عانى العراق طويلاً من ما يصفه المواطنون بـ "الروتين القاتل" في الدوائر الحكومية؛ وذلك بسبب الاعتماد على العمليات اليديوية والتناظرية والورقية في سلاسل التوريد والإدارة المالية وكشوف الرواتب وغيرها من المعاملات الحكومية.
إلا أنَّ بارقة أمل جديدة في مغادرة هذا الروتين، بدأت تظهر منذ أن أطلقت الحكومة مشروع الحوكمة الإلكترونية والتحول الرقمي، وذلك قبل ثلاث سنوات.
ويكلل هذا التوجّه بافتتاح مركز التحوّل الرقمي والأتمتة في مقر وزارة التعليم العالي والبحث العلمي بتاريخ (17 شباط/ فبراير الجاري)، فما أهمية هذه الخطوة، وهل سبقتها خطوات مشابهة؟
قبل يومين افتتح رئيس الوزراء محمد شياع السوداني مركز التحوّل الرقمي في وزارة التعليم، واعتبره نقطة تحول ومنجزاً مهماً للوزارة.
حكومة الخدمة الرقمية
وقال السوداني في كلمته خلال الافتتاح وتابعها كلمة الإخباري: إن "البرنامج الحكومي أكد أن الحكومة الحالية حكومة الخدمة، وهي مرتبطة بشكل مباشر بالتحول الرقمي"، مضيفاً، "لا نريد أن يكون التحول الرقمي مجرد استعراض إعلامي، بل يجب أن يلمس المواطن التحولات في ما يناله من خدمة".
وتابع القول: "يجب أن ننتقل خلال 3 سنوات الى مستوى هيأة مستقلة أو وزارة معنية بالتحول الرقمي والأمن السيبراني".
وأوضح بأن هذا التحول الجديد "من شأنه تقديم الخدمات اللازمة للمواطنين وتحسينها" مشيراً إلى أن "الخطط الحكومية لا تمنع مبادرة الوزارات في تحسين خدمتها نحو التحول الرقمي".
وعن أهميته، قال: إنّ "التماسّ بين المواطنين والموظفين يشكّل مصدر تلكؤ، وبالتالي فإن التحول الرقمي سيتجاوز أهم العقبات"، مبيناً بأنه "يوفر خدمة مباشرة ويقلل الكلف، ويحارب الفساد".
وشدد السوداني في الوقت ذاته بأن "لدى الطلبة الشباب القابليات والاستعداد على بذل الجهود في مجال التطور والتحول الرقمي وتوظيف الذكاء الاصطناعي"، مبيناً أن "علينا ان نختار الاختصاصات النوعية المطلوبة في سوق العمل التي تهيئ رأسمال بشري لعملية التحوّل الرقمي".
العراق على أعتاب تحول رقمي تاريخي
وبتاريخ (18 تشرين الثاني/ نوفمبر 2024)، أكد مستشار الأمن القومي، قاسم الأعرجي، أن العراق يقف على أعتاب تحول رقمي تاريخي لتعزيز البنية التحتية المستدامة، فيما أشار الى التزام العراق بتطوير استراتيجية وطنية رقمية شاملة.
وقال الأعرجي، في كلمة له خلال منتدى الفضاء الرقمي العراقي المنعقد في بغداد: إن "المنتدى يمثل منصة تجمع نخبة من الخبراء المحليين والدوليين والقادة في مجالات التقنية والاستراتيجيات لمناقشة وتحقيق رؤية رقمية عراقية واعدة".
وأضاف، أن "التحول الرقمي هو أساس تقدم البلدان، والعراق يقف على أعتاب فرصة تاريخية لتحديد جاهزيته الرقمية ومواكبة التطور العالمي"، مشيراً إلى أن "المنتدى يعكس التزام العراق بتأسيس بنية تحتية رقمية آمنة ومستدامة".
وأكد الأعرجي، أن "مستشارية الأمن القومي تلعب دوراً محورياً في صياغة السياسات والتشريعات والتنسيق بين الأجهزة الأمنية والاستخبارية، إضافة إلى إعداد الاستراتيجيات الوطنية في مختلف المجالات".
كما شدّد، على "أهمية وضع أسس استراتيجية وطنية رقمية تنسجم مع التوجهات الحكومية".
تجارب مبكرة نحو التحول الرقمي
وفي وقت سابق من العام الماضي، أطلق مركز البيانات الوطني، بالتعاون مع وزارة العدل، خدمة إلكترونية جديدة لتنظيم المعاملات العقارية عبر بوابة أور الإلكترونية، وذلك في إطار الجهود نحو التحول الرقمي.
وشملت هذه الخدمة واجهة متكاملة تتيح إدارة المعاملات القانونية بكفاءة وشفافية؛ وتم تطبيقها في مديرية التسجيل العقاري الكاظمية الثانية، وجرى الاستغناء نهائياً عن المعاملات الورقية وأتمتة جميع خدمات الدائرة البالغ عددها (53 خدمة).
وتتيح بوابة أور الإلكترونية إتمام مختلف المعاملات العقارية، مثل: توثيق المساطحة، والمبادلة، والرهن الحيازي، وتأشير حقوق الارتفاق، إضافةً إلى تسجيل الوقف وتصحيح الصنف، وذلك من دون الحاجة إلى زيارة الدوائر الحكومية.
التحول الرقمي.. طفرة كبيرة للبلاد
ورغم أن موقع العراق متراجع حالياً في مجال التحول الحكومي الرقمي قياساً بالعالم، إلا أن وزارة التخطيط اعتبرت خطوة إحداث هذا التحول الجديد طفرة رقمية مهمة من شأنها تطوير العمل الإداري، وكذلك توفّر المعلومات والبيانات، لأصحاب القرار بالسرعة والوقت المُناسبين.
وبحسب المختصين فإن التحول الرقمي سيعمل على "تعزيز التعاون بين القطاعات عبر بناء شراكات فعالة بين القطاعين العام والخاص، والمؤسسات الأكاديمية والجهات الدولية، فضلاً عن معالجة تحديات الأمن السيبراني بوصفها أولوية رئيسية".
وأشاروا إلى أهمية التحول الرقمي في "دعم التجارة الإلكترونية والدفع الإلكتروني لتسهيل العمليات الاقتصادية، إضافة إلى تمكين الذكاء الاصطناعي في بناء اقتصاد رقمي متطوّر".
ما هي التحديات لتحقيق التحول الرقمي؟
فيما يرى مختصون آخرون أن البيروقراطية "لا تزال تنزف أموال الدولة الضائعة غير المبوّبة ما بين الاختلاس والرشا والمحسوبية"، مضيفين بأن مثل هذه الأموال "إذا ما تمّ اكتشافها لاحقاً عن طريق الجهات الرقابية فستحتاج إلى سنوات طويلة لملاحقة سرّاقها وإعادة إلى خزينة الدولة".
وأوضحوا بأنّ عوامل مثل قلة استخدام التقنيات الحديثة من قبل المواطنين، وقلة الكوادر العاملة والبنية الهشّة في الدوائر الحكومية تعد من "التحديات التي تواجه عملية التحول الرقمي في البلاد".