عندما تخرّج الرئيس السوري المعزول بشّار الأسد من كلية الطب بجامعة دمشق عام (1988) كان أبو محمد الجولاني أو "أحمد حسين الشرع" بعمر الـ (6 أعوام) ويستعدّ لدخول المدرسة.. حتى شبّ هذا الطفل المولود في عائلة ميسورة ودخل كلية الطب أيضاً، ولكن تركها بعد عامين للالتحاق بالجماعات الإرهابية في العراق وتحديداً مع تنظيم القاعدة.
عمل الأسد طبيباً في الجيش السوري بعد تخرّجه مباشرةً، وذلك في عهد حكم أبيه حافظ الأسد، ثم في العام (1994) انضمّ إلى الأكاديمية العسكرية ولم يكن ذلك لغرض وطني بقدر ما كان لمهمّة يعدّها والده له في المستقبل كوريث للعرش على سوريا، خصوصاً بعد وفاة أخيه الأكبر (باسل) في حادثة سيارة.
وبعد خمس سنوات أصبح طبيب العيون والحاصل على شهادة الدكتوراه في لندن، عقيداً بالحرس الجمهوري.
وكانت هذه المرحلة مهمة بالنسبة له، فقد سبقت توّليه لرئاسة سوريا بعد موت أبيه بعام واحد فقط، بعد أن انتخبه الفرع السوري لحزب البعث العربي الاشتراكي أميناً قُطرياً عامّاً له خلفاً لوالده، الذي كانَ رئيساً لسوريا للفترة من (1971 إلى 2000)، كما شغل منصب القائد العام للجيش والقوات المسلحة السورية.
ولم يكن من السهولة الحصول على منصب رئاسة الجمهورية بسبب قانون خاص في الدستور السوري، يمنع الترشّح له دون سن الـ (40 عاماً)، ولكن من أجل عيني الأسد، جرى تعديل الدستور وخُفِّض سن الرئاسة من (40) إلى (34 عاماً) ليناسب عمره في ذلك الوقت.
وفي ذلك اليوم الذي مات فيه حافظ الأسد، خرجت أفواج من الملثّمين إلى الشوارع يضربون الناس بالعصيّ وهم يردّدون: "لا تقولوا حافظ مات ** محفوظ وبعده بالحياة" وكانت إشارة إلى استمرار عائلة الأسد التي كانت فيما مضى تُلقّب بعائلة (الوحـــش) نسبةً إلى الجدّ الأعلى الذي كان يوماً فلاحاً وصار رجلاً مرموقاً في البلاد.
وكان بشّار الأسد يُوصف من بين أخوته بأنه "الأطول" و"العاطفي" ولكن ليس "الأذكى" بينهم، وهو ما جعل نهاية سوريا تنتهي بهذه النهاية السوداوية، وكثيراً ما حاول المثقفون والمعارضون السوريون حثّه على إحداث تغيير جوهري في حكم الدولة، إلا أنّه أصر على تطبيق أفكار "حزب البعث العربي الاشتراكي" بحذافيره؛ في سبيل أن يظلّ في السلطة لفترة أطول كما فعل والده من قبلهِ.
ورغمَ أن سوريا كانت تشهد إقامة انتخابات رئاسية، إلا أنّ من المفارقات فيها هو عدم وجود مرشّح آخر يتنافس أمامه، حتى فازَ بالولاية الرابعة والأخيرة. حيث تمتد مدة الحكم لـ (7 سنوات) بين ولاية وأخرى.
أما بالنسبة للرجل الذي سيخلفه فيما بعد، طالب الطب الذي ترك كليته في المرحلة الثانية، والتحق بتنظيم القاعدة في العراق واشترك في عمليات عسكرية وإرهابية عديدة، قبل أن يُلقى القبض عليه وإيداعه في سجن (أبو غريب) ومن ثم (بوكا) ومنه أُطلق سراحه في العام (2008) ليلتحق مرّة أخرى بالقاعدة في سوريا، ومنها إلى أحضان (أبو بكر البغدادي) وبعدها (أبو عمر البغدادي) ثم (أيمن الظواهري)، حتّى انشقَّ وأسسه لوحده جناحاً عسكرياً باسم (جبهة النصرة) التي تدرّجت في مهمّاتها وعناوينها حتّى صارت تُعرف بـ (هيئة تحرير الشام).
وخلال هذه الفترة التي كانت فيها سوريا تشهد مخاضاً عسيراً لولادة "خليفة الأسد" والرجل الذي سيسقطه عن عرشه، كانت البلاد تشهد أيضاً اضطرابات كبيرة ومأساوية بالنسبة للسوريين، واستمرت نحو (13 عاماً)، بدءاً من الاحتجاجات التي انطلقت عام (2011) وتشكيل حكومة معارضة عملت على استنزافه والسيطرة على مناطق من سوريا.
ولم تمضِ إلا أيام قليلة على وقف إطلاق النار بين إسرائيل ولبنان وفقاً للاتفاق الأممي، حتى شنّ الجولاني (أحمد الشرع) هجماته ضد الجيش السوري، ولم تمضِ سوى (11 يوماً)، حتى تمّت الإطاحة بالأسد نهائياً، وإعلان ذلك فجر يوم الأحد (8 كانون الأول 2024)، فغادرَ دمشق بشكل خفي على متن طائرةٍ لم تُعرف وجهتها حتى مساء اليوم ذاته.. حيث اختار اللجوء الإنساني في روسيا.