أربعُ نقاط تتمثل بـ (السيطرة، الهيمنة، التفكيك وشيطنة الجماعات المسلّحة الأخرى) هي التي حوّلت أمير جبهة تحرير الشام المتطرّفة من "كائن شبه لطيف" إلى "مصارع هائجٍ" يريد تحطيم كلَّ شيء أمامه ليفوزَ بقلبٍ امرأة أحبّها يوماً.. أو بالسلطة وتولي حكم سوريا، بدعم طبعاً من دول عظمى تقولُ عنه في العلن: إنه إرهابيّ وتضع (10 ملايين دولار) هدية لمن يأتي برأسه.. أما في الخفاء فهو ما يظهر تباعاً أمام الرأي العام، بعد الحرب التي شنّها أتباعه ضد الجيش السوري في مناطق من البلاد.
المغنمُ الأول الذي كان يبحث عنه أحمد الشرع المعروف باسم (أبو محمد الجولاني) هو أن يحظى بفتاة أحبّها ذات يوم في فترة شبابه الأولى لتكون زوجته في المستقبل، ولكنّ الموانع الكثيرة أمامه خيّبت آماله إلى الأبد، وإلا لو أنه حصلَ فعلاً على مراده لتحوّل إلى "حمل وديع" وشاب "مفعمٍ بالحياة والحيوية".
أما مغنمه الثاني فقد حازَ عليه بعدما لم يفز بالأول، كما تقول الروايات السائدة عن هذا الرجل البالغ من العمر (42 عاماً).. ولكن لا يعني أن يتحوّل الإنسان إلى "وحش ضارٍ ويسعى إلى تحقيق أحلامه بقتل الأبرياء" لمجرّد أنه لم يحظَ بــ "حبيبته" التي يقال: إنّها "ابنة رجل مثله ويدين بالعقيدة المتطرّفة نفسها ويسعى إلى السلطة والهيمنة".
قبل العام (2016) كان الجولاني أميراً لجبهة النصرة المنحلّة، والتي تمثل الفرع السوري لتنظيم القاعدة الإرهابي، وأدرجتها وزارة الخارجية الأمريكية على "قائمة الإرهابيين العالميين".
أما بالنسبة إلى لقبه (الجولاني) فيعود إلى مرتفعات الجولان السورية، التي تحتلها إسرائيل منذ العام (1967)، واختارَ هذا اللقب في دعايته الأولى لـ "مقاتلة أمريكا وحلفائها من إسرائيل وأخواتها" كما صرّح بذلك في بيان له صدر بتاريخ (28 أيلول 2014).
ولكن هناك وجه تشابه بينه وبين زعيم القاعدة المقتول أسامة بن لادن، فقد وُلِد الجولاني في مدينة الرياض السعودية، ومنها عاد إلى سوريا وتحديداً في العاصمة دمشق، ومن ثم انتقل في العام (2003) إلى العراق بدعوى مقاتلة الاحتلال الأمريكي.. وشيئاً فشيئاً أصبحَ في صفوف تنظيم القاعدة في العراق.
ووصولاً إلى العام (2006) أُلقي القبضُ على الجولاني وسُجن لمدة (5 سنوات) في سجون مختلفة بينها (أبو غريب، بوكا، كروبر وسجن التاجي).
بعدها وفي العام (2011) عاد الجولاني مرّة أخرى إلى الواجهة، ولكن من خلال زعيم داعش الإرهابي المقتول أبو بكر البغدادي، الذي اتفق معه على العودة إلى سوريا وإنشاء فرع القاعدة السوري المعروف بـ (جبهة النصرة) التي أصبح أميرها في العام التالي.
تغيّرت بعد ذلك أهواء الرجل وسعى إلى السلطة والهيمنة أكثر من أي وقت مضى، فاختلف مع سيّده البغدادي عام 2013، ورفض أوامره بحل جبهة النصرة ودمجها مع ما تُعرف باسم (الدولة الإسلامية في العراق والشام ـ داعش)، ليتحوّل بذلك من أحضان البغدادي إلى أحضان سيّد آخر وهو (أيمن الظواهري) زعيم تنظيم القاعدة بعد ابن لادن.
مرّت أشهر عديدة حتى جاء العام (2015) وهو العام الذي شهدت فيه سوريا حرباً شرسة من العصابات المسلّحة، وطلعَ الجولاني على شاشة الجزيرة بــ "وجه متخفٍّ" ليصرّح بأنه يقاتل الآن النظام الحاكم في سوريا وحزب الله.. أما الغرب فلن يقاتلهم ولا يسعى إلى مهاجمتهم، ومن هنا تحوّلت اتجاهات الرجل ومتبنياته وكأنّه انقلب على نفسه وعقيدته الأولى في محاربة أمريكا وحلفائها من إسرائيل وأخواتها.
وفي العام ذاته، شنَّ الجولاني مع مسلّحيه هجمات على القرى العلوية في سوريا، في تصعيد خطير جداً كان يعتبره ضرورياً لاستكمال خطته في محاربة أعدائه الجُدد كما يرى من النظام الحاكم وحزب الله.
وخلال هذه المدة وما بعدها، وضع الجولاني تكتيكاً يشبهُ تكتيك صانعي الإعلان وأصحاب (البراندات)، ففي حين يفشل اسم منتج أو يصبح منبوذاً فلا خيارَ أمام صاحبه إلا تغيير اسمه.. أما الخلطة فهي ذاتها.. حتى لو كانت عفنةً من الداخل.
فمن اسم (جبهة النصرة) صارت جماعته المسلّحة (جبهة فتح الشام) وذلك في العام (2016)، ومن ثم صارت (هيئة تحرير الشام) في العام (2017)، في سبيل إبعاد مذكرات الاعتقالات التي صدرت بحقّه، وكذلك تصنيف جماعته كــ "منظمة إرهابية عالمية".
وبحسب معلومات جديدة فإنّ الجولاني الذي يخوض هجمات مسلّحة ضد الجيش السوري في مناطق إدلب وحماة وحلب، يستعدّ مرّة أخرى لتغيير اسم جماعته (هيئة تحرير الشام) لذات الهدف والغاية السابقة، حيث تصنّف الآن أيضاً كــ "منظمة إرهابية عالمية".
وكان التوسع الأبرز لهيئة تحرير الشام وسيطرتها على إدلب، بعد معارك ضد حركة أحرار الشام وحركة نور الدين الزنكي وفصيل صقور الشام خلال عامي (2017 و2018).
الوجه الحقيقي للجولاني
رغمَ أن (أبو محمد الجولاني) عاش متخفّياً لفترات طويلة، يظهر هذه المرّة في حلب على رأس جماعته المسلّحة التي تقاتل الجيش السوري وتسعى للسيطرة على دمشق وقلب الحكم فيها.
ولكنّ الوجه الحقيقي لهذا الرجل، يكشف عنه اثنان مقرّبان منه، في تصريحات جديدة لهما.
فقد قال القيادي السابق في هيئة تحرير الشام (حسن باريد): إن "المحرك الرئيسي للعدوان الذي يشنّه الجولاني وقتال الفصائل هو السلطة وحب جمع الثروات والتمثيل الحصري للدول العظمى، بينما كان المقاتلون والعناصر يتحركون بفكر أنهم المشروع الإسلامي الوحيد".
ويضيف بأن "الهيئة لم تكن يوماً قائمة على فكر ثابت أو مبادئ ثابتة يلتف حولها من يعملون فيها أو يؤيدونها، بل كانت مسألة عواطف تلعب عليها القيادة وخاصة الجولاني".
ويلفت إلى أنه "في بداية الثورة كان الشباب متعطشاً للدين وغاضباً من كل ما له علاقة بحزب البعث، ومن هنا انطلق الجولاني، وفي هذه البيئة جمع حوله كل الكوادر والمقاتلين وبعض النخب، وكانت شعارات تحرير الأقصى والموت لأميركا سلعة رائجة في تلك الفترة".
ويشير أيضاً إلى أنه "حتى أثناء خلافه مع البغدادي، لم يكن خروج الجولاني عن مظلة الأخير من أجل مصلحة الأمة أو الجهاد أو الثورة؛ بل من أجل السلطة والجاه".
أما عضو الهيئة وهو جهاد عيسى الشيخ المعروف باسم (أبو أحمد زكور) فقد صرّح بعد إعلان انسحابه من الهيئة قائلاً: إن "قيادة تحرير الشام غيرت سياستها تدريجياً، وركزت بشكل خاص على أربع نقاط: السيطرة، والهيمنة، والتعدي على الفصائل الأخرى، والتفكيك، كما هدفت إلى تحقيق السيطرة العسكرية والأمنية والاقتصادية على المناطق التي يسيطر عليها الجيش الحر المدعوم من تركيا في ريف حلب".
ويبقى السؤال الذي يشغل بال الكثير من الناس، لماذا قرر الجولاني التحرك فور إعلان وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحزب الله اللبناني؟، وهل ما يجري ضمن مخطط عالمي في المنطقة؟، أم انه يبقى مجرد محض صدفة؟!