في التصريحات الرسمية لتل أبيب، كان المسؤولون الإسرائيليون يتفاخرون في كثير من الأحيان بأنّ قطاع غزة المحاصر من قبلهم وكذلك الجنوب اللبناني مهد حزب الله، سيتحوّل أمام العالم إلى "صالة كبيرة" لعرض تجربتهم الأمنية وأسلحتهم الفتاكة، ولكن رغم الألم الذي تسببوا به للمدنيين تجرّعوا في المقابل "كأس الخسارة" حيث كلّفت حربهم على البلدين خسائر اقتصادية فادحة.
ومنذُ انطلاق معركة "طوفان الأقصى" التي شنّتها حركة حماس الفلسطينية ضد تل أبيب في (7 تشرين الأول/ اكتوبر 2023) وصولاً إلى الضربات الصاروخية لحزب الله اللبناني وحتى نهاية العام المنصرم (2024)، كانت إسرائيل تنهار اقتصادياً؛ وتحاول قدر الإمكان أن تظهر قويةً أمام العالم.
ولكن في حساب الأرقام والوقائع المعروفة، فإن إسرائيل بحسب المراقبين والمحللين الدوليين "خسرت أمنياً واقتصادياً وحتى سياسياً"، خصوصاً وأن سياجها الذي بنته على حدود غزّة وما تُعرف أيضاً بـ "قبّتها الحديدية" لم تستطع الصمود أمام الصواريخ الباليستية التي وجهها لها حماس وحزب الله، كما فشلت كل أنظمة المراقبة والبالونات التجسسية والطائرات بدون طيار أمام تدفق آلاف المقاتلين التابعين لحماس الذين دخلوا إلى عمق إسرائيل، الأمر الذي أدى إلى تحطيم صورتها كــ "دولة لا تُقهر".
وفي العام (2019) حذّر (العقيد يهودا فاتش) في مقال كتبه في مجلّة (جيش الدفاع الإسرائيلي) وتابعه موقع (كلمة) من أنّ "السياج والقبّة الحديدية التي صرّفت عليهما تل أبيب ملايين الدولارات، يخلق وهماً وتصوراً زائفاً من أن الإسرائيليين أصبحوا آمنين".
ولكن سنعرف فيما بعد أنه في هجوم حماس على إسرائيل، وبمجرّد نشر نحو (200) عنصر من عناصرها المدرّبين، كانت كفيلة في البداية بتدمير الكاميرات وأبراج الاتصالات اللاسلكية وتعطيل نظام الأسلحة وأجهزة الاستشعار الإسرائيلية، وهي في المقابل بحسب الكاتب والخبير التكنولوجي (جيمس روزن بيرش) "كلّفت إسرائيل الكثير من الأموال، كما جعلها تخسر سمعتها الأمنية وقبتها الحديدية".
وحتى مع الملايين التي صُرفت على إنشاء مثل هذه القوة العسكرية الحديدية، يقول بيرش في مقال له ترجمه (كلمة) إن "مشروع الجدار الأمني والقبة الحديدية لإسرائيل كان هشّاً وعبارة عن ألعاب باهظة الثمن" على حدّ تعبيره.
ويقر بيرش أيضاً بأن "أنظمة الاتصالات وصواريخ جيش الاحتلال الإسرائيلي المضادة للاختراق من الناحية التكنولوجية قد تعرضت للاختراق على يد حزب الله، في حين عانى الجيش من نقص حادٍّ في الغذاء والمياه والذخيرة والمعدات وغيرها من الإمدادات في الميدان".
خسائر متلاحقة على مدار السنوات
وفيما يتعلّق في تقدير الموقف الاقتصادي والخسائر التي تكبّدتها إسرائيل في حربها الأخيرة على غزة ولبنان، يمكن العودة بالسنوات إلى الوراء، لنعرفَ من خلال التصريحات الرسمية وتقارير مراكز البحوث أنّ خسائر الاقتصادية لا تعود لهذه الحرب فحسب، وإنما أيضاً لمعاركها السابقة مع حركة حماس الفلسطينية وحزب الله اللبناني، ولكن يظهر أن الحرب الأخيرة كلّفتها المزيد من الخسائر الاقتصادية.
فحتى العام (2018) تم إعلان ما نسبته (52%) من مركبات إسرائيل القتالية وأسلحتها وأنظمة المراقبة غير صالحة للاستخدام.
ووفقاً لتقرير أعدّه أمين المظالم في الجيش الإسرائيلي ونُشر في ذلك العام، كشف بأن "الحكومات المتعاقبة لتل أبيب فشلت في تمرير الميزانيات، وسقط الجيش في حالة سيئة للغاية".
كما تشير تقارير أخرى لوسائل الإعلام الإسرائيلية وما كتبه المراقبون، إلى أن الهجوم الذي شنته حركة حماس كشف عن "نقص حادٍ في معدّات الاتصالات والأسلحة وحتى مركبات النقل"؛ إذ لم تستطع هذه القوّة العسكرية "ردع الهجوم والاختراق الذي أحدثنه عناصر الحركة الفلسطينية".
أما بعد هجوم حماس في (7 تشرين الأول/ اكتوبر 2023) وحتى إعلان اتفاق وقف إطلاق النار مع لبنان، خسرت تل أبيب مليارات الدولارات من ميزانياتها، كما خسر الكثير من الإسرائيليين وظائفهم وتراجعت قطاعات عديدة مثل الصناعة والزراعة والسياحة.
ووفقاً للتقديرات الرسمية، فقد تغيّب أكثر من (977) ألف موظف في إسرائيل عن العمل في الأسابيع الثلاثة التي تلت بدء الحرب بين إسرائيل وحماس.
ومن بين هؤلاء، تغيّب ما يقرب من (36%) بسبب عوائق في الأداء الطبيعي لمكان عملهم. وتغيب ما يقرب من (45%) عن العمل لأسباب أخرى غير محدّدة تتعلق بالحرب. وأخيرًا، لم يتمكن (179) ألف عامل من الحضور إلى العمل بعد تجنيدهم كجنود احتياطيين في الجيش.
وبشكل عام، أدى اندلاع الحرب إلى زيادة كبيرة في غياب الموظفين وهو ما أدى إلى تضرر اقتصادي كبير، وفقاً لتقرير أعدّه (قسم أبحاث ستاتيستا) نشره بتاريخ (21 تشرين الثاني/ نوفمبر 2024) وترجمه (كلمة).
وبحسب التقرير فقد "شهدت الميزانية العسكرية الإسرائيلية لعام (2024) زيادة كبيرة، حيث وصلت إلى (118 مليار شيكل) أي حوالي (30.5 مليار دولار أمريكي)" ويمثل هذا ارتفاعاً بنسبة (87%) عن العام السابق، مما يعكس التركيز المتزايد لتل أبيب على الإنفاق العسكري.
وكذلك في ظل ضغط الحكومة الإسرائيلية على المواطنين وتجنيدهم قسراً، كبّد ذلك خسائر فادحة، حيث اضطر هؤلاء إلى ترك وظائفهم في قطاعات اقتصادية حيوية، وبلغ عدد من تم تجنيدهم أكثر من (360 ألفاً) ناهيك عن اضطرار آخرين للهجرة؛ حتى لا يخسروا أرواحهم وكذلك أعمالهم التجارية.
ولفت كتّاب وباحثون بينهم (جينفير لودن) في تحليل نشرته شبكة (NPR) وترجمه (كلمة) إلى أن "الإسرائيليين أنفسهم لم يستطيعوا الحفاظ على وظائفهم إذا تخلوا عن الخدمة العسكرية"، موضحاً بأن ذلك ينظر إليه بأنه "يشكّل عبئاً على الاقتصاد الإسرائيلي".
وتأتي القفزة في الإنفاق العسكري في أعقاب حرب تل أبيب على حماس الذي بدأ في (تشرين الأول/ أكتوبر 2023)، مما أثّر بشكل كبير على الأولويات الوطنية لإسرائيل.
الحرب تدفع إلى زيادة الإنفاق الحكومي
إن الزيادة في الإنفاق العسكري هي جزء من اتجاه أوسع نطاقاً لارتفاع الإنفاق الحكومي بسبب الحرب في الشرق الأوسط، كما كشفت عن ذلك وسائل إعلام إسرائيلية.
فخلال الربع الأول من عام (2024)، بلغ الاستهلاك الحكومي في إسرائيل أكثر من (123 مليار شيكل) حوالي (32 مليار دولار أمريكي)، وهو ما يمثل زيادة بنسبة (27%) مقارنةً بنفس الفترة في عام (2023). وقد كان هذا الارتفاع في الإنفاق العام مدفوعاً إلى حدٍ كبير بتعنّت تل أبيب لاستمرار حربها.
وفي ظل ذلك، أنفقت الولايات المتحدة أكثر من (22 مليار دولار) على المساعدات العسكرية المقدمة لإسرائيل والعمليات ذات الصلة في الفترة ما بين (7 تشرين الأول/ اكتوبر 2023) و (30 أيلول/ سبتمبر 2024) وفقًا لمقال بحثي أصدره مشروع تكاليف الحرب في معهد (واتسون) للشؤون الدولية والعامة.
ويتضمّن هذا الرقم "(17.9 مليار دولار) من المساعدات الأمنية الأميركية لإسرائيل، و(4.86 مليار دولار) تُنفق على العمليات العسكرية الأميركية ضد الحوثيين في اليمن وما حولها" بحسب المعهد.
وقال ستيفن سيملر، أحد المشاركين في إعداد الدراسة: إن " مبلغ (17.9 مليار دولار) هو أكبر مبلغ قدمته الولايات المتحدة لإسرائيل في عام واحد على الإطلاق".
وأشار سيملر إلى أن "أعلى مبلغ قدمته الولايات المتحدة لإسرائيل جاء بعد اتفاقات كامب ديفيد للسلام بشأن الصراع بين مصر وإسرائيل".
وذكر أيضاً أن "مستويات التمويل القياسية الجديدة تأتي من العملية العسكرية المكثفة التي شنتها إسرائيل في غزة والشرق الأوسط في أعقاب هجوم حماس في (7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023)"، مضيفاً أنّ "الحملة الإسرائيلية تشكل إبادة جماعية" وهي "أسوأ فعل يمكن أن يفعله البشر لبعضهم البعض" بحسب قوله.
الدَّين الوطني المتزايد
وتتجلى تداعيات زيادة الإنفاق العسكري في أرقام الدِّين الوطني الإسرائيلي، وفقاً لتصريحات المسؤولين وتقارير وسائل الإعلام الأجنبية والإسرائيلية.
بحلول الربع الأول من عام (2024) تضخم الدَّين الحكومي العام إلى أكثر من (1.2 تريليون شيكل إسرائيلي) أي حوالي (336 مليار دولار أميركي). ويمثل هذا زيادة بنسبة (10%) في (6 أشهر) فقط.
يؤكّد خبراء الاقتصاد أنّ "تصاعد مستويات الديون يزيد الضغوط المالية المترتبة على تحمل الإنفاق العسكري المتزايد، والذي بلغ (5.3%) من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد في عام 2023".
وتأتي هذه الخسائر الإسرائيلية المترتبة على حروبها المستمرة ضد غزّة ولبنان، لتجعل من المشهد الاقتصادي قاتماً للغاية.
فقد بلغت التكلفة اليومية للهجمات الإسرائيلية واسعة النطاق على قطاع غزة ولبنان (500 مليون شيكل) أي حوالي (133 مليون دولار أمريكي) بحسب تحليل أجرته صحيفة (يديعوت أحرونوت) الإسرائيلية نقلاً عن أرقام ومصادر رسمية.
وذكرت في تحليلها الذي ترجمه (كلمة) أن "العمليات العسكرية الإسرائيلية بلغت تكلفتها الإجمالية (25 مليار شيكل) حوالي (6.6 مليار دولار أمريكي)" ويرجع هذا الارتفاع إلى حد كبير إلى نشر عشرات الآلاف من جنود الاحتياط على الجبهة اللبنانية، كما يستهلك الجيش الإسرائيلي كميات هائلة من الذخائر وصواريخ الدفاع الجوي باهظة الثمن يومياً.
في حين أشار مصدر في وزارة المالية الإسرائيلية إلى أن "ارتفاع تكاليف الحرب، إلى جانب تأخر حزمة مساعدات بقيمة (4.8 مليار دولار) دفع ميزانية إسرائيل لعام (2024) إلى ما هو أبعد من حدودها للمرة الثالثة".
وأكد تحليل الصحيفة الإسرائيلية كذلك على الضغوط التي يفرضها الصراع الطويل على الاقتصاد الإسرائيلي، مما يجعل استمرار الحروب المتزامنة في غزة ولبنان "أمراً غير محتمل على نحو متزايد".
كما تؤدي المخاوف الأمنية إلى ردع الاستثمار في مشاريع جديدة، في حين أدت الاضطرابات في الرحلات الجوية إلى إبعاد العديد من الزوار، مما أثر على صناعة السياحة.
ولكن الهجمات التي استمرت لأكثر من شهرين على لبنان وحزب الله بالتحديد، واستمرارها على حماس في غزة، أشعلت حرباً متعدّدة الجبهات أصبحت واحدةً من أطول الحروب وأكثرها تكلفة في تاريخ إسرائيل.
وفقًا للعديد من المؤشرات، كان للصدمة الأولية لهجوم حماس تأثير مفاجئ على الأسواق المحلية والدولية. أصيب المستهلكون الإسرائيليون بأزمة ثقة وانخفض الإنفاق الاستهلاكي في الأمد القريب.
الإنفاق الحكومي يتزايد بسرعة
بعد اندلاع الحرب، زاد إنفاق القطاع العام بأكثر من (20%) مقارنة بفترة ما قبل الحرب، ومع نزوح الناس وابتعادهم عن المناطق المتضررة من الحرب، تدخلت الحكومة لتعويض خسائرهم وتمويل إقامتهم في أماكن إقامة مؤقتة، لكن الأهم من ذلك، أن ميزانية الجيش نمت بمقدار الضعف تقريباً، ومن المتوقع أن يستمر الإنفاق العسكري الأكبر في المستقبل المنظور.
ومن بين أكبر المخاوف حول طبيعة القتال المفتوح الذي استمر لأكثر من عام، فقد تعافى الاقتصاد الإسرائيلي بسرعة من حرب عام (2006) مع حزب الله في جنوب لبنان، ولكن هذا الصراع لم يستمر سوى (34 يوماً).
وقال الخبير الاقتصادي بَين إيكشتاين: إنّ "الميزانية التي تتضمن بعض الزيادات الضريبية وخفض الإنفاق الاجتماعي ستكون ضرورية لدعم الانتعاش بعد الحرب ودفع تكاليف الدفاع المستمرة المرتفعة على الأرجح".
كما أكّد خبراء آخرون بينهم (كايل دوجان) و(نيك تايلور فايسي) أن "ما أنفقته إسرائيل في حربها على غزة ولبنان تعد أطول ميزانية في تاريخها".
نقص حاد في القوى العاملة
وفي الأيام التي أعقبت هجوم (تشرين الأول/ اكتوبر)، تباطأت الأنشطة التجارية في إسرائيل بشكل ملحوظ، وغاب ما يقرب من مليون موظف إسرائيلي وما يقدر بنحو (150 ألف فلسطيني) عن أماكن عملهم داخل إسرائيل لعدة أسابيع.
ويقول قسم أبحاث (ستاتيستا) في تقريره المنشور بتاريخ (21 تشرين الثاني/ نوفمبر 2024): إن "الأمر الحاسم هو أن حوالي (7%) من العمال بقطاع التكنولوجيا الفائقة في البلاد تم حشدهم من قبل الجيش، وكثير منهم يشغلون أدوار البحث والتطوير في قلب منتجات شركاتهم".
وأوضح بأن "من المتوقع أن يؤثر هذا سلباً على أداء شركات التكنولوجيا في الأمد القريب".
ومنذ شهر (أبريل/ نيسان 2024) أعرب الجمهور الإسرائيلي عن قلقه الشديد بشأن إطالة أمد الحرب، ولكن صار لاستمرار الحرب الإسرائيلية تأثير حاسم على الوضع الاقتصادي لإسرائيل، وتأثير ديونها الجديدة على الحسابات القومية.
والأمر الأكثر أهمية بحسب تقرير قسم الأبحاث هو أنه "مع استمرار الحرب فإن التكلفة البشرية الباهظة بالفعل للحرب سوف تستمر في التفاقم".
قتل نصر الله كلّفها الكثير!
أظهرت الخطوة العبثية حسب وصف الكثير من المراقبين وحتى قادة الدول المتضامنين مع غزّة ولبنان، التي أقدمت عليها تل أبيب باغتيال الأمين العام لحزب الله اللبناني السيد حسن نصر الله بتاريخ (27 أيلول/ سبتمبر 2024)؛ أنّ حربها هجومية احتلالية وليست دفاعية، وقد كلّفها ذلك مبالغ طائلة.
ووفقاً لوسائل الإعلام العبرية فإن "الغارات الجوية التي استهدفت زعيم حزب الله وحدها كلفت (6.6 مليون دولار أمريكي)".
ورغم التكتّم الإسرائيلي في حينها على أنواع الأسلحة المستخدمة في الهجوم، فقد تأكد بعدها إسقاط قنابل تزن أكثر من (2000 رطل)، ومصمّمة أساساً لضرب الأهداف تحت الأرض.
وذكرت وكالة الأنباء الوطنية اللبنانية في وقتها أن "سلسلة الانفجارات أدت إلى تحويل ستة أبراج سكنية إلى أنقاض في حارة حريك، وهي منطقة مكتظة بالسكان، ذات أغلبية شيعية في ضاحية بيروت، وارتفعت سحابة من الدخان الأسود والبرتقالي إلى السماء، بينما اهتزت النوافذ وهزت المنازل على بعد حوالي (30 كيلومتراً) إلى الشمال من بيروت".
وبعد يوم واحد من هذه الحادثة التي هزّت العالم، صرّح المحامي والسياسي الإسرائيلي (بتسلئيل سموتريش) لموقع (سي إن إن) قائلاً: إن "اقتصاد إسرائيل يتحمل عبء أطول وأغلى حرب في تاريخ البلاد".
وكذلك بعد يومين من حادثة اغتيال نصر الله، قال عضو مجلس الشيوخ الأميركي، مارك كيلي: إن "القنبلة التي استخدمتها إسرائيل لقتل زعيم حزب الله حسن نصر الله في بيروت كانت قنبلة موجهة أميركية الصنع".
وقال كيلي خلال مقابلة مع شبكة (إن بي سي): إن "إسرائيل استخدمت القنبلة (مارك 84) زنة ألفي رطل (900 كيلوغرام)".
مستقبل قاتم للاقتصاد الإسرائيلي
حتى تاريخ (8 تشرين الأول/ اكتوبر 2024) أقرّت صحيفة (هآرتس) الإسرائيلية في تقرير لها باللغة العبرية ترجمه (كلمة) بأنّ الاقتصاد الإسرائيلي خسر الحرب على غزّة، وبينت أن "حكومتها تواجه خسائر اقتصادية جسيمة بسبب استمرار الحرب على القطاع، وسوء إدارة السياسات المالية".
وأشارت الصحيفة إلى أنه "منذ بداية الحرب انكمش الاقتصاد الإسرائيلي بنسبة (1.5%)" وهذه الأرقام تعكس عدم قدرة الاقتصاد على التعافي من الأضرار التي لحقت به خلال الأسابيع الأولى من الحرب.
وأكدت أن "الحرب تسببت في تراجع كبير في الصادرات والاستثمارات، مما أثّر بشكل مباشر على الناتج المحلي الإجمالي للبلاد".
إلى جانب ذلك، خفّضت جميع وكالات التصنيف الائتماني الكبرى (موديز وستاندرد آند بورز وفيتش) التصنيف الائتماني لإسرائيل؛ مما زاد من تعقيد الأمور الاقتصادية.
فيما تقول وسائل إعلامية أخرى: إن "الواقع الاقتصادي الإسرائيلي يظهر صورة مختلفة تماماً عن الحديث المستمر لتحقيق (نصر كامل) من قبل رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو؛ حيث تعاني من ركود اقتصادي يستمر لفترة طويلة".
ومع خفض التصنيف الائتماني، أصبح من الصعب على الحكومة الإسرائيلية اقتراض الأموال بأسعار فائدة مناسبة، وهذا يؤثر بشكل مباشر على قدرة الحكومة على تمويل مشاريع إعادة الإعمار أو حتى سد العجز المتزايد في الموازنة.
كما أن تراجع الشيكل أمام العملات الرئيسية قد أدى إلى عدم ثقة المستثمرين في السوق الإسرائيلية، وهو ما أدى طبعاً إلى خفض التصنيف الائتماني للبلاد من قبل وكالات التصنيف الدولية.
وجاءت هذه التطورات في ظل حالة من الهجرة العكسية والتراجع في النشاط الاقتصادي، إلى جانب استدعاء قوات الاحتياط المتكرر الذي أثر سلباً على قطاعات حيوية مثل الصناعة والخدمات.
ووفقًا للصحيفة الإسرائيلية فإن "توقعات العجز في الموازنة لعام (2025) ستكون أرقاماً قياسية بسبب الإنفاق العسكري المتزايد".
ورغم الأمل في انتهاء الحرب قريباً، فإن التحديات الاقتصادية ستظل قائمة لفترة طويلة وفق الصحيفة، وتتوقع الخبيرة الاقتصادية ستاندرد آند بورز أن "الناتج المحلي الإجمالي للفرد في إسرائيل سينكمش هذا العام بنسبة (0.2%) وهو ما يعكس تدهور مستوى المعيشة".
إلى جانب ذلك، فإن التضخّم مستمر في الارتفاع، مما يزيد من الضغوط على الأسر الإسرائيلية.
ويوم الاثنين الموافق لـ (6 يناير/ كانون الثاني 2025) أبقى البنك المركزي الإسرائيلي، على سعر الفائدة دون تغيير عند (4.5%) للمرة الثامنة على التوالي، وسط توقعات بمزيد من الضغوط التضخمية الناجمة عن حرب متعددة الجبهات.
وذكر المركزي الإسرائيلي في بيان له، أنه "نظراً لاستمرار الحرب فإن سياسة اللجنة النقدية تركز على استقرار الأسواق وتقليص حالة عدم اليقين، إلى جانب استقرار الأسعار ودعم النشاط الاقتصادي".
وأضاف، "سيتم تحديد مسار أسعار الفائدة وفقاً لتقارب التضخم مع هدفه، واستمرار الاستقرار في الأسواق المالية، والنشاط الاقتصادي، والسياسة المالية".
وفيما يتعلق بالتضخم، قال البيان: "يبلغ معدل التضخم (3.4%)، ومن المتوقع أن تؤدي التغييرات الضريبية، وخاصة الزيادة في ضريبة القيمة المضافة، إلى جانب استمرار قيود العرض والطلب الزائد، إلى رفع معدل التضخّم في النصف الأول من العام الجاري".