الأربعاء 14 رَجب 1446هـ 15 يناير 2025
موقع كلمة الإخباري
أغنى ولاية أمريكية.. كيف تحوّلت "لوس أنجلوس" إلى ركام ورماد؟!
خاص ـ كلمة | سراج علي
2025 / 01 / 12
0

لم تكن رياح "سانتا آنا" لوحدها على موعدٍ من الولايات المتحدة الأمريكية، بعد أن تملّكتها رغبة جامحة عن المعتاد عليه في السنوات السابقة، وتسببت باندلاع النيران في غابات كاليفورنيا والمناطق المجاورة لها وخصوصاً في مدينة لوس أنجلس.

الرياح هذه التي تشكّل في كل عام عبئاً ثقيلاً على إطفائيي الحرائق، دفعت الشتاء إلى قلب معركة النيران بعد أن اجتاحت المنطقة بسرعة بلغت (160) كيلومتراً في الساعة، واُعتبرت هذا العام بأنّها الأسوأ منذ عام (2011).

واجتاحت الحرائق الهائلة التي بدأت يوم الثلاثاء مدينة لوس أنجلوس، وامتدت إلى مساحات شاسعة، وأتت على الأخضر واليابس وتسببت في إجلاء عشرات الآلاف من المواطنين، إضافة إلى سقوط قتلى نتيجة الحرائق الشديدة.

وتشتهر رياح (سانتا آنا) بأنها جافة وشديدة الحرارة، ما يجعلها عاملاً رئيسياً في تأجيج حرائق الغابات، حتى بدا المشهد في لوس أنجلس حسب وصف قائد شرطة المقاطعة روبرت لونا "كما لو أن قنبلةً ذرية وقعت عليها".

أسبوع الجليد والنار

بدأت الكارثة عندما ارتجف الملايين من الناس في مختلف أنحاء الولايات المتحدة في ظل ظروف عاصفة ثلجية وهواء بارد استمر لأيام، وذلك بفضل تيار هوائي نفاث ينزلق خارج مساره المعتاد في كثير من الأحيان هذه الأيام، ثم حدثت الكارثة في كاليفورنيا، حيث اندلعت النيران التي أشعلتها الرياح في منطقة جفّت بفعل شهور من الجفاف لتصبح أسوأ حرائق غابات في تاريخ لوس أنجلوس.

وبحسب ما أفادته وسائل الإعلام الأمريكية وترجمه (كلمة) فأن "حرائق الغابات في لوس أنجلوس استمرت في الاشتعال منذ أسبوع، مع تصاعد الغضب والانتقادات بشأن الاستجابة للحرائق".

وتابعت بأن "سرعة وكثافة الحرائق التي اجتاحت لوس أنجلوس هذا الأسبوع أظهرت أن البنية التحتية لمكافحة الحرائق على المحك"، مضيفةً بأن "صنابير المياه في حي باسيفيك باليساديس جفّت بعد أن اجتاحته إحدى الحرائق الخمسة المنفصلة في المنطقة، في حين أعاق نقص المياه الجهود في أماكن أخرى".

وكتب حاكم ولاية كاليفورنيا جافين نيوسوم في رسالة إلى رؤساء إدارة المياه والطاقة في لوس أنجلوس والأشغال العامة لمقاطعة لوس أنجلوس: "نحن بحاجة إلى إجابات حول كيفية حدوث ذلك".

ووصف نيوسوم نقص المياه وضغط المياه بأنه "مقلق للغاية"، وأمر مسؤولي الولاية بإعداد تقرير مستقل حول الأسباب.

ووفقاً للتقارير الواردة من الولايات المتحدة الأمريكية، فإن هناك ستة حرائق غابات كبيرة نشطة في جميع أنحاء مقاطعة لوس أنجلوس، وتعتبر حرائق باليساديس وإيتون هي الأكثر تدميراً في تاريخ الولاية.

وأظهر تقرير احتواء جديد أن بعض التقدّم قد تم إحرازه في احتواء معظم حرائق الغابات المستمرة في جنوب كاليفورنيا. حريق باليساديس، وهو الأكبر بين الحرائق، تم احتواؤه بنسبة (11%).

كما تم احتواء حريق إيتون بنسبة (15%)، وهي قفزة هائلة مقارنة بنسبة احتوائه البالغة (3%) والتي تم الإبلاغ عنها مؤخرًا.

وقال قائد إدارة الإطفاء في لوس أنجلوس، إريك سكوت، لمحطة "كيه تي إل إيه" المحلية ترجمه (كلمة): "اشتعلت حرائق باليساديس في الجزء الشرقي وتستمر في التحرك باتجاه الشمال الشرقي". فيما أكد على القيام بعمليات الإخلاء السريعة.

وتأتي عمليات الإخلاء الأخيرة بعد أن دعا حاكم ولاية كاليفورنيا جافين نيوسوم إلى "إجراء تحقيق في أعطال صنابير مكافحة الحرائق في المقاطعة وغيرها من أعطال المياه".

وكانت بعض صنابير المياه في باليساديس غير صالحة للاستخدام في وقت سابق من هذا الأسبوع، كما ورد أن مياه الخزانات غير متوفرة، مما أعاق الجهود المبذولة لحماية المنازل. ودعا نيوسوم مسؤولي المقاطعة إلى "التحقيق في الأمر وإعداد تقرير عاجل".

من جهته قال الأستاذ المساعد لإدارة الكوارث في كلية بول سميث في ولاية نيويورك كريس شيتش، في تصرح لوكالة (فرانس برس) ترجمه (كلمة): إن "جزءاً من المشكلة هو أن البنية التحتية لمكافحة الحرائق في المدينة لم تكن مصممة للتعامل مع حرائق هائلة تمتد على مساحة عدة أفدنة".

وقال: إن "نظامهم مصمم لمكافحة حرائق المنازل الفردية"، أو "للاستجابة لحرائق الهياكل التجارية أو السكنية".

وأضاف أن "كمية المياه المستخدمة لإطفاء مبنى واحد مقارنة بالكمية اللازمة لإخماد حريق يمتد عبر آلاف فدانات مختلفة تمامًا".

فيما أفادت تقارير أخرى أن "الحرائق تُعد الأكثر دماراً في تاريخ كاليفورنيا والتهمت حتى الآن مساحات شاسعة من الأراضي، وحوّلت آلاف الفدانات إلى رماد".

وتابعت بأن "أحياء بأكملها تفحّمت على طول طريق المحيط الهادئ السريع، حيث أجبرت ألسنة اللهب الخارجة عن السيطرة نحو (360) ألف شخص على الإجلاء، وخلّفت خسائر اقتصادية قُدّرت بــ (150) مليار دولار".

كما ذكرت إحصائيات جديدة بأن الحرائق أدت إلى تضرر أكثر من (10 آلاف) منزل ومبانٍ، كما تحول أكثر من (34 ألف) منزل إلى رماد.

وبالإضافة إلى ذلك، قالت رئيسة الإطفاء في لوس أنجلوس كريستين كرولي إن مدينتها تعاني من نقص الموارد.

وقالت في تصريح لشبكة (CNN) ترجمه (كلمة): "لقد أوضحت على مدار السنوات الثلاث الماضية أن إدارة الإطفاء بحاجة إلى المساعدة. لم يعد بإمكاننا الاستمرار حيث نحن"، مؤكدة على "ضرورة تحشيد المزيد من الموظفين والموارد والتمويل".

وقالت: إن "هذا يشمل الحاجة إلى (62) محطة إطفاء جديدة وسط زيادة بنسبة (55%) في حجم المحطات منذ عام (2010)".

ما هي الأسباب الرئيسة للأزمة؟

لمعرفة مثل هذه الأسباب، فقد تابع (كلمة) ما نشره بعض المختصين في مجال الأرصاد والبيئة.

وصرّح الخبير البيئي جون آشر قائلاً: إن "درجة حرارة القطب الشمالي ترتفع أربع مرات أسرع من بقية العالم، مما يعني أن الفارق بين درجات الحرارة في الشمال والجنوب يتقلص جنبًا إلى جنب مع الجليد البحري الذي  يطلق المزيد من الحرارة في الغلاف الجوي".

وتابع أن "هذا يعني المزيد من الطاقة التي ترتد وتشوه أو تحرك الدوامة القطبية. كما أن تغير المناخ يعبث أيضًا بالتيارات الهوائية التي تدور حول العالم".

وأوضح بأن "النتيجة تتمثل بزيادة وتيرة موجات البرد الشديد  في الشتاء حتى مع ارتفاع درجات الحرارة العالمية بشكل عام".

من جهته قال أحد خبراء الأرصاد الجوية بجامعة ولاية كانساس: إن "العاصفة الثلجية تسببت في تساقط ثلوج أكثر مما يحدث عادة في عام في بعض أجزاء من كانساس".

فيما صرّحت رئيسة قسم علوم الأرض والغلاف الجوي بجامعة كورنيل ناتالي ماهوالد قائلةً: "كان الأسبوع الماضي من الطقس الغريب مثيرًا للقلق، وآمل ألا يكون هذا علامة على ما سيحدث في المستقبل، لأننا بالكاد شهدنا أي تغير مناخي مقارنة بما سنحصل عليه ما لم نعمل على خفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بشكل جذري".

ترامب وإيران والصدر على الخط

من جهته استغل الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب، الذي يعود إلى البيت الأبيض بعد أكثر من أسبوع بقليل، ما حصل لمهاجمة الديمقراطيين، حيث شن سلسلة من الهجمات اللاذعة، واتهم الحاكم نيوسوم بمجموعة من الإخفاقات.

كما حاول ترامب إلقاء اللوم في نقص المياه على جهود دعاة حماية البيئة لحماية الأسماك الصغيرة التي تعيش على بعد مئات الأميال من الحرائق.

فيما قالت الممثلة الأمريكية جيمي لي كيرتس في مقطع مصور لها خلال مؤتمر سينمائي ورصده (كلمة): إن "الحرائق جعلت لوس أنجلوس تبدو وكأنها غزة التي مزقتها الحرب الإسرائيلية".

تصريح كيرتس هذا ليس الوحيد، فقد وصفت وسائل الإعلام الإيرانية المتشددة حريق لوس أنجلوس بأنه فعل من أفعال الغضب الإلهي وعقاب على دعم الولايات المتحدة لإسرائيل في الصراع في غزة.

وكتبت صحيفة كيهان، على عنوان صفحتها الأولى، يوم السبت، أن الولايات المتحدة من خلال دعمها لإسرائيل في غزة "خلقت مشاهد مأساوية"، والآن "وصلت صرخات أطفال غزة المضطهدين والأمهات الفلسطينيات إلى أميركا، مما فرض وضعاً مماثلاً على ولاية كاليفورنيا ومدينة لوس أنجلوس".

وفي العراق أيضاً رغم دعم حكومة بغداد لواشنطن في جهودها لإطفاء الحرائق المشتعلة واحتواء هذه الأزمة الكارثية، فقد اعتبرها زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر بأنها آية إلهية.

وقال الصدر في تدوينة على منصة (إكس) تابعها موقع (كلمة): إن "الحرائق التي اشتد أوارها.. وعلا لهيبها واستعرت وتأججت في بعض المدن الأمريكية، ما هي إلا آية من آيات الله تعالى في خلقه، حتى وإن قيل إنها مفتعلة".

وأضاف أنها "بلاء على من وجّه سلاحه وناره بوجه الشعوب المستضعفة في فلسطين ولبنان وسوريا والعراق واليمن، وقتل أطفالهم ونساءهم وشيوخهم وهدّم مقدساتهم وبيوتهم".

ووصف الصدر الحرائق بأنها "ابتلاء لا ليعذب الله فيه الشعب، بل ليذكّر الله فيه الشعب الأمريكي بما تفعله حكومتهم التي تدعم الصهاينة الإرهابيين فهي الشريك الأكبر لهم" بحسب قوله.

ألسنة النيران تلتهم المزيد

وحتى هذه الساعة من مساء السبت، أودت الحرائق بحياة عشرات الأشخاص منذ اندلاعها صباح الجمعة، وأتت على أكثر من (10 آلاف) مبنىً محدثة فيها أضراراً جزئية وكلية.

من جهتها فرضت السلطات حظر تجوال في المناطق المهددة بالحرائق، لمنع استغلال اللصوص للوضع، ويأتي ذلك بعد تصريحات أدلى بها الرئيس الأمريكي قال فيها: إن "مناطق لوس أنجلس شهدت أعمال نهب وسرقة خلال موجة اندلاع الحرائق".

كما وصف بايدن المشهد في المدينة بأنه "أشبه بساحة حرب وعمليات قصف".

وفي ظل ذلك، تتصاعد المخاوف لدى سكان المناطق المجاورة من وصول ألسنة النيران إليهم، حيث صرّح المسؤولون مساء اليوم السبت، أن إطفاء الحرائق واحتواءها يحتاج لأيام قادمة.

سكان هذه المناطق أيضاً أعربوا عن قلقهم من الدخان الكثيف الذي يغطي سماء المدينة ويزيد من التحديات الصحية والتلوث البيئي الذي ستخلّفه هذه الحرائق.

فيما أظهر موقع (zoom.earth) لتتبع المناخ والكوارث الطبيعية امتداد الحرائق على مسافة (266 كيلو متر) تقريباً، وهي مسافة توازي مساحات دول كاملة في العالم، ما أدى إلى حالة نزوح كبيرة من السكان في مناطق لوس انجلوس وكاليفورنيا وغيرها لعدم القدرة على مواجهة الكارثة الطبيعية المستمرة نتيجة اشتداد الرياح.



التعليقات