يعودُ اللبنانيون ليس على عجالة إلى بلادهم هذه المرّة، وإنّما بغصّة كبيرة، بعدما وجدوا كرماً "لا نظير له" كما يقولون، هنا في العراق، الذي يحبّونه ويعتبرونه بلدهم الثاني.
وبعد مرور أكثر من شهرين على احتضانهم في مدن عراقية عديدة، أبرزها النجف وكربلاء، حان موعد "العودة المستحبّة للبيت"، وسط شعورٍ غريب يخالج صدورهم، فيما تمتموا كلمات أقرب ما تكون إلى الشعر من للبكاء.
وشكرَت العوائل اللبنانية التي وفدت إلى العراق بعد تعرّض بلادها للقصف الإسرائيلي، العراقيينَ على "كرمهم وطيبتهم وروحهم النقية"، كما قدّموا شكراً خاصاً جداً "للمرجعية الدينية والعتبات المقدسة".
وفي متابعة لملف عوّدة النازحين اللبنانيين (ضيوف العراق)، قال المتحدث باسم وزارة الهجرة والمهجرين، علي عباس جهانكيز في تصريح لوكالة الأنباء الرسمية تابعها (كلمة) الإخباري: إن "نحو (4 آلاف) مواطن من الضيوف اللبنانيين سجّلوا أسماءهم للعودة إلى بلادهم".
وتابع بأن "المواطنين اللبنانيين عادوا طواعية إلى ديارهم بعد إيقاف إطلاق النار من قبل الجيش الإسرائيلي، وجرى نقلهم عبر منفذ القائم الحدودي مع سوريا ومنها إلى لبنان".
وأضاف أن "الوزارة وضعت خطة للتفويج العكسي للعائلات اللبنانية بتوجيه من رئيس مجلس الوزراء، كما أطلقت استمارة لتحديد الأشخاص الذين يرومون الرجوع وإعادتهم عبر المنافذ البرية أو الجوية عبر تنظيم رحلات لإعادتهم".
وتسببت الحرب التي شنّتها إسرائيل على لبنان إلى حصول موجة من الهجرة والنزوح لم تشهدها البلاد من قبل، وفضّل الآلاف من المواطنين اللجوء إلى العراق منذ شهر أيلول الماضي، حيث وجدوا فيه الملاذ الآمن لهم. في حين اتجه آخرون إلى سوريا، وهناك وجدوا أيضاً دعماً عراقياً على مختلف المستويات.
وبحسب عباس فإن وزارة الهجرة "سجلت ما يزيد على (20 ألف) لاجئ لبناني"، مضيفاً أن "اجتماعاً حكومياً ضم عدداً من الجهات المعنية وضع خطة لتنظيم عملية نقل اللبنانيين، براً وجواً".
وأوضح أيضاً أن "الكثير من العوائل اللبنانية لم تسجل رسمياً لدى دوائر الهجرة، واستأجرت فنادق ومنازل وشققاً على حسابها الخاص".
أما عن خطة النقل الخاصة لمساعدة اللبنانيين على العودة، قال المتحدث باسم وزارة النقل ميثم الصافي: إن الوزارة "أعدّت خطة لتنظيم عملية النقل بالتنسيق مع وزارتي الداخلية والهجرة والعتبات المقدسة".
وأوضح بأن "تشكيلات "إدارة المطارات والملاحة الجوية" و"الوفود والمسافرين" و"الخطوط الجوية العراقية" نظمت تلك الخطة التي ستنطلق هذا الأسبوع بإشراف الوزير.
وأشار إلى أن "الشركة العامة لنقل المسافرين والوفود هيّأت باصاتها لنقل اللبنانيين إلى المنافذ الحدودية العراقية، فيما ستكون هناك قرابة (20 رحلة) أسبوعياً بين المطارات العراقية (بغداد، النجف، البصرة، أربيل والسليمانية) ومطار رفيق الحريري الدولي في العاصمة اللبنانية بيروت".
وسجّلت محافظة كربلاء استضافة أكثر من (8 آلاف وافد لبناني) جرى احتضانهم من قبل العتبة الحسينية والعتبة العباسية، وتقديم الدعم والإسناد لهم على مستوى السكن والطعام وتوفير الاحتياجات الحياتية الضرورية.
كما احتضنت النجف أيضاً أكثر من (ألف وافد لبناني)، وعملت كذلك على توفير جميع احتياجاتهم خلال فترة مكوثهم في المدينة.
في حين احتضنت محافظة البصرة (422 عائلة لبنانية)، وجرى توفير سكن خاص لها في المحافظة، إلى جانب عوائل أخرى احتضنتهم عوائل بصرية في مناطق مختلفة.
كما سجّلت محافظة ديالى احتضان أكثر من (1200 وافد لبناني)، وأعلن حكومة المحافظة أن نحو (52 عائلة) تستعدّ للعودة إلى بلادها، بعد استضافتهم لنحو شهرين.
وكان المرجع الديني السيد علي السيستاني قد أصدر بياناً بتاريخ (23 أيلول الماضي) أدان فيه القصف الإسرائيلي على لبنان، وطالب ببذل كل جهد ممكن لوقف "العدوان الهمجي المستمر وحماية الشعب اللبناني من آثاره المدمرة"، كما دعا إلى القيام بما يسهم "في تخفيف معاناة اللبنانيين وتأمين احتياجاتهم الإنسانية".
ولاقى بيان المرجعية الدينية الذي وُصِف بــ "فتوى الإغاثة" صدى واسعاً بين العراقيين، كما هبّت العتبات المقدسة إلى إرسال قوافل المساعدات الإغاثية إلى سوريا لتقديم المساعدات للاجئين اللبنانيين القادمين إليها، والتي حملت الأطنان من المواد الغذائية والأدوية والملابس والمواد اللوجستية الضرورية، فضلاً عن تقديم الدعم باستضافة العوائل الوافدة إلى العراق واحتضانها وإسكانها.