السبت 21 جمادى الآخرة 1447هـ 13 ديسمبر 2025
موقع كلمة الإخباري
بعد 45 عاماً من الهروب.. ما الذي ينتظر قتلة السيد محمد باقر الصدر؟
بغداد ـ كلمة | سراج علي (خاص)
2025 / 02 / 02
0

أسبوع واحدٌ فقط ويبتّ القضاء العراقيّ بالحكم الخاص لقتلة رجل الدين الشيعي البارز السيد محمد باقر الصدر وشقيقته بنت الهدى، مع الآلاف من العراقيين الشيعة والأكراد؛ فيما يؤكد خبراء القانون أن عقوبة هذه الجريمة هي الإعدام وفق المادة (406/1/أ) من قانون العقوبات العراقي بتهمة القتل مع سبق الإصرار والترصّد.

ويوم الجمعة الموافق لـ (31 كانون الثاني/ يناير) المنصرم، أعلن جهاز الأمن الوطني إلقاء القبض على المسؤول الأمني البارز في عهد النظام البعثي اللواء سعدون صبري القيسي والملقّب؛ لتورّطه بجريمة قتل السيد الصدر وأخته بنت الهدى؛ أثناء حملة صدام حسين ضد المعارضين ورجال الدين في البلاد.

العملية الأمنية هذه شملت عناصر أخرى في حزب البعث المنحل، ممّن ارتكبوا جرائم بحقّ الآلاف من العراقيين، وفقاً لما صرّح به المتحدث باسم الجهاز أرشد الحاكم.

وقال الحاكم في بيان متلفز تابعه (كلمة) الإخباري: إن "عملية إلقاء القبض على المجرمين تمت وفقاً لأحكام قانون حظر حزب البعث المنحل وبتنسيق عالي المستوى مع جميع الجهات ذات العلاقة والمؤسسة القضائية". 

وأضاف، أن "المتهم الأول سعدون صبري جميل القيسي رتبته لواء، اعترف صراحة بتنفيذ الإعدام بسلاحه الشخصي بحق السيد الشهيد محمد باقر الصدر وشقيقته وتنفيذ الإعدامات الجماعية للمعارضين بتهمة الانتماء إلى حزب الدعوة الإسلامية وأيضاً إعدام 8 مواطنين ودفنهم في مقابر جماعية في الفلوجة وجسر ديالى وإعدام اثنين من شباب السادة آل الحكيم وقتل معارض من أهوار الناصرية".

وتعود هذه العملية الأمنية لخمسة أشهر مضت، وفقاً لمصدر أمني كشف عن ذلك خلال الإعلان عن العملية، بحسب ما نقلته وكالة (أسوشيتد برس) وتابعه (كلمة).

وأضاف المصدر أن "القيسي فرّ بعد سقوط حكومة صدام عام 2003، إلى سوريا مستخدما لقب (الحاج صالح)؛ لتجنّب الملاحقة القضائية".

إلا أنه عاد إلى العراق وفقاً للمصدر "في (26 شباط/ فبراير 2023) ليتم اعتقاله قبل أشهر في أربيل، بعد (45 عاماً) من إعدام السيد الصدر الذي عُرف بمعارضته الشرسة لحكم البعث".

وشغلَ القيسي مناصب رفيعة المستوى في عهد صدام حسين، بما في ذلك مدير أمن الدولة ومدير الأمن في مدينة البصرة الساحلية وكذلك مدينة النجف بوسط البلاد. وهو متهم بالإشراف على اعتقال الصدر وإعدامه.

في حين كشف الناطق باسم القائد العام للقوات المسلّحة صباح النعمان في بيان تلقاه (كلمة) تفاصيل عن المقبوض عليهم، وذلك بعد اكتمال الإجراءات القانونية والقضائية.

وقال النعمان: "لن تدّخر قواتنا الأمنية البطلة جهداً، وكذلك كل الأجهزة المسؤولة عن تحقيق العدالة وملاحقة الجريمة والمجرمين مهما تقادمت، كي تقرّ عين العراقيين، بِرّاً بقسمها الذي أقسمت على نفسها بمواصلة العمل من أجل إحقاق الحق، وترسيخ العدالة وعدم الإفلات من العقاب، وأن يكون عملها وجهادها خيمةً للأمن والاستقرار لهذا الوطن".

وتابع القول: "ها هي اليوم تسجل انتصاراً جديداً يُضاف إلى سجلّها الحافل بالمنجزات وتنفيذ الواجب، بعد أن ألقت القبضَ على زمرةٍ مجرمةٍ أوغلت بدماء العراقيين كانت تمثل الآلة القمعية للنظام المقبور، استباحت حُرمات الدم العراقي، ولم ترقب في مؤمن إلًّا ولا ذِمّة، ولم ترعَ حُرمة الأبرياء، وأمدّت بوحشيتها سنواتِ جثوم الطغيان على صدور الشعب العراقي الصابر".

وبين بأن "الإعلان عن تفاصيل هذه العملية البطولية، وعن تفاصيل المقبوض عليهم، جاء بعد أن اكتملت كل الإجراءات القانونية أمام القضاء بحق هؤلاء المجرمين، وفقاً للقانون والدستور، وبعد إلقاء القبض على أبرز رؤوس هذه العصابة المسؤولة والضالعة في جرائم عهود الظلم والطغيان وعلى مدى سنوات طوال".

ومن الجانب القانوني، يقول الباحث القانوني على التميمي في تصريح للوكالة الرسمية تابعه (كلمة): إن "عقوبة هذه الجريمة البشعة هي الإعدام وفق المادة (406/ 1 / أ) من قانون العقوبات العراقي بتهمة القتل مع سبق الإصرار والترصد، وبدلالة مواد الاشتراك 47 و48 و49 من قانون العقوبات العراقي وعقوبة الشريك هي نفسها عقوبة الفاعل الأصلي".

وأضاف، "كما أن التحقيق الجنائي يوجب أن تفتح كل جريمة من هذه الجرائم بقضية مستقلة عن الأخرى وفقا لتتابع العقوبة في قانون العقوبات، تحقيقا ومحاكمة، وهذه الجرائم لا تسقط بالتقادم أو مضي المدة وفقا للمواد من 150-154 من قانون العقوبات العراقي لتعلقها بالحقوق الشخصية".

اعترافات قاتل الصدر "سعدون صبري"

عرض جهاز الأمن الوطني مقطعاً مصوراً من (12 دقيقة) لاعترافات منفذ عملية قتل السيد الصدر، المدعو سعدون صبري القيسي (تولّد 1947) والمكنّى بـ (عقيد زهير).

ومن الاعترافات التي ذكرها حالة التضييق التي مورست على السيد الصدر قبيل فترة إعدامه، حيث جرى منعه من الخروج من المنزل وأصبح تحت إقامة جبرية؛ كما تم منع تواصل أي أحد معه فيما بعد.

وذكر بأن مدير الأمن العامة فاضل البرّاك أمر بعدها بفترة اعتقال السيد الصدر وشقيقته بنت الهدى، ووجّه الأمر إلى مدير الأمن آنذاك في النجف أكرم سعيد، لتنفيذه على الفور.

وأضاف بأن مفرزة من أمن النجف قامت بجلب السيد الصدر وشقيقته إلى الأمن العامة في بغداد، وقد جرى وضع الصدر في الشعبة الثانية فيما تم حبس شقيقته في الشعبة الخامسة. التي كان يترأسّها القيسي آنذاك.

ثم اعترف القيسي بأن البراك أمره بعدها بتنفيذ حكم الإعدام بالسيد الصدر مع الضباط الآخرين. ممن ألقي القبض عليهم مؤخراً.

القيسي ذكر أيضاً أن السيد الصدر التقى بشقيقته بنت الهدى مرة أخرى في الغرفة التي جرى فيها إعدامهما، وقد ودّع أحدهما الآخر وقال لها السيد الصدر: "ملتقانا في الجنّة إن شاء الله".

يضيف القيسي "مسكت سلاحي (نوع غدّارة) وسددت رصاصتين على السيد الصدر وقد اندفعت منه الدماء بقوّة وكذلك جرى في وقتها قتل العلوية بنت الهدى وفاض دمها".

وكان هيثم عبد العزيز فائق، وهو أحد الرجال الذين تم اعتقالهم مع القيسي، من كبار القادة، وهو متهمٌ أيضاً بالإشراف على عمليات قتل الصدر وشقيقته وأعضاء حزب الدعوة الإسلامية، واعترف بذلك بعد اعتقاله.

السيّد الصدر.. محطات سريعة

كان السيد محمد باقر الصدر المولود في مدينة الكاظمية بالعاصمة بغداد بتاريخ (1 آذار/ مارس 1935) من رجال الدين الشيعة البارزين في العراق، وهو ناقد سياسي ومفكر إسلامي له العديد من المؤلفات التي تُرجمت إلى لغات عديدة، وقد عارض خلال حياته حكومة البعث العلمانية بقيادة الرئيس العراقي المخلوع صدام حسين، إلى الحد الذي أفتى فيه بحرمة الانتماء لحزب البعث، حتى لو كان الانتماء صورياً.

وقد عُرف عن الصدر نبوغه العلمي المبكّر خلال دراسته الدينية، وأسهم في تأليف العديد من المؤلفات، منها، بحوث في شرح العروة الوثقى ودروس في علم الأصول واقتصادنا وفلسفتنا وغاية الفكر في علم الأصول والبنك اللاربوي في الإسلام والأسس المنطقية للاستقراء.

أما عن كفاحه فقد اشتدت معارضته لحزب البعث المنحل في أعقاب الثورة الإسلامية في إيران عام 1979، الأمر الذي زاد من مخاوف صدام من اندلاع انتفاضة يقودها الشيعة في العراق.

في عام 1980، وبينما كانت الحكومة تتحرك ضد النشطاء الشيعة، تم اعتقال الصدر وشقيقته بنت الهدى، وهي عالمة دينية وناشطة تحدثت ضد القمع الحكومي في رواياتها الأدبية.

وتشير التقارير إلى أنهما تعرضا للتعذيب قبل إعدامهما شنقاً في (8 نيسان/ إبريل 1980)، ورفضت الحكومة إعادة جثتيهما، خوفاً من أن تصبح قبورهما نقاط تجمع للمقاومة. وقد أدى إعدام الصدر إلى تعميق المعارضة الشيعية لصدام، الأمر الذي أدى إلى تأجيج الحركات التي أسهمتْ بسقوط حكومة البعث في نهاية المطاف عام (2003).

ردود الفعل الرسمية والشعبية

تلقّى العراقيون نبأ إلقاء القبض على قاتل السيد الصدر وشقيقته بن الهدى ومعهما من أسرة آل الحكيم باهتمام كبير؛ فضلاً عن وسائل الإعلام العراقية والدولية، التي نشرت تقارير عديدة عن الحادثة.

وعلّق رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني في بيان نُشر عبر حسابه في منصة (إكس) ذكر فيه: "يثبت رجال الأمن الوطني، ومعهم الجهد الأمني للدولة، أن تفانيهم يجري بالاتجاه الصحيح، نحو ترسيخ القانون، و تأكيد عدم الإفلات من العقاب. ومع تحقيق العدالة بالقبض على رموز الآلة القمعية المُجرمة للنظام الصدّامي البعثي، قتلة الشهيد آية الله العظمى السيد محمد باقر الصدر رضوان الله عليه، وشقيقته، وكوكبة الشهداء من آل الحكيم، ومعهم آلاف العراقيين الذين كُتمت أنفاسهم الشريفة في غياهب السجون، نؤكد منهج ملاحقة المجرمين وإن طال بهم الزمن في هروبهم".

فيما أكدت عضو لجنة الشهداء والضحايا والسجناء السياسيين النيابية رقية النوري: "نحن في البرلمان العراقي سبق وأن أكدنا على ضرورة تفعيل قانون حظر حزب البعث والأفكار المرتبطة به وهو من القوانين التي عالجت جرائم حزب البعث إضافة إلى أن حقوق الضحايا أُطّرت بإطار رسمي في مؤسسات العدالة الانتقالية الشهداء والسجناء السياسيين".

وأضافت، "بحكم عضويتنا في لجنة الشهداء والضحايا والسجناء السياسيين فنحن نتابع جدياً وميدانياً وبمخاطبات رسمية مع أجهزة الأمن وغيرها من أجهزة الدولة والوزارات المعنية تطبيق قانون حظر حزب البعث المنحل لملاحقة أزلام النظام البائد ممن تورطوا بقتل العراقيين".

فيما تفاعل عدد من المحللين السياسيين مع نبأ اعتقال المتهمين، وأكدوا بأن حزب البعث المنحل مارس أبشع أنواع الإبادة الجماعية بحق الشعب العراقي بجميع مكوناته من الشيعة والكرد والسنة من قتل وإعدامات جماعية وتهجير.

وأضافوا بأن جرائم قتل السيد الصدر وآل الحكيم تمت أما عبر الاغتيال المباشر أو اقتيادهم لسجون سرية وتصفيتهم جسدياً، وهذه الجرائم ستبقى شاهدًا على جرائم البعث المجرم وحقيقة دامغة تدين زبانيته أمام الشعب العراقي والمجتمع الدولي.

أما التعليق الأبرز عن هذه الحادثة والعملية الأمنية التي أطاحت بالمتهمين، كان لنجل السيد الصدر (جعفر الصدر) الذي كتب على حسابة في منصّة (إكس) قائلاً: إن "المسؤول عن دم السيد الشهيد الصدر الأول واخته العلوية بنت الهدى هو المجرم صدّام ولا يهم السكين التي استخدمها في جريمته".

وأضاف أن "الفاسق لا يؤخذ باعترافه فهو متهم بالكذب او مغرض وهدفه تبرئة سيدّه المجرم الحقيقي" بحسب قوله.



التعليقات