يشير الخبراء إلى أن ليلة واحدة بلا نوم تُمثل اعتداءً فسيولوجيًا على الجسم، حيث تبدأ باضطراب حاد في الإيقاع الهرموني صباحًا وتتصاعد لتشكل مخاطر جدية على السلامة الجسدية والإدراكية مع نهاية اليوم.
وعلى الرغم من أن الأرق المزمن يحمل مخاطر أعمق تشمل ضعف المناعة ومشاكل الصحة العقلية وزيادة خطر النوبة القلبية والسكتة الدماغية، إلا أن البقاء مستيقظًا لمدة 24 ساعة بمفرده يُشبه تأثير تعاطي أربعة كؤوس من النبيذ أو الجعة، كما أنه يدفع المراهقين المحرومين من النوم لاستهلاك 210 سعرات حرارية إضافية في اليوم التالي لكل ساعة راحة فقدوها، مما يؤكد أن النوم ليس مجرد رفاهية بل ضرورة لا غنى عنها.
ويبدأ مسار تدهور الجسم في الصباح الباكر بعد رنين المنبه، حيث يغلب على الشخص شعور فوري بالإرهاق وعدم الانتعاش رغم التعب الظاهر، محاولًا الجسم تعويض النقص بإفراز هرمونات اليقظة مما قد يسبب ارتعاشًا خفيفًا، وتظهر علامات الإجهاد واضحة على الوجه عبر انتفاخ العيون والهالات السوداء، وتكون حدة هذه الأعراض في ذروتها لدى "بومات الليل".
بعد مرور ساعة من الاستيقاظ، تبلغ مستويات الكورتيزول (هرمون التوتر) ارتفاعًا حادًا، وهو ارتفاع يزداد مع قلة النوم ويمنح يقظة مؤقتة مبنية على التوتر لا الطاقة الحقيقية، ويرتبط هذا الارتفاع بزيادة القلق وضعف المناعة، وقد تتحول هذه الحالة مع استمرارها إلى أرق مزمن.
مع الوصول إلى منتصف الصباح، يمر البعض بتحسن مؤقت في المزاج والطاقة بفعل المرحلة النهارية من الساعة البيولوجية، بينما يعاني آخرون من "ضباب دماغي" يعيق الذاكرة وحل المشكلات والتركيز، وتتضاءل الطاقة الجسدية وتتباطأ ردود الفعل بشكل ملحوظ، وتختلف الاستجابة الكلية حسب النمط الزمني لكل شخص.
وعند الغداء، يحدث اضطراب في هرموني الجوع والشبع، الغريلين واللبتين، مما يفتح الشهية بشكل خاص تجاه الكربوهيدرات، لكن تناول وجبة ثقيلة في هذا التوقيت الذي يتزامن مع الانخفاض الطبيعي في الساعة البيولوجية قد يؤدي إلى نعاس شديد، مما يستدعي مقاومة الرغبة الشديدة في الإفراط بالأكل واختيار وجبة متوازنة لتجنب التعب اللاحق.
أخطر المراحل تظهر في منتصف بعد الظهر، أي بعد حوالي 5 إلى 8 ساعات من وقت الاستيقاظ الطبيعي، حيث قد تحدث نوبات خطيرة من "النوم المصغر" وهي غفوات لا إرادية تستمر لثوان معدودة، وتصبح المشاعر أكثر حدة بسبب فرط نشاط اللوزة الدماغية، فتتبدى الضغوط الصغيرة بحجم أكبر، ويزداد الشعور بالعصبية والقلق والحساسية المفرطة، وقد يحصل البعض على "دفعة ثانية" من الطاقة مع اقتراب نهاية الانخفاض اليومي.
ومع حلول المساء، يتراكم التعب ويهدأ الدافع والتركيز بشكل أكبر، وهنا يُنصح بشدة بتجنب القيلولة لأنها قد تُعطل النوم الليلي المعتاد، ويجب بدلاً من ذلك الانتظار حتى وقت النوم المعتاد لاستعادة الإيقاع الطبيعي، كما يوصي الخبراء بتجنب الأطعمة المصنعة والمالحة التي تزيد الإرهاق وعدم الذهاب للنوم مبكرًا جدًا لتجنب اضطراب الساعة البيولوجية.
المحرر: عمار الكاتب