعاهدات الدولية:
من الأمور الواضحة عدم التزام العراق في تفعيل بنود المعاهدات الدولية لحقوق الأطفال كحقه في الحياة، والحق في الصحة، والحق في التعليم، والحق في الحماية، والبيئة الملائمة لحقوق الأطفال. اضافة الى التدابير المناسبة لتشجيع التأهيل البدني والنفسي للأطفال، وإعادة الاندماج الاجتماعي للطفل الذي يقع ضحية لأي شكل من أشكال الإهمال أو الاستغلال أو الإساءة أو التعذيب، أو أي شكل آخر من أشكال المعاملة أو العقوبة القاسية أو الإنسانية أو المهنية أو النزاعات المسلحة، ويجري هذا التأهيل وإعادة الاندماج هذه في بيئة تعزز صحة الطفل واحترامه لذاته وكرامته، والمصادق عليها من قبل 163 دولة عالمية، ومن المعلوم ان العراق بعد عام 2003م كان يملك كل الإمكانات المادية والمعنوية في العراق ولكن مع شديد الأسف ذهبت تلك الميزانيات الانفجارية في جيوب الفاسدين.
أمثلة على مأساة ظاهرة تسول الأطفال في العراق:
كثير من الدراسات الميدانية التي قام بها بعض المختصين نقلت عن مدى خطورة ومأساة ظاهرة التسول على الأطفال وسنقتصر على خمس قصص لضيق المجال:
أولاً: في تقرير ميداني أعدّه كادر صحيفة الزمان قائلاً: تنقلنا في منطقة الباب الشرقي لاحظنا متسولة تبكي جراء حرق طفلها الذي تفترش به الارض وحين سألنا اصحاب المحال تبين لنا تعرض هذا الطفل -الذي تدّعي انه ابنها- الى انتهاك فظيع من خلال تعريضه الى حرق مقصود، وقال احد اصحاب المحال لـصحيفة (الزمان) ان (حرق الطفل يتغير بين مدة واخرى وحين يشفى الحرق تجري عملية حرق جديدة ويظهر مكان اخر من الجسم بحروق جديدة).
مضيفاً: ان القوات الامنية الموجودة في تلك المنطقة وبالرغم من قربها من وزارة الداخلية لم ينتبهوا الى هذه المتسولة ولم ينتبهوا لتغير الحروق التي يتعرض اليها الطفل.
واوضح ان الطفل في بعض الاحيان يضجر من الجلوس الطويل ويحاول الهروب او التحرك وبدورها تقوم الام بضربه بطريقة مريعة لإسكاته، مشيرا الى وجود شائعات حول اعطائه جرعة مخدرة لزيادة هدوئه وعدم البوح بما يتعرض اليه، فضلا عن دور المخدر في تهدئة الم الحروق الشديدة) [7].
ثانيا: متسول يبلغ من العمر 11 سنة اسمه "مهند" يقول: في مرة ما اعتدى علي شخص، أخذني إلى منزله وكذب علي، قال لي تعال معي الى منزلي من أجل أن أنظفه له وأنه سيعطيني 30 ألف دينار عراقي - ما يقرب من 26 دولارا أميركيا- أخذني إلى منزله ..... وهربت منه فيما بعد ولم أذهب على الإطلاق مع أي شخص آخر لأنني خائف .
وفي أحد الأيام، عند التقاطع، أهانني أحد الرجال، مستخدماً كلمات خشنة جداً وطلب مني الصعود إلى سيارته.
قلت له: عمي انت أكبر سناً مني وتتفوه بهذه الكلمات الرديئة. نحن الأطفال يجب ألا نتعلم مثل هذه الأشياء
منك. كما ان هناك أطفال يتناولون الكحول بالشارع، وهذا الولد سيف يشرب (عرق) ويتحرش بالبنات ويعتدي عليهن جنسياً[8].
ثالثا: "فرح" فتاة تبلغ من العمر 7 سنوات تمارس التسول تقول:غالباً ما يمشي الأولاد خلفي يقولون : تعالي معنا. وأنا لا أقبل الذهاب معهم، وبذلك يواصلون إلقاء الشتائم علي، مثل: بنت ال... سوف أمارس ...وفي أحد الأيام ركض شخص ما خلفي. ركضت ولكنه مسكني وبدأ يقبلني , وهناك أولاد يمارسون الجنس مع الفتيات هنا ... السواق يشتموننا كثيراً لو رفضنا الذهاب معهم...وتوجد امرأة مسنّة هنا تقوم بأخذ مجموعة من الفتيات إلى رجال كبار في السن
ولكنني لا أذهب أبداً[9].
رابعاً: "محمد" الذي يبلغ من العمر ثماني سنوات تختلف حكايته كثيراً عن حكايات من سبقه، تحدث وعلامات الخوف بادية على وجهه قائلا: هناك رجل عجوز رماني في الشارع وكان يقول إنه والدي، وعندما جاء بي هذا الرجل إلى هذا التقاطع قال لي بأنه سيعود في وقت لاحق لكنني لم أره منذ مدة طويلة, وعندما سألناه عن مكان نومه قال: أنام داخل كابينة صغيرة عائدة لرجال المرور لكن أفراد الشرطة يضايقونني.[10]
خامساً: في حي المنصور - أحد ارقى أحياء العاصمة العراقية- وعند مدخل شارع الأميرات ثمة قصة لطفل قال ان اسمه "أحمد" يبلغ من العمر أحد عشر عاما، يقف عند إشارة المرور وهو يحمل علب مناديل ورقية سعر الواحدة 500 دينار عراقي - أقل من نصف دولار أمريكي- قال أحمد ان لديه «عشر علب من المناديل الورقية لم يبع منها أي علبة منذ أكثر من أسبوعين، لكنه حسب قوله يحصل من خلال عرضها على سائقي السيارات المتوقفين عند الإشارة الضوئية على كثير من المال، هم يدفعون لكن يرفضون أخذ العلبة.
يرفض أحمد تحديد ما يحصل عليه من مال، خلال اليوم يبدأ العمل عند السابعة صباحا إذ يقدم له صاحب البيت كوب حليب مع قطعة خبز وينتهي مع آذان العشاء حيث يعود إلى البيت ليقدم ما حصل عليه من مال إلى صاحب البيت.
كما يرفض تحديد صلة القرابة أو أي صلة أخرى تربطه بصاحب البيت الذي يأويه؛ لكنه قال منذ فتحت عيني على الدنيا أعيش في هذا البيت مع سبعة آخرين كلنا نناديه (أبي)، ونحن نعرف اننا بلا أب ولا أم، قالها بحزن فيما انقطع عن الكلام معنا ليعود ثانية إلى رزقه حيث ترغم إشارة المرور سائقي السيارات على التوقف.
قال أحمد ان هذا المكان خاص بي، وهو مؤجر مقابل مبلغ كبير يدفعه أبي كإيجار سنوي لأناس آخرين.
يتعرض أحمد لإهانات بشكل مستمر لأنه لا يحصل على مال كثير كما يحصل عليه زملاؤه في البيت حيث ان "أبيه" دائما ما يصرخ بوجهه وأحيانا يضربه[11].
توصيات وحلول:
بعد الاطلاع على الآثار الخطيرة لظاهرة تسول الأطفال على مستقبل العراق، يجب على الحكومة العراقية أن تأخذ دورها في وضع حدّ لهذه الظاهرة، وأن يكون هناك تنسيق جدّي بين الوزارات ذات العلاقة في طرح حلول وعلاجات واقعية لهذه الظاهرة والوزارات هي: وزارة العمل والشئون الاجتماعية ,وزارة التخطيط / الجهاز المركزي للإحصاء وتكنلوجيا المعلومات, وزارة حقوق الانسان , وزارة الداخلية, وزارة العدل , وزارة الهجرة والمهجرين إذ انها مسؤولة عن تسجيل العوائل المهجرة داخل وخارج العراق ومن بينهم الاطفال.
كما لا يقتصر هذا الدور على الحكومة العراقية خصوصاً في الازمة المالية التي يمر بها العراق، لذا يجب أن تسهم المؤسسات الدينية والخيرية ومنظمات المجتمع المدني في انشاء دور رعاية للمشردين الأطفال ممن لا يجدون مأوى أو ملجأ لهم بخاصة ممن فقدوا آباءهم في الحروب، إضافة إلى انشاء مدارس داخلية للمشردين وتعليمهم وابعاد شبح الجهل عنهم ، كما يمكن انشاء صندوق لرعاية المشردين ومحدودي الدخل لرعاية هؤلاء الاطفال المحرومين على غرار ما تقوم به بعض مؤسسات رعاية الايتام الناجحة في العراق حيث يتم تمويله من التبرعات والميسورين في المجتمع.
وقد اقترح بعض ذوي الاختصاص مجموعة من الحلول يمكن أن تنهي هذه الظاهرة أو تحدّ منها وهي كما يلي:
على وزارة التخطيط وخصوصاً الجهات المختصة والدوائر الإحصائية على أجراء المسوحات الإحصائية الدقيقة وبشكل منتظم, وتقديم دراسة كاملة عن الأطفال المتسولين لغرض وضع الآليات الصحيحة والمناسبة لعلاج هذه الظاهرة.
على وزارة التربية اصدار قانون التعليم الإلزامي وخصوصاً للأطفال لانتشالهم من حالات التسول وتشجيعهم على الانخراط في المدارس لاكتساب الثقافة الصحيحة والابتعاد عن السلوكيات التي يكتسبها الطفل من الشارع وأخذ التعهدات من ولي أمر الطفل والمحاسبة الصارمة في عدم ارسال الاطفال الى المدارس وعدم التهاون في ذلك .
على وزارة العدل اصدار التشريعات اللازمة بعدم مزاولة التسول وخصوصاً للأطفال سواء التسول العلني أو المخفي (البائعون الجوالون في الساحات والطرق العمومية ومراكز العبادة وغيرها) وعدم الاعتماد على التشريعات القديمة التي صدرت عام 1969م التي أصبحت لا تتناسب مع روح العصر، اضافة الى التعهد بعدم ممارسة تسول الاطفال ومحاسبة رب العائلة الذي يدفع بأبنائه لامتهان التسول، ووضعه تحت المسألة القانونية.
على وسائل الاعلام التوعية الإعلامية الشاملة وتسليط الضوء على اهم الانتهاكات والمشاكل التي يتعرض لها الاطفال، فضلا عن ابراز الجوانب المضيئة في تأهيل اطفال الشوارع وتحويلهم الى افراد نافعين في المجتمع.
على وزارة العمل والشؤون الاجتماعية رفع مستويات حصة الفرد الواحد من الدخل القومي والحد من الفوارق في مستويات الدخل بين الأفراد، وتقليل الفروقات النسبية ضمن برنامج تنموي يساعد على ذلك، كما حصل في كثير من دول العالم والتي كانت تعد من الدول الفقيرة.
على وزارة الداخلية القضاء على العصابات الإجرامية التي تستغل الأطفال في مزاولة التسول وأمور إجرامية أخرى. حيث انّ هذه الظاهرة الخطيرة تخفي خلفها ظواهر أشد خطراً، منها تجارة الأعضاء البشرية، والمخدرات، والدعارة، واستغلال الأطفال حتى في أعمال العنف. وهذه الظاهرة تهدد النسيج الاجتماعي العراقي على المدى القريب والبعيد.