الأربعاء 17 جمادى الآخرة 1446هـ 18 ديسمبر 2024
موقع كلمة الإخباري
ماذا سيحدث في سوريا بعد سقوط نظام بشار الأسد؟
بغداد ـ كلمة الإخباري | سراج علي
2024 / 12 / 08
0

يشكّل السقوط السريع وغير المتوقّع للنظام السوري الحاكم، لحظة محورية في التاريخ الحديث للبلد الذي عانى طويلاً جراء الحروب وانتشار العصابات الإرهابية؛ وكذلك للشرق الأوسط.

ورغمَ أنّ من أطاح بالنظام الحاكم برئاسة بشار الأسد الذي حكم سوريا منذ العام (2000)، هي المعارضة السورية؛ ولكن الأخيرة لم يكن خيارها وحدها وفقاً للمعطيات السابقة؛ وإنّما جاء بدعم خارجيّ ومن خلال أحد التنظيمات المتشدّدة المتمثلة بـ "هيئة تحرير الشام" التي يقودها أبو محمد الجولاني المصنّف على قائمة الإرهابيين في العالم.

ويشير هذا التطور السريع إلى إعادة ترتيب توزيع القوة في المنطقة المشتعلة بالحروب والأزمات الإنسانية الكبرى. كما يثير تساؤلات حول مستقبل سوريا ودور جيرانها وأصحاب المصلحة العالميين في إدارة المشهد في مرحلة ما بعد الأسد.

تقول العديد من التقارير لوسائل الإعلام: إنّ "نظام بشار الأسد صمد لأكثر من عقد من الزمان في وجه الحرب الأهلية والعصابات الإرهابية والعقوبات الدولية، ومع ذلك انهار في فترة زمنية قصيرة بشكل ملحوظ".

فيما يقسّم الخبير الاستراتيجي سالم الخالدي البلاد ما بعد انهيار نظام الأسد إلى ثلاثة أجزاء، ويشير إلى أن لكلّ منها داعمين خارجيين وأهدافاً خاصة.

ويبيّن الخالدي في حديثه لـ (كلمة): إنّ "السيطرة في الوقت الحاضر تنقسم لقوات المعارضة السورية وعلى رأسها هيئة تحرير الشام بقيادة أبو محمد الجولاني، والقوات الكردية التي تسيطر على مناطق من شمال شرق البلاد، والقوّات العلوية التي تحافظ على مناطق ساحلية من غربها".

ويضيف بأنّ "القوات الأولى (المعارضة) مدعومة تركياً، وهي تسيطر الآن على وسط سوريا المتمثلة بالمنطقة الممتدة من الحدود الشمالية مع تركيا إلى الحدود الجنوبية مع الأردن".

ويرى بأنّ "هذه المعارضة ومعها الفصائل الداعمة تتقاسم هوية دينية مشتركة، ولكن لديها تاريخاً من الصراعات الداخلية، قد يعيق قدرتها على تشكيل حكومة متماسكة أو تحقيق الاستقرار العاجل".

أما بالنسبة للقوات التركية (والحديث لا زال للخالدي) فهي "تستمر بتلقي الدعم من الولايات المتحدة التي أنشأت قواعد عسكرية في المنطقة"، ويهدّد هذا الدعم كما يرى "بتصعيد التوترات مع تركيا، التي تنظر إلى تمكين الأكراد باعتباره تهديدًا لسلامة أراضيها".

أما القوات العلوية "فقد أعلنت عن موقفها السابق والداعم لبشار الأسد، وقد تمثل آخر معقل للجماعات الموالية للنظام، بعد سيطرة المعارضة السورية".

وتشير الانقسامات الصارخة بين هذه المجموعات، إلى جانب غياب وسيط مقبول من الطرفين، إلى أن سوريا قد تواجه الآن حالة طويلة من عدم الاستقرار والصراع.


 كيف سيؤثر هذا على المنطقة؟ 

يؤكّد الخبراء والمراقبون للشأن السوري، أنّ "السقوط السريع لنظام الاسد له آثار عميقة على اللاعبين في الشرق الأوسط".

وبحسب مراقبين تحدّثوا لـ (كلمة)، فإنّ "المعارضة السورية ما كانت لتصل إلى إسقاط النظام السوري والإطاحة به لولا الدعم التركي القوي المقدّم لها، وانشغال حلفاء الأسد في حروب عديدة".

وقالوا: إن "لحظة الضعف بدأت بعد صراع إسرائيل وحربها على حزب الله اللبناني، إلى جانب انشغال روسيا الحليف الاستراتيجية لسوريا في حربها مع أوكرانيا"، مضيفين بأنّ "هذا الأمر وفّر فرصة استراتيجية للمتمرّدين (جبهة تحرير الشام) للتقدّم بسرعة إلى العاصمة دمشق".

وتسيطر تركيا بالفعل على قطاع من الأراضي في شمال سوريا، حيث يقاتل جيشها القوات الكردية السورية. والآن، مع انتصار حلفائها من المعارضة السورية، من المتوقع أن توسع تركيا نفوذها السياسي والعسكري في سوريا، مما يتسبب في المزيد من التحديات للأقلية الكردية التي تقاتل من أجل استقلالها.

كما أن وضع إسرائيل يعتبر الآن استراتيجياً بالنسبة لها، فسقوط الأسد يعطل ما يسمى بــ "محور المقاومة"، ولا يُستبعد أن تشّن تل أبيب مرّة أخرى هجماتها المسلّحة ضد لبنان وقواعد حزب الله، وذلك في ظل تواصل خرقها لاتفاق وقف إطلاق النار وتسديد ضربات جديدة.

إلى جانب ما كشف عنه تصريح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو خلال إعلان الهدنة مع لبنان، حيث قال: إنّ وقف إطلاق النار من شأن تحويل التركيز إلى مواجهة ما أسماه بـ "التهديد الإيراني".

وعلى صعيد متصل، حذّرت مدوّنون وكتّاب صحفيون من "محاولات تفتيت سوريا"، مؤكّدين بأن "ذلك سينتج مخاطر أمنية كبيرة على البلدان المجاورة لها".

وقال هؤلاء في تدوينات وتصريحات تابعه (كلمة): إن "من المرجّح أن تتصاعد تدفقات اللاجئين والعنف عبر الحدود والتوترات الطائفية"، وتستضيف تركيا بالفعل أكثر من ثلاثة ملايين لاجئ سوري ــ وتأمل أن يعود العديد منهم إلى ديارهم الآن بعد رحيل حكومة الأسد.

ورأوا بأنه بالنسبة للعراق ولبنان فإن عدم الاستقرار هذا "من شأنه أن يؤدي إلى تفاقم الأوضاع السياسية والاقتصادية الهشة في البلدين".

وزادوا بأن "تقسيم سوريا على أسس عرقية ودينية من شأنه أن يشجع مجموعات أخرى في المنطقة على التمرّد ضد الحكومة، في سعيها إلى الحصول على استقلالها الذاتي". وهذا من شأنه أن "يفاقم الانقسامات ويطيل أمد الصراع في مختلف أنحاء المنطقة" على حدّ قولهم.

وفي حين احتفل العديد من السوريين بعزل الرئيس بشّار الأسد ومغادرته نهائياً إلى خارج البلاد، فما زال من غير الواضح ما إذا كانت حياتهم ستتحسن كثيراً.

وحتّى مع مسك المعارضة السورية وجناحها العسكري ـ هيئة تحرير الشام ـ للحكم في البلاد؛ فإنّها تتطلب وقتاً طويلاً للاعتراف بها دولياً، رغمَ أن دولاً عديدة وعلى رأسها تركيا أكّدت أنها "تستعد للواقع السياسي والدبلوماسي الجديد في سوريا وفتح الحوار معها".

ولكن مع ذلك، فإنّ مأساة المدنيين وخصوصاً منذ الحرب التي شنتها داعش الإرهابية ومن بعدها جبهة النصرة وهيئة تحرير الشام واستمرّت لأكثر من (12 عاماً) ستبقى مستمرة؛ لحين مسك زمام الأمور بصورة كاملة وإعادة بناء دولة قادرة على حل الأزمة الإنسانية التي أنهكت حياة السوريين.





التعليقات